مجزرة الدريهمي!
بقلم / د. مصباح الهمداني
ما زلت في حيرةٍ شديدة، وتعجبٍ كبير، وبرغم الألم اللامحدود، إلا أنَّ أسئلة تكاد تمزق رأسي؛
فأي دين يدينه حكام السعودية والإمارات؟ وأي كتبٍ قرأها علماؤهم؟ وأي مذهبٍ يجيزُ لهم كل هذا؟
وهل أمنوا مكر الله؟ وهل قرؤوا سنن الله وعواقب الظلم في الدنيا والآخرة؟ وهل فتشوا في كتب التاريخ نهاية العروش والممالك والملوك الظالمة؟
أسئلة لاشك أنها تدور في رأس كل منكم حين يشاهِد الجرائم تلو الجرائم، والمجازر تلو المجازر…
بالأمس مجزرة، لو أنها حدثت في شوارع الرياض أو أبو ظبي أو دبي لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاجتمع مجلس الأمن والمؤتمر الإسلامي والجامعة(العربية)، ولارتعدت منابر المسلمين في كل مسجدٍ وزاوية، ولاشتعلت المنظمات العالمية والإنسانية بالشجب والتنديد والتهديد.
ولا أبالغ لو قلت بأنها لو حدثت لقططٍ ضالة بتلك الطريقة الوحشية لقام العالم ولم يقعُد…
يا هؤلاء؛ بالأمس كانت أربع أسر تنام في أمان واطمئنان في الكوعي بمديرية الدريهمي،في بيوتٍ صغيرة متلاصقة، وتوحي ببساطة ساكنيها..
وفجأة حلَّتِ الكارثة، ونزلت الواقعة، وأطلقت طائرات العدوان صواريخها القاتلة، فتمزقت البيوت، وتطايرت الأجساد، وتعالت الأصوات.. وفي لحظاتٍ سريعة يكتشف الجميع أن القصفَ خلَّف أربعة قتلى وجريحين..
حضرتِ الدراجات النارية لإسعاف ما يمكن إسعافه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والجميع يردد”استعجلوا قبل أن يعاود الطيران غاراته”..
وبسرعةٍ وترقب وخوف؛ تُحملُ الأجساد المقطعة،فوق الدراجات النارية، وتبقى الأنفس الممزقة، والعيون الباكية، والعقول المصدومة، ويقرر أرباب الأسر الأربع:ماجد وحسن وعلي دحفس، وكذلك عمر أبكر أن يهربوا بأطفالهم ونسائهم؛ قبل أنَّ تحل كارثةٌ جديدة، فقد عرف اليمنيون خلال سنوات الحرب الأربع؛ أن العدو الصهيوعربي؛ نذل وحقير ولا يكتفي بغارة واحدة ولا بجريمة منفردة وإنما يعاودُ قصف المقصوف مرةً تلو أخرى..
لملموا آلامهم، وكفكفوا دموعهم، وأسكتوا أطفالهم، خلال دقائق معدودة، ثم استأجروا على عجلٍ وبدون مفاصلة؛ شاحنة كبيرة، وحملوا فوقها ما يستر عورتهم ويقيهم حرَّ الشمس، ودفعوا بأطفالهم ونسائهم داخلها سعيًا للنجاة..
وتركوا خلفهم أغنامهم وأبقارهم وأموالهم ومزارعهم، وكل ما يملكون أملاً في الحياة..
امتلأت الشاحنة وانحشرت الأنفس داخلها، كان عددهم مع السائق 26 غالبيتهم من الأطفال… وغادرت الشاحنة بعدَ أن فرشت الشمسُ سراجها في الأرض المنبسطة، وسار السائقُ في الطريق يتهادى بسرعةٍ خفيفة، خوفًا من سقوط الأطفال المحشورين بين الأمتعة..وكانت الأقمار والرادارات تراقبُ هذا الصيدَ الثمين، منذ الوهلة الأولى للتجميع، وما إن ابتعدت الشاحنة عن البيوت قليلاً؛ حتى جاء الطيران الصهيوعربي وأنزل فوقها صواريخه الأمريكية العملاقة، وفي لحظةٍ واحدة أصبح جميع الركاب أشلاءً ممزقة، وأجساد مقطعة، ولم ينجو منهم فردٌ واحد، امتلأت الرمال بالدماء، وتعلقَت الأشلاء بأغصان الأشجار المجاورة، وحصلتِ الفاجعة الكبرى، والجريمة النكراء، وحضرتِ الدراجات النارية، في مغامرةٍ يمانية، لعلها تجدُ جريحًا يصارع الموت فتنقذه، أو مبتورًا فيه نفسٌ فتسعفه..
لكن المفاجأة كانت أخطر، والصدمة أكبر، ولم يعثروا بعد البحث الشديد على ناجٍ واحد..وقضى جميع الركاب نحبهم في مأساةٍ قلَّ نظيرها في التاريخ..
صعدت أرواح؛ ماجد وحسن وعلي دحفس مع زوجاتهم وأطفالهم..
وصعدت روح عمر أبكر وزوجته وأطفاله..
وكانت الحصيلة النهائية لوزارة الصحة بعد جهود الإنقاذ والإسعاف؛
ثلاثون شهيدًا، منهم عشرون طفلاً، وخمسُ نساء…
ويصعد أطفال الدريهمي الأخيار، ليلتحقوا بأطفال ضحيان الأطهار..
بل ويلتحقوا بأكثر من 3050 طفل، و3400 امرأة؛ ممن قتلهم الأشرار، وسيشكون للنبي ظلم العملاء الأعراب..
توقفتُ عن الأسئلة، حين راجعتُ الإحصائية، وعدتُ قليلاً إلى الوراء، لأرى جريمة واحدة لهذا الجار الوهابي العميل؛ قبل تسعون عامًا؛ سقطَ فيها 3000 حاج يمني في مجزرة تنومة الشهيرة..
لم نعد نعول على صحوة هذا الجار المتصهين، ولا توبة الأعراب العملاء!
وإنما الاعتماد على الله؛ ناصر المؤمنين ومعين الصابرين، ومسدد رمي المجاهدين..
ولاشكَّ أن هناك الملايين من المسلمين من يئن لآلامنا ويحزنُ لمصابنا، ويتألم لحصارنا..
فإليهم ومنهم بعد الله سبحانه؛ نستمد العون والنصرة..