ما هو مبعث انزعاج السعودية والإمارات من تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية لمجلس حقوق الإنسان؟
بقلم/ أ٠د. عبدالعزيز صالح بن حبتور*
ليست هذه المرة الأولى التي يُقدم فيها تقرير أممي حول الوضع الإنساني أو العسكري أو الأمني في اليمن مُنذ أن شنت السعودية وحليفاتها عدواناً وحشياً على الجمهورية اليمنية، وبطبيعة الحال لن يكون الأخير، لأن العدوان لا زال في أوجِّهِ ، ولازال الغيَّ والعنجهية هي الحالة المسيطرة على ذهنية قادة تلك الدول المُعتدية على اليمن ، إذاً لماذا كل هذا العويل والتباكي الذي نسمعه ويسمعه الجميع منذ ان أعلنت لجنة تقصي الحقائق الدولية تقريرها من جنيف بتاريخ 28اغسطس 2018م ؟
دعونا نلخص مكمن وسبب الجنون والهستيريا الذي أصاب قادة دول العدوان في مقتل بعد سماعهم لأهم بنود ومحتوى التقرير من على منصة المؤتمر الصحفي في مقر الأمم المتحدة في جنيف الذي نظمه فريق لجنة التحقيق الدولية في اليمن ورئيسها الخبير الدولي كمال الجندوبي في النقاط الآتية :
أولا : فوجئت دولتا العدوان بظهور التقرير في هذا التوقيت الحاسم من عمر الصراع العسكري والسياسي بين اليمن من جهة والسعودية والإمارات ومرتزقتهم من جهة مُقابله ، وسيقدم هذا التقرير الهام والذي يعد ( البلاغ العالمي ) تجاه العدوان الى دورة مجلس حقوق الإنسان في الجلسة التاسعة والثلاثين المزمع عقدها من تاريخ 10- 28سبتمبر 2018م ، في مقرها الرئيسي في جنيف٠
ثانياً : دولتا العدوان لم تتوقعا أن يُقدم التقرير بهذا الشكل والمحتوى ، لأنها قد تعودت ان تطّلع وربما تراجع على مثل هكَذَا تقارير تخصها قبل ان تُنشر ، عبر أدواتها وسماسرتها ، وهي مُعتادة ان تشتري مواقف اللجان والأفراد والجماعات ، عبر جماعات الضغط التي أنشأتها في الدول الغربية تحديداً ومنها العديد من المنظمات الدولية والقارية والإقليمية ، ولهذا تعرضت لحالة من الصدمة العنيفة عند إطلاعها على التقرير كسائر الدول حين الإعلان عنه٠
ثالثا : لم تتوقع مطلقاً ان التقرير الأممي سيبرز بوضوح لا لَبْس فيه لحجم جرائمها المُنفذة في اليمن وعلى هذا النحو من الصدق والشفافية ( مع تحفظنا الشديد على أرقام الضحايا من المدنيين ) ، لأن السعودية والإمارات قد تعودتا على ممارسة قُبْح الجريمة دون ان تكترث للنتائج ، وان دماء وأرواح اليمانيين بالنسبة لهؤلاء المُعتدين لا أهمية ولا قيمة لها٠
رابعاً : أورد التقرير أسماء قادة دول العدوان السياسيين والعسكريين ( أمراء وشيوخ ) الذين وجهوا وشاركوا في قتل اليمانيين المدنيين وحتى ضيوفهم ( اللاجئون ) من الصوماليين والإثيوبيين والاريتريين في المواقع التي حددها التقرير وهي مناطق مدنية 100% ، وليست في مواقع الاشتباك العسكري القتالي ، وبالتالي يجب ان يخضع هؤلاء القادة للقانون والمحاكمة المُستحقة العادلة جراء ما اقترفوه من جرم ودمار بحق هذا الشعب المؤمن الفقير المقاوم الحر ٠
خامساً : قلناها مراراً بالسر والعلن أن من شن العدوان على اليمن وشعبه الكريم عليه ان يتحمل جميع التبعات القانونية بعد انتهاء العدوان ، بما فيها التعويضات وجبر الضرر والاعتذار للشعب اليمني العظيم، وهذا التقرير سيتمسك به أحرارُ اليمن وكل الأحرار بالعالم في مقاضاة دول العدوان ( المملكة العربية السعودية و الإمارات ألعربية المتحدة ) طال الزمن أم قصر لأن أرواح الشهداء اليمانيين الأحرار لن تسقط بالتقادم ولن تسقط بالتسويات ولا عبر الوسطاء والسماسرة، وأننا هنا متمسكون بأن يأخذ القانون الدولي ومحكمة الجنايات الدولية ، وعلى قاعدة شرع الله الذي يحدد بوضوح في الآية الكريمة ، بِسْم الله الرحمن الرحيم (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صدق الله العظيم ، وان غداً لناظره قريب بإذن الله تعالى.
سادساً : صحيح ان دول العدوان أثخنت الجراح في الوجدان والضمير الجمعي لليمانيين جميعاً ومارست بحقهم شتى أنواع الإهانات ، حيث أنشأوا السجون السرية والعلنية في عدن وبقية المناطق المُحتلة ووظفت العصابات المحلية ومسلحي داعش والقاعدة ، في الاغتيالات والاختطافات والتعذيب ، ومارست أقبح الجرائم تجاه اليمنيين الأحرار بممارسات لا أخلاقية ولا إنسانية سيسجلها التاريخ باعتبارها أفعالاً سوداء ومُخزية يندى لها جبين الإنسانية ، لكنه استطاع ان ينفذ ما فعله بمساعدة يمنيين يسمون ذاتهم ( سلطة شرعية، وجيش وطني ، ومقاومون ، ومناضلون ، وانفصاليون أحرار سيناضلون من اجل استعادة دولة الجنوب!) هؤلاء للأسف في معظمهم تحولوا بين عشية وضحاها الى منافقين ومرتزقة ومستأجرين بثمن رخيص بيد دول العدوان ، تحركهم بسهولة ويسر كأحجار الشطرنج في ملعب الصراع السياسي والعسكري ضد شعبهم ووطنهم اليمن العظيم.
سابعاً : سؤال كبير يضعه ويردده الرأي العام اليمني تحديداً ، هل يجوز أن نساوي بين الجلاد وهم دول العدوان بقيادة السعودية وعصاباتها ومرتزقتها ، وبين الجيش واللجان الشعبية وقياداتهم من أنصار الل
ه وحلفائهم والمؤتمر الشعبي العام وحلفائهم الذين يدافعون دفاعاً مشروعاً عن حدود اليمن التضاريسية الجغرافية والأخلاقية القيّمة ، هذا أمر هام يقرره الناس في اليمن ٠
الخلاصة : هذا التقرير الهام يجب ان يعيد بوصلة الحسابات الدقيقة في الجوانب السياسية والعسكريّة لدى جميع الأطراف المتصارعة وان المعركة لن تحسمها الأسلحة العسكرية في جبهات القتال بل ستحسمها تقديم الخيارات السلمية لجميع الأطراف المشتبكة على ارض الواقع على طاولة الحوارات القادمة بإذن الله.
بقي لي كلمة ونصيحة للمرتزقة الذين لازالوا يدافعون بحماسة عَن جرائم دول العدوان، ويبررون بسذاجة من على منابر الفضائيات الإقليمية والأجنبية ، نقول لهم: ماذا تبقى في جعبكم من حجج و أقاويل بعد صدور هذا التقرير الأممي الحاسم ، الذي أظهر فيه بوضوح تام الخيط الأسود من الخيط الأبيض في تحديد الجرائم المُرتكبة بحق اليمن وأهله الكرام ،و نقول لهم هل بقي لكم ما تقولونه بعد هذا التقرير ؟ ، هل بقي لكم شيء من ضمير وأخلاق ورجولة ؟ ، والله اعلم منا جميعاً٠
وفوق كل ذي علمٍ عَلِيم
*رئيس مجلس الوزراء