موقف المسلم في الفتن
ذكر البخاري رحمه الله في« صحيحه» كتاب?ِ الفتن ? ابتدأه بقوله:« باب :
قول الله تعالى: (و?ِات??ِق?ْوا ف?ت?ن?ِة?ٍ لا ت?ْص?يب?ِن??ِ ال??ِذ?ين?ِ ظ?ِل?ِم?ْوا م?ن?ك?ْم? خ?ِاص??ِة?ٍ و?ِاع?ل?ِم?ْوا أ?ِن??ِ الل??ِه?ِ ش?ِد?يد?ْ..) , وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذ?ر من الفتن».
وذلك أن الفتن إذا أتت ? فإنها لا تصيب الظالم وحده , وإنما تصيب الجميع,
ولا تبقى –إذا أتت –لقائل مقالا?ٍ, وإنما يجب علينا أن نحذرها قبل وقوعها,وأن نباعد أنفسنا حق?ا?ٍ بعدا?ٍ شديدا?ٍ عن كل ما يقرب إلى الفتنة أو
يدني منها ?فإن??ِ من علامات آخر الزمان كثرة الفتن ? كما ثبت في الصحيح
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتقارب الزمان ,ويقل??ْ العمل ,ويلقى
الشح,وتكثر-أو قال : تظهر-الفتن».
وذلك لأن الفتن إذا ظهرت ? فإنه سيكون معها من الفساد ما يكون مدنيا?ٍ لقيام الساعة.
ومن رحمة نبي الله صلى الله عليه وسلم بنا : أن حذ??ِرنا من الفتن كلها.
الضوابط والقواعد الشرعية الواجب اتباعها في الفتن :
* الأول من تلك الضوابط والقواعد:
أنه إذا ظهرت الفتن , أو تغيرت الأحوال ? فعليك بالرفق والتأن??ي والحلم
, ولا تعجل.
هذه قاعدة مهمة : عليك بالرفق , وعليك بالتأن??ي , وعليك بالحلم.
ثلاثة أمور:
* أما الأمر الأول – وهو الرفق – ? فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال
فيما ثبت عنه في الصحيح : « ما كان الرفق في شئ? إلا زانه, ولا نزع من شئ إلا شانه».
قال أهل العلم : قوله : « ما كان في شئ إلا زانه» : هذه الكلمة:« شئ» :
نكرة أتت في سياق النفي , والأصول تقضي بأنها تعم جميع الأشياء ? يعني :
أن الرفق محمود في الأمر كله .
وهذا قد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم :« إن الله يحب الرفق في الأمر كله »? قاله عليه الصلاة والسلام لعائشة الصديقة بنت الصديق , وبو?ب عليه البخاري في الصحيح ? قال ?« باب الرفق في الأمر كله ».
* أما الأمر الثاني ? فعليك بالتأني ? يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم
لأشج عبد القيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ».
والتأن?ي خصلة محمودة , ولهذا قال جل? وعلا : (ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا..) .
قال أهل العلم : هذا فيه ذم??ْ للإنسان , حيث كان عجولا?ٍ ? لأن هذه الخصلة
? من كانت فيه ? كان مذموما?ٍ بها , ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
غير متعجل.
* وأما الأمر الثالث ? فهو الحلم , والحلم في الفتن وعند تقلب الأحوال
محمود أيما حمد , ومثنى?ٍ عليه أيما ثناء ? لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء
على حقيقتها , ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهي عليه .
ثبت في « صحيح مسلم » من حديث الليث بن سعد عن موسى بن ع?ْل?ٍي? عن أبيه :
أن المستورد القرشي – وكان عنده عمرو بن العاص رضي الله عنه – ? قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « تقوم الساعة والروم أكثر
الناس » . قال عمرو بن العاص له – للمستورد القرشي – : أبصر ما تقول !
قال: وما لي أن لا أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ? قال : إن
كان كذلك ? فلأن في الروم خصالا?ٍ أربعا?ٍ: الأولى : أنهم أحلم الناس عند
الفتنة . الثانية : أنهم أسرع الناس إفاقة?ٍ بعد مصيبة … وعد الخصال
الأربع وزاد عليها خامسة .
قال أهل العلم : هذا الكلام من عمرو بن العاص لا يريد به أن يثني به على
الروم والنصارى الكفرة ? لا ! ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم
أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة لأنهم عند حدوث الفتن هم أحلم الناس ?
ففيهم من الحلم ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها ? لأجل أن لا
تذهب أنفسهم , ويذهب أصحابهم .
* الثاني من تلك الضوابط والقواعد:
أنه إذا برزت الفتن وتغيرت الأحوال , فلا تحكم على شئ من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصو??ْره ? رعاية للقاعدة: « الحكم على الشيء فرع?َ عن تصوره».
وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعا?ٍ قبل الإسلام وبعد الإسلام , ودليلها
الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا : قال الله جل وعلا : (ولا تقف ما ليس لك به علم .) ? يعني : أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينه منه? فإياك أن تتكلم فيه , وأبلغ منه أن تكون فيه قائدا?ٍ , أو أن
تكون فيه متبعا?ٍ , أو تكون فيه حكما?ٍ .
* الثالث من تلك الضوابط والقواعد :
أن يلزم المسلم الإ نصاف والعدل في أمر كله .
يقول الله جل??ِ وعلا : ( و?ِإ?ذ?ِا ق?ْل?ت?ْم? ف?ِاع?د?ل?ْوا و?ِل?ِو? ك?ِان?ِ ذ?ِا ق?ْر?ب?ِى )(الأنعام: من الآية152) .
ويقول جل??ِ وعلا : (? و?ِلا ي?ِج?ر?م?ِن??ِك?ْم? ش?ِن?ِآن?ْ ق?ِو?م?ُ ع?ِل?ِى أ?ِل??ِا ت?ِع?د?ل?ْوا اع?د?ل?ْوا ه?ْو?ِ أ?ِق?ر?ِب?ْ ل?لت??ِق?و?ِى) (المائدة:8)
* الرابع من تلك الضوابط والقواعد :
ما دل??ِ عليه قول الله جل??ِ وعلا:( و?ِاع?ت?ِص?م?ْوا ب?ح?ِب?ل? الل??ِه? ج?ِم?يعا?ٍ و?ِلا ت?ِف?ِر??ِق?ْوا)(آل عمران: من الآية103)) .
وبي??ِن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآي