الحُديْدة أو عندما يلين الحديد
بقلم/ د منصر هذيلي
لو علم النّاس ماذا يكون من اليمن وماذا يأتي منها لزهدوا في أمور كثيرة ولانتبهوا وتأمّلوا المشهد اليمنيّ مليّا. ولكن النّاس يغفلون وهذا جيّد. بالمنعطفات التاريخية الوازنة تكون غفلة. في القرآن الكريم ربط دالّ مفيد بين أخذ الله وغفلة النّاس وبين أمر الله وبين الغفلة. وما الغفلة؟ هي تنتج عن وهم الاكتفاء ووهم القدرة وخيلاء السيطرة والزهوّ بالحساب. يغفلُ المرء اذا كفر بالجديد وعمِىَ عن الإستثناء.
بكلّ الحسابات لا يأتي من يمن فقير محاصر ومهمّش منذ عقود جديد ولا يفرض ذلك الاستثناء الذي يزلزلُ المثبّت من قوانين قوّة ونفوذ. لأنّ اليمن كذلك يأتي منه الإستثناء. من حيث لا يتوقّعون ولا يحسبون يأتي ما يحذرون. مشهد اليمني بإزاره البسيط وسلاحه الخفيف يدوس مدرّعات حديد من أعلى طراز له ما بعده أثرا في النّفس والذهن والسلوك داخل اليمن وخارجه. هو مشهد يفضح في أدنى الحالات حدود الحديد ويجلي بأس الإرادة والعزيمة والتصميم. بالحسابات العسكرية البسيطة والمعتمدة يُفترض أنّ معركة كمعركة الحديدة تنتهي قبل أن تبدأ. لا تناسب في القوة وأرض ممتدةّ مكشوفة وتفوق بالرّصد والجوّ للحلف السعودي.
كلّ هذا لم ينفع وها هي الحديدة تتحوّل مستنقعا وورطة تكاليفها ضخمة. لا ينتصر من ينتصر في حرب إلا بقدر نجاحه في تخويف العدوّ وثنيه. تجتمع كلّ وسائل التخويف ولا يخاف اليمني. هو يقاتل من مسافة صفر، لا يفزع ولا يجزع. فردا يواجه دبابة بل يتحدّى طابور دبّابات. هذا عن ساحة المعركة أمّا المدينة فتتظاهر متحدّية غير مكترثة لقصف طيران ولا لتهديد لا ينفع بآكتساحها والتنكيل بأهلها. صفع العراق بوش الابن وصفعت الشام بغزّتها وجنوب لبنانها اوباما وفي الطريق صفعة يمنية لترامب. هو يتّخذ من الإماراتيين والسعوديين قناعا ولكنّه بمحطّة من المحطّات سيجرّب حظّه وسيفشل.
بطائرات من ورق يسبّب الغزّاويون للصهاينة وهم قوّة ضاربة صداعا لم يتوقّعوه أمّا بأرض اليمن فيترنّح خليج متخم بالمال ومدجّج بأعتى السّلاح. هو ذات المشهد وهو يجلّي أنّ الحديد إذا صادف رجالا يلين. وألنّا له الحديد.