دلالة “الشريعة” في برامج الأحزاب السلفية المصرية
تفاوتت الأحزاب السلفية في تعاطيها مع قضية “الشريعة الإسلامية” من خلال نصوص البرامج التي قدمتها للحصول على شرعية مزاولة العمل السياسي? وإن اتفقت جميعها في التأكيد على ضرورية تحكيم الشريعة في مصر ما بعد الثورة وإزالة كل العوائق في طريق ذلك.
ويتأكد لمن يطالع برامج الأحزاب السلفية أنها جميعا تضع الشريعة الإسلامية بكافة أحكامها ومبادئها موضع لا مجال لمنازعة قدسيته? لكنها ـ في الوقت نفسه ـ لا تراها نصوصا جامدة? كما كان يظن البعض? ولم تقصرها على الحدود? بل منهج كامل لكل مناحي ومجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.. إلخ. ذلك أن العمل السياسي وسيلة لا غاية والهدف منه ـ كما ترشد الأدبيات السلفية ـ تعبيد الناس لرب الناس وتطبيق أحكامه بين البشر.
الشريعة في برنامج حزب “النور”
ينص برنامج حزب “النور” على الالتزام بالمادة الثانية من الدستور المصري? التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع? واعتبارها (المادة الثانية) “مرجعية عليا للنظام السياسي للدولة”? وأيض?ٍا “نظاما?ٍ عاما?ٍ وإطارا?ٍ ضابطا?ٍ لجميع الاجتهادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية? والقانونية”.
وانطلاقا من هذا النص العام يؤكد الحزب على شرعية أن تكون الشريعة الإسلامية ماثلة في كل الشؤون ومناحي الحياة? ففي التفصيل يوضح برنامج النور “ضرورة تحقيق الديمقراطية في إطار الشريعة الإسلامية”? و”المحافظة على الحقوق الأساسية والحريات العامة في إطار من الشريعة الإسلامية”? وفي الاقتصاد يطالب بـ “تفعيل مؤسسات الزكاة والوقف”? و”التوسع في صيغ التمويل الإسلامية المبنية على المشاركة في الأرباح وفي الإنتاج? بدلا?ٍ من النظام الربوي القائم على الفائدة”? وهو ما يتطلب تعديل قوانين اقتصادية? ومنها “قانون البنوك والإقراض”.
وفي شأن الرؤية المغلوطة اجتماعيا عن المرأة ودورها في المجتمع يطالب الحزب بإطلاق حملات تثقيف إعلامي?ِ?ة واجتماعي?ِ?ة وديني?ِ?ة? تعمل على تصحيح الصورة الذهنية السلبي?ِ?ة للمرأة? والتحذير من ظلمها والافتئات علي حقوقها? على أن تستند تلك الحملات إلى “المبادئ والقيم الأخلاقي?ِ?ة النابعة من الت?ِ?عاليم الإسلامي?ِ?ة”.
وفي شأن الموقف من غير المسلمين في المجتمع المصري يرى الحزب في الإقرار بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ما “يتضمن تأمين الحرية الدينية للأقباط? وإثبات حقهم في الاحتكام إلى ديانتهم في أمور الأحوال الشخصية الخاصة بهم”? أما غير ذلك من أمور الحياة بكل أنواعها? والنظام العام والآداب “فقانون الدولة يسري على المواطنين كلهم? ولا يصح لأحد أن يخرج عنه”.
ويؤكد أكبر الأحزاب السلفية وأولها حصولا على الشرعية القانونية بعد الثورة على دور المؤسسة الدينية الرسمية “الأزهر” في التوجيه والإرشاد لما للأزهر من تأثير كبير? فينص برنامج “النور” على كون الأزهر ركن أساسي وعامل مهم في “تشكيل الفكر والوعي العام للأمة”.
ونظرا?ٍ لتراجع الأزهر ومؤسساته في العقود الأخيرة? فإنه من الضروري أولا استعادة دور الأزهر? وفي سبيل ذلك يرى الحزب الذي بات يمثل الذراع السياسية لـ”الدعوة السلفية” ـ المدرسة السلفية بالإسكندرية ـ عدم ربط شيخ الأزهر? ومشيخة الأزهر? وجامعة الأزهر بالقيادة السياسية في مصر? “فلا يصح أن تكون بوقا?ٍ لها? وأداة من أدواتها”? أيا?ٍ كان نوع النظام السياسي? إذ أن الأزهر ينبغي أن يظل مستقلا?ٍ? لأنه كلما زادت قوة الأزهر ونفوذه زادت قوة مصر بالضرورة.
ما سبق يؤكد على رغبة الحزب في ألا يظل الموقف من الشريعة الإسلامية هو ذلك الموقف القديم الذي كرسه النظام السابق من النصوص الشرعية ـ بالرغم من وجود المادة الثانية ـ فتركها جامدة لا أثر لها على حياة الناس لكن يضع حزب “النور” من خلال برنامجه منهجا ـ في حال طبق ـ يجعل الشريعة حاضرة في كل قضايا وشؤون الناس.
الشريعة في برنامج حزب “الأصالة”
على عكس “النور” اكتفى حزب “الأصالة” ـ وهو الثاني في ترتيب الأحزاب السلفية من حيث الحصول على الاعتراف القانوني ـ اكتفى بالحديث في عموميات تدلل على التزامه أحكام الشريعة الإسلامية في كل الأمور والشؤون لكن لم يشأ أن يفصل في هذه الرؤية أو أن يوضح كيف سيعكسها على قضايا المجتمع المختلفة.
فينص برنامج الأصالة على أن “النبع الرئيسي للقيم المصرية الأصيل?َة هو تعاليم الدين الإسلامي”? ولذلك يقدم الحزب نفسه بوصفه “حزب سيا?َسي ذو مرجعية?َ إسلامية?َ في إطار الدستور”? ويضيف أيضا نحن نرى أن كل القيم الكريمة التي نريد?َها أن تكون متأصلة في الشعب المصري مثل الصدق والأمانة والتسامح إنما هي “مستقاة من الشريعة الإسلامية?َ”. تلك الشريعة التي يرى “الأصالة” في كونها المصدر الرئيسي للتشريع ضمان العدل لجميع طوائف الشعب مع حفظ حق غير المسلمين في التحاكم إلى شرائعهم فيما يخص أحوالهم الشخصية?َ.
وفي باب (الحقوق العامة والأساسية للمواطنين) يرى ثاني الأحزاب السلفية