الزرازير التي توهّمت أنها صارت شواهينا
بقلم / د. عبدالعزيز بن حبتور
تابعت كغيري من المراقبين للشأن العام حديث سعادة سفير الاتحاد الروسي السابق فلاديمير تيتورينكو في قناة روسيا اليوم RT، والمنشور بتاريخ 25 نيسان/ أبريل فأثار الحوار الشيق مجموعة من المعلومات الصريحة عن دور المال الخليجي المدنس في إسقاط عدد من الأنظمة العربية بأمر من الولايات المتحدة الأميركية التي وجدت أن عملاءها أو لنقل (حلفاءها) في المنطقة العربية سيقومون بالمهمة التي كانت تقوم بها أميركا مباشرة كما كانت ولا تزال تفعل في إسقاط الأنظمة الوطنية في حديقتها الخلفية أميركا الجنوبية (اللاتينية).
تناول السفير الروسي دور (قطر العظمى) كما أسماها في حديثه في ما يسمى بثورات الربيع العربي، وقال أن وزير خارجية قطر مارس ضغطاً هائلاً عليه لكي يقنع بلاده روسيا بالانخراط في الحملة العسكرية التي ينفذها حلف شمال الأطلسي “الناتو NATO” في ليبيا من أجل (تخليص) الشعب الليبي من (الديكتاتور) القائد معمر القذافي. وأردف الشيخ حمد بن جاسم بأننا قد أرسلنا ست طائرات وصلت إلى جزيرة مريت الإيطالية لتعمل ضمن قوات الناتو، قالها بزهو وفخر، وأنكم – موجهاً حديثه للسفير الروسي – يجب أن تشاركوا في هذا العمل الإنساني الدولي.
مارست قطر دوراً ضاغطاً ومباشراً ووقحاً على روسيا كي تشترك في العدوان على الجماهيرية الشعبية الليبية وقتل قائدها القذافي، وإن لم تشترك فإن مُعظم الاتفاقيات التجارية بين البلدين ستتوقف ومنها اتفاقيات الغاز.
واسترسل السفير الروسي كثيراً في سرد الاستدلالات والوثائق الإعلامية والاستخباراتية التي تُظهِر قطر مشاركاً أساسياً في تدمير عدد من البلدان العربية، ومنها سوريا. وقال: نتذكر جميعاً الحديث الشهير الذي أدلى به حمد بن جاسم لـ BBC بتاريخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 والذي اعترف فيه بوضوح لا لَبْس فيه بأن قطر أنفقت ما يزيد عن 137 مليار دولار على المعارضة المسلحة السورية بمن فيها بطبيعة الحال الإرهابيون.
وقال: جرى ذلك بموافقة تركيا والسعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي العربي الأخرى وبأمر من حكومة الولايات المتحدة الأميركية.
وتجب الإشارة إلى أننا لن نضيف أَي جديد هنا، لكننا نوثق ونسجل للحاضر والمستقبل معاً كي تعرف الأجيال العربية المقبلة طبيعة ما حدث وفقاً للمعطيات الآتية:
أولاً: إن ما سمي بالربيع العربي الذي ذهب ضحيته الملايين من المواطنين العرب قتلاً وتشريداً وتهجيراً وتعذيباً، كان نتاجاً لمؤامرة كبيرة تم تدبيرها في دوائر الاستخبارات الأمريكية الأوروبية.
ثانياً: لَعِبَ شيوخ وأمراء النفط لعددٍ من دول مجلس التعاون الخليجي دوراً مالياً وإعلامياً وعسكرياً محورياً في تنفيذ هذه المؤامرة القذرة بحق الدول العربية التي نُفِّذ فيها هذا المشروع الدنيء.
ثالثاً: بدأت تتكشف خيوط تلك المؤامرات المسماة (ثورات الربيع) منذ وقت مُبكر، وتم التنبيه لها من قِبَل العديد من المفكرين والساسة والإعلاميين. ومع بروز الصراع الحاد بين قطر ودول الحصار العربية، وهي المملكة السعودية ومشيخة الإمارات وجمهورية مصر ومملكة البحرين، تسابق الطرفان في كشف أوراقهما ضد بعضهما البعض. وكانت أحاديث الأمراء القطريين شاهداً على عمق الخلاف بينهم، وعلى مشروعهم المشترك لتدمير الوطن العربي.
رابعاً: انكشف بوضوح جزء من أهداف مؤامرة الربيع العربي حينما أظهرت مشيخة الإمارات المتحدة نهمها الشديد في الاستيلاء على، واحتلال الجزر اليمنية وميناء عدن، وتوسعت لتبرم الاتفاقيات مع إرتيريا وجيبوتي وحتى جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها.
خامساً: وفّرت نتائج تلك الثورات مناخات وملاذات مناسبة لنمو وتطور الحركات الإرهابية، مثل نشوء ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية (داعش) وتطور تنظيم القاعدة، والشباب المؤمن، وأنصار الشريعة وجيش الإسلام والنصرة والعشرات من هذه التنظيمات الإرهابية. ولو لم يفجروا تلك الأوضاع في العالم العربي لما نمت وانتعشت تلك القوى الإرهابية الأكثر خطراً على السلام العالمي برمته.
سادساً: عجيب أمر هذا المال الخليجي (السائب) الذي تم توظيفه لتدمير كلٍ من العراق العظيم، وسوريا العرب، ومصر الكنانة، وليبيا الحُرة واليمن السعيد، وباعتراف صريح بأن كل هذا العبث واللهو بأرواح الملايين ومقدراتهم المادية التي بُنيت لأكثر من ستة عقود، كان بأمر من أسيادهم الأمريكيين وبدرجة أقل من الأوروبيين.
سابعاً: العقلاء ذوو الضمائر اليقظة يفتشون دائماً عن الجهة المستفيدة من أَي مشروع سياسي يُنفَّذ في منطقتهم. والجهة الوحيدة المُستفيدة كُليَّاً من هذا الخراب الذي حل بالشعوب العربية وجيوشها القوية هي الكيان اليهودي الصهيوني؛ فمن مصلحة أميركا ودول حلف الناتو وأذيالهم بالمنطقة أن تكون إسرائيل في مأمن من محيطها المناهض لها.
هكذا بدت الصورة في أوضح تجلِّياتها مع مرور العام السابع لمؤامرة ما سُمي بـ”الربيع العربي”؛ والله أعلم منا جميعاً.
وفوقَ كُلِّ ذي عِلْمٍ عَلِيم.
نقلا عن الميادين