أزمة الحمير: حكاية الأزمة المالية والاقتصادية العالمية ( قراءة تحليلية نقدية )
نشرت عدة مواقع صحفية في فرنسا وفضاءات النقاش على شبكة الإنترنت ? في آواخر شهر غشت ( أغسطس )2011 ? ومن بينها موقع ميديا بارط Mediapart ? ورقة موقعة باسم شارل كونط ? لكنها ترجع في الأصل حسب موقع أكورا فوكس AgoraVox إلى دنيال روم Daniel Rome ? تحمل عنوان ” أزمة الحمير “. وتقدم هذه الورقة ? على شكل حكاية?ُ خاصة ب ” قرية وسكانها ” ? أهم? مراحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر? بها العالم اليوم ? وهي موج?هة بالخصوص إلى من لا يعرف شيئا عن قوانين السوق. ويبدو لي أن? هذه الحكاية مستوحاة أو لها أوجه شبه بما كان قد نشره سابقا الكاتب?ْ الأمريكي وليام فولكنير William Faulkner بطريقة فكاهية في قصتين هما ” Spotted Horses ” و ” Mule in the Yard ” بصدد ظاهرة الإبتزاز والإنتهازية المهيمنة على العمليات المالية …
ولعل الشيء الأهم في هذه الحكاية هو أن?ها طريفة وساخرة وهدفها تنويري إذ تحاول بطريقة تربوية مبس?طة وبليغة للغاية شرح?ِ جذور هذه الأزمة وما يترتب عنها من تبعات اقتصادية قاسية واجتماعية مؤلمة… وقبل أن نبدأ في مناقشة بعض الأفكار الواردة فيها ? لنقف جميعا على ترجمة نصها الكامل حتى نضطلع على محتواها .(1)
*******
دخل رجل يلبس ربطة عنق يوما ما إلى قرية ? وهناك صعد على صندوق وبدأ يصيح بكل الناس أنه مستعد? لدفع 100 يورو لكل من يقدم له حمارا. وعلى الرغم من إحساس القروي?ين بأنه كان شيئا ما غريبا فإن?هم وجدوا الثمن المقترح محفزا?ٍ للبيع ? وتعاملت مجموعة منهم معه ورجعوا إلى ديارهم فرحين مبتهجين بجيوب مليئة باليوروهات .
لكن الرجل رجع في اليوم التالي باقتراح أكثر سخاء?ٍ : 150 يورو لكل حمار . وهنا تقد?م عدد كبير من السكان ببيع حميرهم. وفي الايام التالية ? أهدى الرجل 300 يورو مقابل كل حمار ? فتراكض من لم يبيعوا حمير?ِهم بالأمس إلى عرض آخر ما تبقى في القرية من هذا الحيوان.
ولما تيقن رجلنا من أن? القرية أصبحت خالية تماما من الحمير ? أخبر سكان?ِ القرية بأنه سوف يرجع بعد أسبوع لمتابعة شراء الحمير وأنه هذه المر?ة مستعد? ل?دفع 500 يورو لكل? رأس.
وبعد غد س?ِل?م ل ” شريكه ” قطيع?ِ الحمير التي اشتراها وأرسله إلي نفس القرية وأم?ِر?ِه بأن يبيع كل? حمار ب 400 يورو.
أمام إمكانية كسب مائة يورو ربحا انطلاقا من الأسبوع المقبل ? اشترى كل? قروي من جديد الحمار ب 400 يورو أي بثمن أغلى بكثير من الذي باعوه به ? ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قام كثيرون منهم – رغبة منهم في ربح أكبر – باللجوء إلى قروض.
وكما كان منتظرا ? فإن? رجل?ِ الأعمال وشريكه ذهبا لقضاء عطلة مستح?ِقة في إحدى الجزر التي تعفي زبناء?ِها من مستودعي الأموال فيها من الضرائب ? ووجد القروي?ون أنفس?ِهم يملكون حمير?ٍا بدون قيمة ? مثقلين بالديون وحلى حافة الهاوية.
وحاول هؤلاء الاشقياء عبثا أن يبيعوا حمير?ِهم لعلهم ي?ِر?ْد?ون ديون?ِهم ? لكن? أسهم الحمير في السوق كانت قد سقطت دون رجعة. فقام ” المصرفي ” بوضع يده على كل الحمير ثم كراها إلى مالكيها الأولين أي سكان القرية. لكنه لم يكتف بهذا ? بل ذهب إلى عمدة القرية يبكي ويشتكي شارحا له أنه في حالة ما إذا لم يستطع استرجاع مصاريفه ورؤوس أمواله فإن?ه سيكون مفلسا هو الآخر ? لهذا يجب عليه أن ي?ْسد?د?ِ له مباشرة كل? القروض التي دفعها إلى القرويين.
ولكي يتفادى الكارثة ? قام عمدة?ْ القرية بدفع المال إلى ” المصرفي ” – صديقه الحميم وأول مساعد له في البلدية – عوض أن يعطيه إلى سكان القرية لكي يؤد?وا ديونهم. ومع ذلك ? وبعد أن أعاد الترتيبات اللازمة في خزينته ? لم ي?ْشط?ب هذا المصرفي على ديون القرويين ولا على ديون الجماعة الحضرية للقرية ? فاستفحلت ديون?ْ هؤلاء وبلغت مستوى ينذر بالخطر.
ولما رأت بلدية القرية أن? فاتورتها المالية على وشك التدهور وأن? النسب المأوية لديونها في ارتفاع متزايد هائل ? طلبت المساعدة من البلديات والجماعات الحضرية الأخرى المجاورة لها ? لكن هذه الأخيرة رد?ت عليها بالقول أنها لا تستطيع ذلك لأنها مر?ت هي الأخرى بنفس الأزمة وتعرف نفس المشاكل.
هنا اقترح ” المصرفي ” حلولا للخروج من الأزمة وتبعه الجميع?ْ في تطبيقها فقر?روا تقليص?ِ المصاريف العامة : خفض ميزانية التعليم والمشاريع الاجتماعية والنقل والأمن… ? وتأخير سن? التقاعد ? وحذف وظائف في المصالح العمومية ? وخفض الأجور ? ورفع الضرائب… وقيل لتبرير هذه السياسة التقشفية أنها ضرورية ? في انتظار تحقيق وعد?ُ يخص? فحص?ِ تجارة الحمير اللاأخلاقية الكارثية.
هذه الحكاية الحزينة تأخذ كل معناها حين نعرف أن? ” المصرفي ” ورجلا الأعمال ” الغشاشين ” هم إخوة يطلق عليهم اسم ” إخوة السوق ” ويعيشون كلهم في جزيرة من جزر البرمود une ?ًle des Bermudes اشتروها كما يد?عون بعرق جبينهم .
وقد و?ِع?ِد?ِ كل? واح