1. وسمفونية الممانعة
في ايلول عام الفين وسبعة كانت سيارة “المازدا” التي تنقل المسافرين من عمان الى دمشق تشق طريقها باتجاه دمشق وعلى متنها اربعة ركاب كنت انا منهم? وفيما يعرف بحدود جابر التي تفصل الاردن عن سوريا وكإجراء روتيني يتم فحص وثائق المسافرين في كلا الاتجاهين? لكن من سوء حظي بصفتي فلسطيني? نسيت ان ازيل احدى الملصقات المكتوبة بالعبرية من على وثيقة سفري- وللتذكير فنحن الفلسطينيون المسافرون باتجاه الاردن المخرج الوحيد الى العالم الخارجي? لزام علينا ان ت?َمهر وثائق سفرنا بالاختام الاسرائيلية عند نقاط العبور الاسرائيلية- بعد ان ترجل اربعتنا من السيارة لاجراء “الفحوصات الطبية لوثائق سفرنا” فتعثرت وثيقتي في فخ مسؤول الجوازات? فاستدعيت على عجل لمعرفة ماهية هذه الاختام? لكن سائق المركبة غمز لي بطرف عينه بضرورة وضع “المعلوم” داخل وثيقة السفر لاختصار الوقت وقطع السؤال والهمز واللمز على الضابط المسؤول? “والمعلوم” هو ما تجود به نفسك من نقود اقلها خمسمائة ليرة سوري ? وبذلك تقطع على نفسك عناء الاسئلة التقليدية وغير التقليدية لتجتاز نقطة العبور بأقل الخسائر? لكن هذا لا يعني ان تفلت من قصاصة الورق التي تدعوك الى زيارة -قد تكون بسيطة او غير ذلك مما لا يحمد عقباه- الى مقر المخابرات وسط العاصمة دمشق فهذه الورقة على ما يبدو اضحت قدرا بائسا لكل فلسطيني يدخل الى الدولة “التي تقاوم وتمانع من اجله”? وهناك يمطرك ضابط المخابرات بكم هائل من الاسئلة تبدأ من تاريخ ميلادك حتى اخر وجبة طعام تناولتها قبل دخولك بلد” الممانعة والمقاومة” وعنوانك فيها? ألهمني الله الفطنة واجبت على كل اسئلته دون تلكؤ? لكن لسوء حظي وبعد انتهاء الاستجواب دخل شاب الى غرفة الانتظار التي يجلس بها من ساقه القدر الى هذا المكان من امثالي? ف?ٍر?ٍق قلبي للون وثيقة سفره التي كانت انذاك لونها اخضر فدهمته بسؤال ” من وين حضرتك من فلسطين” فقال: تلحمي? فقلت له اجدع ناس? انتبه الضابط الذي استجوبيني الى حوارنا فاستدعاني الى غرفة ثانية لمعرفة علاقتي بهذا الشخص “التلحمي” فقلت له: لا اعرفه ولمجرد ان وثيقة سفره لونها اخضر تأكدت أنه فلسطني فبادرت بالحديث اليه?كررت عليه الكلمة اكثر من مرة انا لا اعرفه? فاعاد امطاري بالاسئلة وهذه المرة بوتيرة عالية? والحمد لله نجوت بأعجوبه!!!.
وبعد عودتي الى الشقة والتي كانت تقع في الدور الثاني وسط مخيم اليرموك? طاردني القلق والخوف? فقد نسيت ان اخبر الضابط أن امي انجبتني حوالي الساعة التاسعة صباحا? بعد اقل من اسبوع على مذبحة صبرا وشاتيلا? خفت ان يكون لديه هذه المعلومة من قبل!! وقد اخفيتها عليه!! عفوا ايها السادة? وللتذكير? فصبرا وشاتيلا هي من ص?َنع نظام الاسد وحركة امل وجيراننا اليهود? فنحن نعلم ان مخابرات دولة الممانعة اياديها طويلة وتعرف كل واردة وشاردة? فحادثة اعتقال شقيق صديقة المرحومة والدتي الذي غ?ْيب في سوريا اوائل العام سبعين بعد التسعمائة والف ومازالت تعيش على امل عودته!!!? كان يشعرني بخوف شديد سيما ان الاصدقاء الذين استضافوني ادخلوا الرعب الى قلبي حول حديثهم عن عدد المرات التي كانوا يستجوبونهم فيها كلما دخلوا او خرجوا !!!.
لقد استطردت طويلا بسرد هذه القصة التي كنت احد ابطالها عندما كنت اشق طريقي الى جامعة دمشق لاكمل دراسة الماستر في الاعلام ولكن جرت الامور بما لا اشتهي.
ليس من غريب القول ان الفلسطيني منذ زمن بعيد يعيش رحلة بؤس وخذلان وكل مراهناته على الغير لم تجني عليه الا بمزيد من الضياع والتيه. ممانعة!!? ومخانعة!! ومليشيات كذب!!? وأنظمة عربية تتقن فن انتاج الخوف في نفس المواطن? والة اعلام تتقن هي الاخرى فن اختراع اللامنطق واللا مالوف? واللامقنع? وعلى البلهاء المستضعفين سليلي القمع تصديق رواية قاضي البلاد? ففي سوريا? مجموعات ارهابية!! ومسلحون? وفلسطينيون يقودون البلاد الى الفوضى? آلة انتاج مضادات حيوية لحقن المصابين بحمى التشكيك بروايات النظام الاسدي عما يحدث في سوريا.
هي اذا لعبة حقيرة وقذرة يساق اليها المستضعف ليكون وقود لحماية من تخرجوا من اكاديميات القتل ليعيشوا اطول. ايران? وسوريا? وحزب اللات? وتعويذة الممانعة للشعب المنكوب? وفي الجهة الاخرى من الحقيقة? يهطل صيف مخيم الرمل على ساحل اللاذقية رصاصا فارسيا وبسواعد حزب اللات? على راس اللذين “يمانعون” من اجله? كم هو مغمور باليأس هذا الكائن الدخيل على العالم!!
ازدادت حلقة الرعب ضراوة بعد ان ساق مرتين? ضابط المخابرات السوري الفلسطيني احمد جبريل? بؤساء دمشق الى حتف آخر في الجهة الشمالية الشرقية للوطن الضائع? والحصيلة خذلان ودم!! وهذه المرة “لعيون” الاسد المكلوم !!! معادلة يصعب فهمها? الرئيس الثاني لغزة? مشعل? فر من عاصمة الاسد? دون ان ينبس ببنة شفة? و وسط هذا التخبط المريب ه?َرست افواه الكذب ومصنعيه?فالرقص بالعتمة لم يعد يضير الاخرين? فاليوم هو يوم انتصار من كان مهمش على من ادعى