المعارض التاريخي المغربي بن بركة إلى الواجهة من جديد
شهارة نت – المغرب
عادت قضية الخطف الغامضة للمعارض المغربي بن بركة إلى الواجهة من جديد من خلال مذكرات رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الرحمن اليوسفي في مذكراته “أحاديث في ما جرى” حيث تم اختطاف المعارض في ظروف غامضة بباريس عام 1965 والذي لا يزال أحد المتهمين الرئيسيين (العربي الشتوكي) في اختطافه على قيد الحياة.
وكان اليوسفي (94 عاما)، أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع بن بركة، الشاهد الرئيسي في المحاكمة الأولى للمتهمين في اختطاف هذا الأخير.
وانتهت هذه المحاكمة عام 1967 بإدانة العربي الشتوكي بالمؤبد غيابيا، إلى جانب متهمين فرنسيين ومغاربة. لكن المحكمة لم تتوصل لهويته الحقيقية، فبات التعرف عليه مفتاحا مهما لكشف مصير بن بركة الذي لم يتضح حتى اليوم.
كان بن بركة وهو من ابرز وجوه مكافحة الاستعمار، تعرض للخطف في 29 تشرين الاول/اكتوبر 1965 بباريس. ولم يعثر حتى الان على جثته ولا زالت اسرته تتساءل عن مصيره وهوية القتلة وعن مسؤولية السلطات الفرنسية والمغربية و”اسرائيل” والولايات المتحدة في ذلك.
وكتب اليوسفي في مذكراته، الصادرة مؤخرا في المغرب “إن شخصية العربي الشتوكي محورية (…) والكل يعرف أنه نفسه ميلود التونزي التابع لجهاز الاستخبارات المغربي غير أنه ظل ينكر ذلك”.
وذكر بما حدث أثناء المقابلة التي أجرتها هيئة الانصاف والمصالحة (عام 2005) مع التونزي، حين “أنكر كل الأعمال المنسوبة إليه، والتي تؤكد كل الدلائل أنه قام بها، ولكنه في الأخير اعترف بحقيقة واحدة، وكانت كافية، وهي أنه كان يسافر بجواز سفر يحمل اسم العربي الشتوكي”.
وكان التونزي بين خمسة مشمولين بمذكرات توقيف دولية اصدرها عام 2007 قاضي التحقيق الفرنسي المكلف بالملف بين 2004 و2013.
والتونزي اخر الأحياء بين المشتبه بتورطهم المباشر في اختطاف بن بركة، بعد وفاة كل من المسؤول السابق في جهاز المخابرات عبد الحق العشعاشي، في 23 أيلول/سبتمبر 2017، والممرض بوبكر الحسوني في 2 تشرين الاول/اكتوبر 2015، وكلاهما من المشتبه بهم الرئيسيين.
وكان اليوسفي قد وجه نداء “من صميم القلب إلى الدولة المغربية للكشف عما تعرفه من حقائق هذه الجريمة، ولمطالبة الدول التي شاركت فيها وتم الاختطاف والاغتيال على ترابها الوطني بالكشف عن الحقيقة كاملة”، وذلك خلال حفل في الرباط عام 2015 احياء للذكرى الخمسين لاختطاف بن بركة.
وحكم في هذه القضية على وزير الداخلية حينها محمد اوفقير غيابيا بالمؤبد في 1967 في محكمة بباريس. كما حكم على اربعة “بلطجية” فرنسيين ورطوا في الخطف اضافة الى المدعو العربي الشتوكي.
وعبر القاضي قبل عامين عن اسفه لتمكن المشتبه به التونزي من العيش “بكل هدوء في الرباط على بعد امتار قليلة من جادة بن بركة”.
-“لقد فات الاوان”-
وعاد اليوسفي في مذكراته إلى السياق التاريخي الملتبس لهذا الاختطاف، ليكشف أن التخطيط له بدأ منذ نيسان/أبريل 1965. وهو نفس الشهر الذي استقبل فيه الملك الحسن الثاني أربعة من رفاق بن بركة، اللاجئ إلى الخارج بعد حكم باعدامه، وأبدى استغرابه لتأخر عودته إلى المغرب للمشاركة في حكومة وحدة وطنية.
وأوضح اليوسفي الذي كان حاضرا اللقاء “هنا تدخلت، وأخبرت صاحب الجلالة بأن لديه بعض الالتزامات الملحة تتعلق بالتحضير لمؤتمر شعوب القارات الثلاثة. وأضفت “لكن، إذا رأى جلالتكم الاستعجال بعودته الى المغرب، فإني على استعداد أن أسافر لأعود به في أقرب وقت”.
لكن الملك قال “لقد فات الأوان”.
وأضاف إن بن بركة “لم يكن لديه تخوف من الملك، ولكنه لا يثق في بعض الضباط الذين يهيمنون على أمن البلاد، في إشارة إلى الجنرال أوفقير الذي كان وزيرا للداخلية”.
وقاد اليوسفي حكومة التوافق الوطني بعد 33 عاما على المحاولة التي لم يكتب لها النجاح في 1965. واعتبر بذلك أول زعيم معارضة يصل إلى الحكم بشكل توافقي في العالم العربي.
ويخصص حيزا في مذكراته للمخاض الذي سبق ميلاد هذه الحكومة، والعراقيل التي واجهتها طيلة مدة ولايتها ما بين 1998 و2002، وصولا إلى اعتزاله العمل السياسي العام 2003 والتزامه الصمت مذاك.
وهذا ما يعتبر احتجاجا منه على فشل التجربة في تحقيق الانتقال الديمقراطي كما كان مؤملا منها.
وحظي اليوسفي بحفل تكريم بمناسبة اعلان مذكراته مساء الخميس بالرباط، تزامنا مع ذكرى ميلاده الرابع والتسعين، حضره جمهور غفير وشخصيات مغربية وأجنبية مثل رئيس الوزراء الاسباني الاسبق فيليبي غونزاليس والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر إبراهيمي.
وكان تم توقيف اليوسفي مرتين خلال “سنوات الرصاص” عامي 1960 و1963 وافرج عنه في 1964 ثم عاش حياة المنفى من 1965 الى 1981 حين اصبح المعارض العربي الوحيد الذي يتولى رئاسة حكومة “بالتناوب”.