مفاوضات سرية لإخراج المسلحين من مأزق الغوطة الشرقية في دمشق
شهارة نت – سوريا
بعد أعلن الجيش السوري عن وجهته الجديدة لتحقيق النصر في الغوطة الشرقية بدايات الشهر الفائت، وبعد تقدمه الملحوظ خلال فترة قياسية، بدأت يبرز ملف التفاوض على الطاولة.
وتضاربت الأنباء حول طبيعة المفاوضات القائمة، وتم تأطير الموضوع في إطار حرص غربي مفاجئ على اتفاق مناطق خفض التصعيد وضرورة استمراره في الغوطة الشرقية وإدلب، مع أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة في سورية تقوم على العودة بكل ما جرى سياسياً في العام 2017 وتحت الرعاية الروسية المباشرة إلى نقطة الصفر، ونسف الصيغتين الثنائية الروسية الأميركية التي كانت سائدة منذ ما يعرف باتفاقات «كيري- لافروف»، أو ما تطوّر بعضها على جهد روسي منفصل بما يسمى الثلاثية الروسية الإيرانية التركية التي أدت إلى أستانا واتفاقات خفض التصعيد، وبعدها إلى سوتشي.
التغاضي الأميركي عن مناطق خفض التصعيد، الذي فسّر تشجيعاً لها، بدأت اليوم تتكشف معالمه، فالاتفاقات سمحت لمفاوضات في بقايا الجيوب المتمردة في سورية وتحديداً في غرب سورية، التي تريد واشنطن الحفاظ عليها، مع تكريس وجودها في شرق سورية وشمال شرقها عبر النار والأمر الواقع الميداني.
وقد كشفت في هذا الإطار صحيفة لوموند الفرنسية عن ماهية التفاوض حول الجيوب في تقرير حمل عنوان «فشل المفاوضات السرية في الغوطة الشرقية»، فمنذ نحو ستة الأشهر وبعيداً عن الأنظار تدور مفاوضات سرية بين مبعوثين روس وشخصيات عن المعارضة السورية وممثلين عن المجموعات المسلحة للتوصل إلى حل سلمي لقضية الغوطة الشرقية، ووفق الصحيفة فإن هذه الاتصالات التي تجددت في الأيام الأخيرة، «تسعى لتحقيق هدفين: الأول هو إخراج عناصر «هيئة تحرير الشام» أي جبهة النصرة سابقاً، والمصنفة على لوائح التنظيمات الإرهابية في مجلس الأمن، من الغوطة باتجاه إدلب، والثاني، عقد مصالحة بين النظام والمجموعات المسلحة على قاعدة تسليم السلاح مقابل ضمان شكل من أشكال الحكم الذاتي»، عند هذه الحيثية الأخيرة المتعلقة بالحكم الذاتي تحاول الصحيفة الفرنسية كعادتها دسّ السمّ في الدّسم، فالتفاوض لا يمكن أن يشمل استقلالاً من أي نوع لأي جهة في سورية، واستنساخ التجربة الكردية في شمال شرق البلاد على محيط دمشق، وفي إدلب في شمال غرب البلاد هو حلم يراود الغرب حتى اللحظة وهو بحاجة إلى وجود عسكري مباشر، وبالتالي هو مطلب يجب طرحه ويعمل على التأسيس له في العملية التفاوضية.
تكمل الصحيفة في معرض عرضها، أن نائب وزير الخارجية الروسي «ميخائيل بوغدانوف، ويوم 26 من الشهر الجاري أي بعد يوم من إقرار الهدنة في مجلس الأمن، اجتمع في القاهرة مع الوسيط الرئيسي في هذه المفاوضات أحمد الجربا، وهو الرجل المقرّب من مصر والإمارات العربية المتّحدة، حيث دارت المحادثات بين الرجلين حول نتائج مؤتمر سوتشي الذي نظّمته موسكو أواخر كانون الثاني الماضي، والوضع في الغوطة الشرقية. وتنقل عن منذر أقبيق، اليد اليمنى لأحمد الجربا، قوله: «أعتقد أننا نتجه إلى اجتياح كامل، لم نحقق تقدماً».
إن سبب عدم تحقيق تقدّم هو مطالب بالحكم الذاتي، وفق الصحيفة، وشمل ميليشيات «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام» بهذا لأمر، أي كامل مساحة الغوطة الشرقية البالغة 60 كم مربع، أو أقل بقليل إن تم استثناء «أحرار الشام» في حرستا، شمال غرب الغوطة، وهو أمر يثبت بالدليل القاطع أن ما يجري في إدلب من صراع شكلي بين أحرار الشام والنصرة، والتقدّم الذي يجري لمصلحة «الحركة الجهادية السلفية» وفق مصطلح الإعلام الغربي، ليس سوى تمثيلية، يراد أيضاً سحبها على الغوطة الشرقية عبر مبادرة لإخراج «النصرة» تقدّم بها كلّ من «جيش الإسلام» و«فيلق الرّحمن» اللذين باتا في الأدبيات الإعلامية والسياسية الغربية «فصيلي التمرد الرئيسيين في المعارضة السورية في الغوطة»، هذه المبادرة التي تم إرسال رسالة إلى مجلس الأمن بشأنها في السادس والعشرين من الشهر الجاري، والتي تعكس مناورة لتحقيق هدفين، الأول هو الإيحاء بغياب العناصر الإرهابية عن الغوطة الشرقية، والثاني ملء الفراغ الشكلي الناتج عن ترحيل بضع مئات من المسلحين أمام الكاميرات، من جانب تنظيمات لا يمكن التمييز بين عناصرها ولا عقيدتهم.
تشير الصحيفة إلى أن المفاوضات استمرت طوال صيف وخريف 2017 في سياق اتفاق مناطق خفض التصعيد، ففي «شهر تموز وفي مصر تم التفاوض مع «جيش الإسلام» المقرب من السعودية، وهو أكبر الفصائل المسلحة في الغوطة، وتم التوصّل إلى اتفاق مع المبعوث الروسي رعاه أحمد الجربا يقوم على وقف المعارك وإدخال المساعدات الإنسانية إلى الجيب المحاصر منذ أربع سنوات.
«فيلق الرحمن» وهو مقرب من قطر ومحسوب على فكر الإخوان، توصل إلى اتفاق مشابه مع المبعوثين الروس منتصف آب الماضي خلال اجتماع في جنيف»، وتنقل لوموند عن سنان حتاحت وهو محلل سياسي مقرّب من المعارضة السورية قوله: إن «جيش الإسلام حاول إقناع الروس بمنح الغوطة الشرقية شيئاً من الحكم الذاتي، مع ضمانات بعدم دخول الجيش السوري إليها»، وفي المقابل «تعهد كل من فيلق الرحمن وجيش الإسلام بممارسة الضغط لإخراج عناصر هيئة تحرير الشام، وتتألف من مئات العناصر مقابل 20 ألفاً هو العدد الكلي للمقاتلين، بالخروج من الغوطة الشرقية».
إن الموافقة على إخراج «النصرة» والإبقاء على المدنيين تطرح العديد من علامات الاستفهام حول الوضع الإنساني في الغوطة الذي يتم البناء عليه، وتثبت بالدليل القاطع توجّه الجماعات الإرهابية الموجودة في الغوطة لاستخدام المدنيين كدروع بشرية، كما تثبت عقم الخيار التفاوضي إلا في حدود تسليم السلاح والانضواء تحت راية الدولة السورية حقناً للدماء، وإلا فإن الحسم العسكري الذي يحوز على دعم شعبي واسع هو الخيار الأكثر واقعية في سياق معالجة المشكلة المزمنة لإرهاب الغوطة على العاصمة دمشق.