قرار الهدنة علامة تغيّر التوازنات
شهارة نت – سوريا
في كلّ مرة كان يصدر قرار أممي لوقف النار منذ بداية الحرب على سورية كان واضحاً أنه إجهاض لمشروع حسم كان يقترب لصالح الجيش السوري، وأنّ القبول به من سورية وحلفائها كان لتفادي الأسوأ، وهو مخاطر تدخل غربي مباشر وتصعيد عسكري تدخل فيه قوى إقليمية ودولية، لم يكن ما ظهر منها في آب 2013 بحشد الأساطيل الأميركية قبالة سورية مجرد مسرحية ولا مناورة.
وفي كلّ مرة كان يصدر قرار أممي بوقف النار كان يتوزّع جهد الجيش السوري على عشرات الجبهات، وضعف الحضور العسكري للحلفاء يفرض عليه حساب توزيع قدراته بطريقة مجدية وتقبل التهدئة على جبهة والتفرّغ لسواها. وفي كلّ مرة كان يجري صدور قرار أممي بوقف النار كان يثبت أنّ مضمونه توفير فرصة الاستعداد للجماعات المسلحة لجولة جديدة أشدً خطراً.
منذ التموضع العسكري الروسي في سورية نهاية العام 2015، وانكسار خطر التدخل الأميركي الواسع منذ عام 2013 وعجز إدارة دونالد ترامب عن تخطي هذا العجز، تبدّلت المعادلة الدولية وزالت مخاطر كانت في الحسبان. ومنذ تموضع الآلاف من المقاتلين من الحلفاء واستنهاض الشعب السوري لضخّ عشرات الآلاف من المقاتلين ضمن قوات رديفة للجيش، وتأثير الانتصارات المتلاحقة على منح الجيش السوري مقدرات معنوية وبشرية ومادية جعلت منه صاحب اليد العليا في كلّ المعارك العسكرية، وصولاً لتدحرج الانتصارات لحساب الجيش السوري وحلفائه، وما نتج عنه من تراجع عدد جبهات القتال وقدرة الجيش والحلفاء على إدارة ما بقي منها.
منذ معركة حلب ونحن نشهد ثباتاً سياسياً روسياً في مجلس الأمن، وتحمّلاً استثنائياً للضغوط والحملات، لمنع أيّ وقف لاطلاق النار يؤدّي الغرض الذي كان مرسوماً لكلً هدنة، ليأتي القبول بالنص المعدّل للقرار الأخير ويحمل تعبيراً عن التوازنات الجديدة، فترضاه سورية وتصوّت عليه روسيا. فللمرة الأولى يأتي القرار الأممي ليربط فك الحصار بفك حصار موازٍ في كفريا والفوعة، ويربط وقف النار في الغوطة بوقف شامل في كلّ سورية فيضمّ الأتراك والأميركيين والإسرائيليين لموجباته، ويمنح سورية وحلفاءها اعتبار أيّ خرق تركي أميركي إسرائيلي سقوطاً للقرار، كما يمنح سورية ربط إجراءات المعونات والإخلاء والتهدئة بمثلها في الفوعة وكفريا وعفرين، والأهمّ أنه بوضوح يستثني “النصرة” و”داعش” ومَن معهما، ما يعني مواصلة حرب ضرب “النصرة” في إدلب والغوطة، وضرب “داعش” شمال دير الزور، وهذا ما قاله عملياً السفير السوري في نيويورك بشار الجعفري تعقيباً على القرار وشرحاً للفهم السوري لتطبيقه، مضيفاً تهديداً لواشنطن رداً على تهديد مندوبتها لسورية، لوضع النقاط على الحروف في كون القرار تعبيراً عن توازنات جديدة لم يعُد ما كان صالحاً بالأمس صالحاً لليوم.
لم ينتظر الجيش السوري والحلفاء مفاوضات ترسم آليات تطبيق القرار، بل بدأ بالتطبيق وفقاً لمفهومه للقرار بالتقدّم على محاور انتشار جبهة “النصرة” في الغوطة، ليحقق إنجازات مهمة في شمالها تمثلت بالسيطرة على مساحات واسعة وتلال هامة وصولاً للسيطرة على بلدتي الصالحية والنشابية جنوب شرق الغوطة الشرقية، والتقدم على محاور حزرتا وجوبر، وهذا ليس إلا اليوم الأول، ويبقى الكلام الفصل لما هو آتٍ، ومعادلة كلّ قذيفة تسقط على دمشق تعني سقوط الالتزام بوقف النار.