واشنطن لحلفائها: فلنقسّم سوريا!
مقالات
تغيّرت السياسة الأميركية في سوريا. بعد طول مراوحة في تحديد ما سيفعلونه بعد هزيمة «داعش»، قرر الأميركيون إطالة أمد الحرب بالبقاء خلف الضفة الشرقية للفرات، والعمل وفق خطة تفصيلية لتقسيم البلاد. وخلال الشهرين الماضيين، كانت الدبلوماسية الأميركية تعمل على اطلاع الحلفاء على تلك الخطة تمهيداً لإطلاقها ووضعها قيد التنفيذ.
وفي هذا الإطار،وصلنا برقية دبلوماسية صادرة عن سفارة بريطانيا في واشنطن، توجز الاستراتيجية الأميركية للوصول إلى تقسيم سوريا كما عرضها ديفيد ساترفيلد خلال اجتماع عقده في واشنطن في الحادي عشر من الشهر الماضي ممثلون عن مجموعة «سوريا» الأميركية.
المشروع الأميركي التقسيمي في سوريا لم يعد في حيّز التحليلات، لا في دائرة التراشق الدبلوماسي الروسي مع واشنطن، وقد برز منها كلام وزير الخارجية سيرغي لافروف في الأيام الأخيرة عن أن واشنطن تخطّط للتقسيم. فبعد الضربة التي وجهتها المقاتلات الجوية والراجمات الأميركية، لقوات روسية وسورية رديفة، حاولت الأسبوع الماضي اجتياز «الحدود» فوق جسور عائمة من غرب الفرات إلى شرقه، عملت الولايات المتحدة على تثبيت خط فاصل بالنار بين «سوريتين»، غرب الفرات وشرقه.
لكن ما حدث لم يكن صاعقة في سماء صافية دبلوماسية أو ميدانية. المجزرة التي أوقعتها الطائرات الأميركية في مقاتلي شركة «فاغنر» «الرديفة» للجيش الروسي في سوريا رسمت الحدود ومستقبل ما وراء الفرات إلى الشرق، كما أعد لها الأميركيون منذ أسابيع.
يأتي ذلك بعد أن نضجت في مجلس الأمن القومي الاستراتيجية الجديدة حول سوريا وأعلم الأميركيون حلفاءهم في «مجموعة سوريا»، قبل ستة أسابيع، أن الهدف المقبل هو فصل الشرق عن بقية الخريطة السورية، وأن البيت الأبيض خصّص أربعة مليارات دولار في العام الواحد لتمويل القوات التي ستعمل في المنطقة بالإضافة إلى تدريب قوة حرس الحدود المزمع إنشاؤها لتذويب الغلبة الكردية في قوات سوريا الديمقراطية شرق النهر، وتسهيل ابتداع معارضة سياسية شرق النهر تمثل المنطقة، وتمنع عودة الجيش السوري.
وفي برقية دبلوماسية من خمس صفحات، صادرة عن سفارة بريطانيا في واشنطن، يوجز الدبلوماسي وخبير شؤون الشرق الأوسط في السفارة بنيامين نورمان لوزارة الخارجية البريطانية في لندن، الاستراتيجية الأميركية الجديدة للوصول إلى تقسيم سوريا كما عرضها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد خلال اجتماع عقده في واشنطن في الحادي عشر من الشهر الماضي ممثلون عن «مجموعة سوريا» الأميركية.
حضر الاجتماع إلى جانب ساترفيلد، رئيس فريق سوريا في وزارة الخارجية البريطانية هيو كلاري، ورئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جيروم بونافون. حليفان عربيان لواشنطن في خطتها التقسيمية حضرا الاجتماع: مستشار وزير الخارجية الأردني نواف وصفي التل، والمسؤول الأمني في وزارة الداخلية السعودي العميد جمال العقيل.
البرقية الموجزة تحدث فيها ساترفيلد بصراحة عن الهدف الذي ستعمل الولايات المتحدة على تحقيقه من الآن فصاعداً، وهو التقسيم وفصل الشرق وشمال الشرق السوري عن البلاد. وقال ساترفيلد، كما جاء في الإيجاز البريطاني، إن الخطة التي يجب العمل عليها تتألف من خمس نقاط: تقسيم سوريا، تخريب سوتشي، استيعاب تركيا، وإصدار تعليمات إلى الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا لاستعادة جنيف، وتنفيذ ورقة من ثماني نقاط تتضمن الحل في سوريا كانت واشنطن قد قدمتها إلى الاجتماع الأخير للمعارضة السورية وممثلي الحكومة في فيينا في السادس والعشرين من الشهر الماضي.
المجتمعون أعطوا أنفسهم مهلة عام لتنفيذ هذه الخطة عندما رحبوا، كما قالت الوثيقة، بالاقتراحات الأميركية «ودعوا إلى تحقيق تقدم ملموس في سوريا خلال عام ٢٠١٨، والرد على دعاية الانتصار الروسي.
ساترفيلد أبلغ الحاضرين أن الرئيس دونالد ترامب قرر الإبقاء على قوة عسكرية مهمة في سوريا، رغم هزيمة «داعش»، وأن الإدارة الأميركية خصصت أربعة مليارات دولار سنوياً لهذه العملية التي تقول مصادر غربية إنها ستنفق أيضاً منها على توسيع القواعد الأميركية في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد خصوصاً، في الرميلان في أقصى الشرق السوري، وفي عين العرب (كوباني)، على خط الحدود السورية ــ التركية.
وقال إن الهدف من ذلك هو منع الإيرانيين من التمركز على المدى الطويل في سوريا، أو فرض أنفسهم في مسارات الحل السياسي.
المجموعة قررت مواجهة الانفراد الروسي سياسياً في تحديد مستقبل النظام السياسي في سوريا عبر تقديم دعم مادي وسياسي لستيفان دي ميستورا لتصليب مسار جنيف، في مواجهة «سوتشي».
الجميع رحّب بهذه الاقتراحات، مع التركيز على أخرى ميدانية وعملية لمواجهة «الرغبة الروسية بالتوصل إلى حل سياسي.
الأمم المتحدة ستلعب دوراً كبيراً في الخطة الأميركية لتقسيم سوريا. الأولوية ستعطى لتصليب مسار جنيف، إذ أبلغ الأميركيون الحاضرين أنهم لن يشاركوا من الآن فصاعداً في اجتماعات أستانا، وأنهم قد خفضوا تمثيلهم الدبلوماسي إلى أدنى مستوى، للعودة بالمسار السياسي إلى جنيف.
محضر الاجتماع يقول إن الداعين إليه أقرّوا بأن جنيف قد فشل رغم الجهود التي بذلها ستيفان دي ميستورا لإنعاشه، وأبدوا تحفظاً على وقف إطلاق النار في سوريا في ظل الشروط الميدانية الحالية ومع تراجع المعارضة واعتبروا أنْ لا فائدة من إدخال اقتراح وقف إطلاق النار في مسار جنيف لأننا في الحقيقة «لا نملك القدرة على منع النظام من قضم الجيوب التي لا تزال المعارضة تحتفظ بها في إدلب والغوطة الشرقية» بحسب الملاحظات المدونة على الوثيقة.
الأميركيون في الطريق إلى التقسيم، لا يعبأون بفكرة الحكومة الانتقالية، ولا بتنفيذ الشق المتعلق بها كما نصّ عليها القرار الأممي ٢٢٥٤، إذ قال ساترفيلد للمجتمعين إننا «نصحنا المعارضة بعدم دعم فكرة الحكومة الانتقالية، وإن على المعارضة أن تتوقف عن التلويح بالحكومة الانتقالية في كل مناسبة». وبيّن الأميركيون أن الغاية من مبادراتهم الدبلوماسية هي الحفاظ على صورتهم «وإبداء مرونتهم وحركيتهم مع عدم المبالغة في توظيف المعارضة في هذه المفاوضات من دون التخلي عن هدفها النهائي والأساسي بتقسيم سوريا ورحيل الأسد».
وأوضح الأميركيون للجميع أن «الخطة تقضي بالعمل على إنشاء مؤسسات وشروط لانتخابات لا يستطيع بشار الأسد الفوز فيها، لذلك لا يوجد مبرر بديهي لمنع الأسد من المشاركة في الانتخابات».
المجتمعون أقروا استراتيجية تجاه روسيا باختبار نياتها للذهاب نحو توفير شروط ملائمة لإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة «وجرّ النظام إلى التفاوض على دستور جديد، وعدم الاكتفاء من الآن فصاعداً بالكلام المعسول لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف». ساترفيلد قال: «إننا سنستفيد ايجابياً من هشاشة وضع فلاديمير بوتين في المرحلة الانتخابية من أجل دفع الروس إلى التخلي عن الرئيس الأسد عبر المزيد من الاجتماعات في مجلس الأمن، وأوسع حملة إعلامية ضده.”
الأميركيون تقدموا خطوة نحو تكريس قناة دبلوماسية مع شرق الفرات والأكراد، عبر تعيين ويليام روبوك، سفيراً لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، كما أبلغ ساترفيلد المجتمعين. كذلك قدموا اقتراحات تمنح المزيد من الاعتراف والوزن الدبلوماسي للأكراد في المسار التفاوضي من دون استفزاز الأتراك، وخصوصاً أن هؤلاء كانوا على اطلاع على الخطوات الأميركية في هذا الاتجاه، وهو ما برّر الأتراك به الهجوم على عفرين. واقترح الأميركيون، أيضاً، إغراق التمثيل الكردي في مفاوضات جنيف تحت اعلام «قوات سوريا الديمقراطية» وتشكيل وفد يمثل شرق الفرات عملياً للإطباق بواسطته ووفد المعارضة الائتلافية، على وفد الحكومة السورية، كما تقترح الوثيقة.
المشاركون في الاجتماع
ــ بنيامين نورمان، معدّ محضر الاجتماع المرسل إلى وزارة الخارجية البريطانية، خبير الشؤون السياسة الخارجية والأمنية للشرق الأوسط في السفارة البريطانية – واشنطن.
ــ هيو كلاري، رئيس فريق سوريا في وزارة الخارجية البريطانية.
ــ جيروم بونافون، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية.
– ديفيد ساترفيلد، مساعد وزارة الخارجية الأميركية للشرق الأوسط.
ــ نواف وصفي التل، مستشار وزير الخارجية الأردني.
ــ العميد جمال العقيل، مسؤول أمني سعودي.
مقدمة الوثيقة
اجتماع الأول لمجموعة العمل الأميركية المصغَّرة حول سوريا بعد مباركة الرئيس دونالد ترامب لوجود مديد للقوات الأميركية في هذا البلد. اتُّفق على توفير دعم فوري لستيفان دي ميستورا لموازنة الجهود الروسية، ولإعادة تفعيل مسار جنيف بنيوياً، بإعادة التفاوض في القضايا الانسانية، والسجناء…
ستقدم المجموعة المصغرة اقتراحات بشأن الدستور السوري والانتخابات، وإفهام روسيا ما هو منتظر من التزامات من قبل الرئيس بشار الأسد في الجولة المقبلة للمفاوضات التي ستعقد في فيينا في السادس والعشرين من كانون الثاني. سيلتقي الوزراء على الاجتماع في باريس في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني، للاتفاق على هذه المقاربة ورمي القفاز في وجه الروس. وسيلقي تيلرسون خطاباً أساسياً حول سوريا الأسبوع المقبل.
تعليقات كاتب الوثيقة
النقطة ١٨: حقق هذا الاجتماع تقدّماً وفق المعايير السورية. أعادت الولايات المتحدة تأكيد زعامتها وفق ما تصبو إليه، وهو ما سيجهر به تيلرسون في خطاب له بشأن سوريا في معهد هوفر. كرر ساترفيلد التزام الولايات المتحدة المسار السياسي، وفي اجتماعات منفصلة (مع براين هوك). كان واضحاً أن تيلرسون سيساهم في دفع العربة إلى الأمام.
النقطة ١٩: لدينا الآن خطة متينة للأسابيع الثلاثة القادمة. مع ذلك جرى نقاش في كيفية الاستمرار بالضغط على روسيا، وحتى مضاعفتها إذا لم يستجيبوا لطلباتنا المتعلقة بالنظام السوري كما نأمل. ينبغي أن نواصل ما قد بدأناه في هذه المجال، بالتركيز على الوضع الإنساني الرهيب والتواطؤ الروسي مع عمليات القصف ضد المدنيين.
النقطة ٢٠: (مخاطباً ساترفيلد) شكراً جزيلاً لكما أنت وهيو لحضوركما هذا الاجتماع. عبّرت الولايات المتحدة عن امتنانها لجهودنا ودعمنا في الاشهر التي خلت، بعد أن بلورت استراتيجيتها، إنه يوم عمل جيد.
أفضل التحيات
بنيامين نورمان. شؤون السياسة الخارجية والأمنية. السفارة البريطانية، واشنطن.