كابوس إيران وحزب الله يكاد يخنق نتنياهو
بقلم/ عبد الباري عطوان
ظهر نتنياهو في مؤتمر ميونخ خائفاً من أيران وحزب الله، حيث لوح بقطعة من طائرة “الدرونز” الإيرانية وليس من “إف 16” الإسرائيلية، ما يدل على أن تهديدات السيد نصر الله بضرب منصات الغاز الاسرائيلية قد أرعب نتنياهو بالفعل.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، “مهووس” بشيء اسْمه إيران، وليس العرب، وتحريض العالم ضدها، وقوتها المتنامية، ويعتبرها تشكل أكبر تهديد للعالم حتى لكأنها دولة عظمى تمْلك آلاف الرؤوس النووية مثل أمريكا وروسيا والصين.
في خطابه الأول، وربما الأخير، الذي ألقاه أمام 600 مشارك في مؤتمر ميونخ السنوي للأمن (الأحد) قال “إن إسرائيل ستتحرك ضد إيران نفسها وليس ضد وكلائها فحسب إذا لزم الأمر”، ولوح بقطعة قال أنها من طائرة بدون طيار أسقطتها دفاعاته الجوية في أجواء فلسطين المحتلة.
هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها نتنياهو بمظهر المحاضر، ويتعامل مع المستمعين كتلاميذ يستعين بوسائل الإيضاح لإفهامهم، فقد استخدم الأسلوب نفسه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أربع سنوات تقريبا، عندما أظهر رسما بيانيا يوضح أن إيران أوشكت على إنتاج قنبلة نووية، وأطلق التهديدات نفسها بأن إسرائيل ستقصفها قبل أن تتمكن من إنجاز هذه المهمة، رافضا أي حوار، أو اتفاق نووي معها.
كان لافتا أن خطاب نتنياهو جاء بعد يوم من خطاب الجنرال اتش آر مكمستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي، وفي القاعة نفسها التي دعا فيها إلى “اتخاذ إجراءات أكثر قوة لوقف تطوير إيران لما سماه شبكة “جيوش بالوكالة” يتزايد نفوذها في لبنان وسورية واليمن والعراق على غرار نموذج “حزب الله”.
كل هذا الرعب الذي بات يسكن قلوب الأمريكان والإسرائيليين طفا على السطح بصورة واضحة، بسبب نجاح الدفاعات الجوية السورية في إسقاط طائرة “إف 16” الإسرائيلية الأمريكية الصنع بصاروخ “سام 5″ القديم الذي خرج من الخدمة، وانتهى عمره الافتراضي قبل ثلاثين عاما، الأمر الذي يعكس مدى أهمية هذا الإنجاز العسكري الذي حاول الكثيرون من العرب التقليل من أهميته، والتأكيد على قوة إسرائيل واستمرار تفوقها العسكري، فإذا كانت إسرائيل متفوقة وآمنة، وتمْلك هذه القوة الجبارة من طائرات وصواريخ ورؤوس نووية في ترسانتها العسكرية، فلماذا كل هذا الخوف من إيران المحاصرة أمريكيا وغربيا، ومن سورية و”حزب الله” اللذين بالكاد خرجا من حرب استمرت سبع سنوات وضع فيها الأمريكان وحلفاؤهم العرب والأوروبيون كل ثقلهم المالي والعسكري فيها؟
سؤال آخر نطرحه في هذه العجالة، عن أسباب عدم تلويح نتنياهو، وأمام المؤتمر نفسه، بقطعة من الطائرة الإسرائيلية التي أسقطها الصاروخ السوري “القديم”، أو حتى قطعة من هذا الصاروخ “المبارك” الذي شاهدناه “بارخا” بكل ثقة فوق أرض الجليل المحتل؟
هذه المخاوف الإسرائيلية والأمريكية التي عبر نتنياهو عنها بطريقة دقيقة عندما قال “إسرائيل لن تسمح للنظام الإيراني بلف حبل الإرهاب حول عنقها”، تؤكد أن إيران، اتفق معها البعض أو اختلف، نجحت في وضع خطط استراتيجية فاعلة ومؤثرة لمواجهة أمريكا وحليفها الإسرائيلي الاستراتيجي، تهدد بإنهاء هيمنتهما على المنطقة التي استمرت سبعين عاما أو أكثر.
النموذج الأكثر تمثيلا ومحاكاة هو “حزب الله”، والجنرال مكمستر كان مصيبا عندما قال أنه بات يفرخ نماذج أخرى في العراق وسورية واليمن تسير على النهج نفسه، فالحزب يمْلك أكثر من 150 ألف صاروخ، ومئات الطائرات بدون طيار، وأكثر من مئة ألف مقاتل لم يظهر أي منهم مطلقا في صورة، أو على شاشة تلفزيونية إلا بعد استشهادهم، مثلما حصل مع الحاج عماد مغنية، أو نجله جهاد، أو مصطفى بدر الدين، والقائمة طويلة.
السيد حسن نصر الله، أمين عام الحزب، عندما خرج قبل يومين على أنصاره ومحبيه في خطاب مباشر، كان في قمة الثقة بالنفس، عندما قال، وابتسامة عريضة على محياه، أنه مستعد لتدمير منصات الغاز والنفط الإسرائيلية في البحر المتوسط في ساعات إذا أعطاه مجلس الدفاع اللبناني الأعلى الضوء الأخضر.
نتنياهو يدرك جيدا أن السيد نصر الله إذا قال فعل، وتدمير البارجة الإسرائيلية الحربية أمام سواحل لبنان في تموز (يوليو) عام 2006، ما زال ماثلا في الأذهان، كنموذج في القدرة على اتخاذ القرار، وهي صفة نادرة هذه الأيام.
معذور نتنياهو في خروجه عن طوْره، وإظهار حالة الرعب التي يعيشها، فليس حبل الإرهاب الذي يلتف حول عنقه، وإنما حبل المقاومة المشروعة لاحتلاله، الذي يتزين بمئات الآلاف من الصواريخ من مختلف الأبعاد والأحجام.. ولا عزاء لأنصاره وحلفائه من المطبعين العرب.