«العلم الفلسطيني» يربك الاحتلال
شهارة نت – فلسطين
تتجاوز عملية “العلم الفلسطيني” التي أدت إلى إصابة أربعة جنود وضباط إسرائيليين، في مفاعيلها ورسائلها، كونها مجرد تفجير عبوة في سياق مواجهة الاحتلال، إذ أتت العملية في أجواء تزخيم حركة المقاومة بكل عناوينها الأمنية والسياسية والشعبية منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس “عاصمة لإسرائيل”، وبعد عمليات سابقة في الضفة المحتلة.
وبالنسبة إلى قيادة العدو وجمهوره، شكلت “عملية العلم” تصعيداً تكاملت في توقيتها وسياقها مع دوي انفجارات عشرات الصواريخ السورية في أجواء فلسطين المحتلة، وإسقاط طائرة “إف 16″، وصولاً إلى الكشف عن صواريخ سورية عبرت أجواء حيفا وتل أبيب باتجاه البحر.
في المقابل، تنطوي الهجمات التي شنتها إسرائيل في غزة أمس على أكثر من رسالة وتشير إلى المسار الذي تحاول به تل أبيب أن تجمع بين تعزيز الردع وتجنب التدحرج نحو مواجهة واسعة. ونتيجة قلقها من انكشاف محدودية خياراتها، حاول المسؤولون الإسرائيليون التعويض عن ذلك برفع مستوى التهديدات والتوعد باستهداف المنفذين.
فقد أكد نجاح تفجير “عبوة العلم” ضد جنود الاحتلال حجم التصميم الذي يتحلى به الشعب الفلسطيني، وشكل مع عمليات الضفة، معطى ملموساً عن المرحلة الجديدة التي دخلتها مقاومة الاحتلال بعد إعلان ترامب. وأكدت أيضاًً التكامل الموضوعي بين الجبهة الفلسطينية، وتطورات الجبهة الشمالية لفلسطين، وهو ما حضر بقلم المعلق العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، الذي رأى أن “الوتيرة الحثيثة للأحداث الأمنية مستمرة، حتى لو تبدلت الساحات، فبعد يوم قتال بين سلاح الجو (الإسرائيلي) وقوات إيرانية وسورية في الجبهة الشمالية، السبت الماضي، وقعت… حادثة قاسية على حدود قطاع غزة… بانفجار عبوة ناسفة زُرعت على السياج الحدودي”.
من جهة أخرى، كشف تنفيذ عملية تفجير العبوة عن عقم رسائل التهويل التي توالى على إطلاقها القادة الإسرائيليون، وأكدت بالتجربة أنها لم تنجح في كبح وردع فصائل المقاومة عن مواصلة نهجها في مقاومة الاحتلال، وهو ما سيعمق مأزق الاحتلال ويدفعه إلى التعامل بمزيد من الحذر والجدية في تقدير حجم الخطر المحدق بجنوده.
نتيجة ظروف غزة، ومحيطها الجغرافي والأمني، تتعاظم الدلالات التكتيكية لهذه العملية، وهو ما دفع معلق الشؤون الأمنية في صحيفة “إسرائيل اليوم”، يوآف ليمور، إلى دعوة الجيش إلى فحص كيفية وقوعه في هذا الفخ، إذ تم تفخيخ علم فلسطيني أدت محاولة انتزاعه إلى تفجير العبوة. وتساءل: “هل كان هناك استهتار من القوات؟ لماذا لم تكن هناك معلومات استخبارية عن الهجوم المخطط؟ وكيف لم تلحظ المراصد زرع العبوة؟”.
ومن الواضح أن مجرد وصف ما جرى بأنه كان فخاً هو إقرار بالكفاءات التكتيكية للمنفذين، وبنجاح عملية التضليل التي مارسها المقاومون، إذ لم تتمكن كل المراصد من كشفهم، فضلاً عن عملية التمويه التي دفعت جنود العدو إلى تحويل العلم إلى استدراج للجنود والضباط لاستهدافهم. ويؤكد السياق الميداني والسياسي أن العملية ليست حادثة موضعية، بل محطة في سياق لها ما قبلها ولها ما بعدها، وهو ما يبرز في العمليات البطولية التي نفذها المقاومون في الضفة، إضافة إلى كشف “الشاباك” عن مخطط لـ”الجهاد الإسلامي” باستهداف موكب وزير الأمن أفيغدور ليبرمان.
يُشار إلى أن الإصابات التي تعرض لها الجنود والضباط غطت أجزاء واسعة من أجسادهم، وهو ما برز في تقرير مستشفى “سوروكا” الذي عالجهم، إذ قال: “أجريت عمليات جراحية للجنود الأربعة على يد طواقم جراحة عامة، وعظام، وتجميل، وأوعية دموية، وعيون. الجنود يعانون من إصابات مشتركة، اثنان جراحهما بالغة وهما في العناية الفائقة، واثنان بحالة متوسطة”. ولفت المراسل العسكري للقناة العاشرة إلى أن العبوة انفجرت بيد ضابط مختص في تفكيك العبوات الناسفة، تابع لسلاح الهندسة، بعد إنزال العلم الفلسطيني الذي كان مفخخاً.
قساوة النتائج والدلالات الكامنة في هذه العملية وضعت صانع القرار في إسرائيل أمام معضلة صعبة جداً؛ يعود ذلك إلى أنها كشفت عن أن كل الرسائل التهويلية لم تنجح في ردع المقاومة، بل شكلت اختباراً لقدرة الردع الإسرائيلية في ظل محدودية خيارات الاحتلال وكلفة كل منها على المستويين السياسي والأمني. وما فاقم المأزق والحرج الإسرائيلي اقترانها بحالة التوثب والتوتر على الجبهة الشمالية مع سوريا، التي من غير الواضح حتى الآن كيف سينجلي المسار التصادمي الناجم عنها بين التصميم الإسرائيلي على العدوان، والتصميم السوري على إرساء مسار من الردود المدروسة باتجاه تحقيق الردع المؤمل لاحقاً.
مع ذلك، قررت المؤسستان السياسية والعسكرية الارتقاء بمنسوب الاعتداء على غزة، إذ أعلن استهداف 18 هدفاً تابعاً لحركة “حماس” في القطاع. وتنبع خلفية هذا القرار من إدراك تل أبيب خطورة الاكتفاء بالردود التقليدية كونها تنطوي على رسالة ضعف تمس قوة الردع، وأيضا لتأكيد أن إسرائيل “لن توافق على قواعد جديدة للعبة”، ولإيصال رسالة مضادة مفادها أنها لن تسمح بتكرار مثل هذه العمليات من دون رد قد يتصاعد.
كذلك، حرص العدو على محاولة عدم دفع فصائل المقاومة إلى الرد الصاروخي القاسي والمؤلم، وهو ما يشكل إقراراً صريحاً بتوفر القدرة والإرادة لدى قياداتها بالرد بمستويات محددة إذا ما اقتضى الأمر ذلك. أما عن اختيار “حماس”، كهدف للاعتداءات، مع أن العدو لم يكن يعرف الجهة المنفذة حتى ذلك الوقت، فيعود ذلك إلى كونها كانت ولا تزال العنوان المسؤول في نظر العدو عن القطاع والطرف الأكبر من الفصائل المقاومة في غزة، وأيضاً لمحاولة الضغط عليها لدفعها إلى كبح مسار تنفيذ العمليات ضد قواته وضد المستوطنين، عبر تدفيعها ثمن أي عملية حتى لو لم تكن هي المنفذة.
المؤكد أن عملية العلم وما سبقها تؤسس لمرحلة جديدة من المقاومة، وتعزِّز مسارها التصاعدي، إذ يُتوقع في هذه الحالة أن يتحول الاحتلال إلى مأزق ينعكس مزيداً من الإرباك على مستوى الأداء السياسي والعملاني.