ما جديد العقوبات الأمريكية على روسيا؟
شهارة نت – روسيا
من وقت لآخر تفرض أمريكا عقوبات على روسيا، وتختلف هذا العقوبات من شخصيات سياسية رفيعة المستوى وبعض الاصول المالية أو الهيئات الدبلوماسية أو شركات النفط والغاز سواء كانت الوطنية أو التي تتعامل معها موسكو.
وفرض العقوبات يتم بحجج التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية العام الماضي. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) قد أثارت موضوع تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية في كانون الأول / ديسمبر 2016، أي بعد شهر واحد فقط من انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر. وأعلنت الوكالة أنها حددت الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع روسيا، والذين ساعدوا في اختراق الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني لبعض شخصيات حزب الديمقراطية الأمريكي. وبعد هذا، أثيرت قضايا خطيرة كان أهمها صلة ابن ترامب وفريقه الاعلامي مع الروس، ليتم تعيين مفتش خاص في هذه القضية والتي وصفها ترامب بالمؤامرة عليه.
وعلى الرغم من أن التحقيق الذي تجريه سي أي إي من أجل اثبات التواطؤ الذي حصل بين فريق ترامب وروسيا في الانتخابات الأمريكية لم يثبت شيء حتى الأن، وإلى حين توفر الشروط اللازمة لإقالة ترامب، كما يتمنى اعداؤه في الحزب الديمقراطي، لم يبرز بعد، أي موقف من أعضاء الحزب الديمقراطي والجمهوري برفض تحسين علاقات الكرملين والبيت الأبيض كما وعد ترامب في السابق. وخلال عام واحد منذ انتخاب ترامب رئيساً للجمهورية، فرض الكونغرس الأمريكي عقوبات عدة ضد روسيا، وكان اخرها يوم أمس حيث وجهت “هيئة المحلفين الاتحادية الكبرى” في أمريكا اتهامات لـ13 مواطنا روسيا وثلاثة كيانات روسية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. وجاء في لائحة الاتهامات: “مؤسسة البحث الإلكتروني من بين المؤسسات التي صدرت بحقها التهم، وهي مؤسسة روسية هدفها التدخل في الانتخابات”، كما ضمت اللائحة أسماء عدد من موظفي المؤسسة. وبحسب بيان صدر عن مكتب المستشار الخاص الأمريكي روبرت مولر، فإن الكيانات الروسية بدأت التدخل في العمليات السياسية الأمريكية بما في ذلك انتخابات الرئاسة لعام 2016، في وقت مبكر من عام 2014. ووصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا اتهام واشنطن 13 مواطنا روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بـ “محض هراء”.
ومع ذلك، يمكن تقييم أهداف أمريكا من تكثيف العقوبات على روسيا على انها استراتيجية فعالة تطمح أمريكا من خلالها إلى منع روسيا من التدخل في الانتخابات الأمريكية والأوروبية في المستقبل، إضافة إلى فرض ضغوط سياسية واقتصادية عليها للتأثير على قراراتها في السياسة الخارجية في المنطقة وخاصة على دورها المهم في الأزمة الاوكرانية، والأزمة السورية، والقضية النووية لكوريا الشمالية، وطموحاتها في أوروبا الشرقية. ويعد تضارب المصالح بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحكومات الغربية بشأن مسألة النظام الدولي، جعلت من المستحيل أساسا التوصل إلى اتفاق أو حتى إلى تفاهم متبادل بين الطرفين بشأن القضايا الأمنية الأساسية، وعلى هذا الأساس، فإن حكومة ترامب، التي أعلنت في برامج السياسة الخارجية على تحسين علاقاتها مع موسكو، إلا أنها لم تنجح في تحقيق ذلك فحسب، بل اتهمت روسيا في ثلاث وثائق استراتيجية أمنية وطنية مهمة صدرت عن الكونغرس الأمريكي على أنها واحدة من أبرز التهديدات الكبرى لمصالح أمريكا في العالم.
وفي هذا الصدد، يقول خبراء استراتيجيون في الشأن الأمريكي أن فرض العقوبات الأمريكية على روسيا يأتي في مرحلة صعبة وخاصة في ظل اعتماد روسيا على النفط الذي بلغت أسعاره أدنى المستويات. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للعقوبات أن تحد من آفاق الإصلاح الاقتصادي، مما يؤدي إلى السخط العام في الشارع الروسي، مما يضعف موقف بوتين القوي في انتخابات أيار / مايو القادمة. وبعبارة أخرى، إن أحد أهم أهداف صناع القرار في أمريكا من خلال استمرار نهج العقوبات ضد روسيا هو التدخل غير المباشر في الانتخابات الروسية القادمة عبر تعزيز موقف معارضي بوتين.
إلا أن موسكو سارعت إلى إيجاد حلول وبدائل سريعة للحد من الأضرار الناجمة عن العقوبات الاقتصادية الواسعة النطاق التي فرضها الغرب بعد الأزمة في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وكان من بين هذه الحلول التوسع في العلاقات الاقتصادية مع شرق آسيا واستخدام القدرات التكنولوجية في مجالات النفط والغاز لتنفيذ مشاريع مشتركة في هذا المجال مع البلدان الغنية بالنفط في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، كشف وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الخميس الماضي عن أن اتفاقية التحاق شركة “أرامكو” السعودية بمشروع غاز ضخم شرقي روسيا تديره شركة “نوفاتيك” الروسية، صارت قيد التوقيع. وتعد هذه الاتفاقية مهمة جدا لروسيا حيث اخذ البعض يقارنها باتفاقية كوينسي بين فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز في فبراير 1945. وبذلك، عندما تشارك روسيا في مثل هذه الاستثمارات الضخمة في مجال الطاقة مع الصين وإيران والسعودية، تصبح العقوبات الأمريكية على روسيا في مجال التكنولوجيا ورأس المال لا معنى لها.
ختاماُ، قال بوتين في التاسع من شباط / فبراير في اجتماع لنقابة العمال مع مجموعة صناعية وتجارية رائدة في موسكو، أن “أولئك الذين يفعلون ذلك سوف يلغون [عقوباتهم] عاجلا”. والواقع يقول إن الدبلوماسية الروسية المميزة والتي ركزت فيها موسكو على الشراكة التعاونية كانت بمثابة عامل إنقاذ لها، وتفوقت على نقيضتها الامريكية التي تعتمد على التكتيك التقليدي الذي يستغل التوترات والأزمات الإقليمية من اجل تحقيق مصالحه.