مؤتمر المانحين .. تمخض الجبل فولد فأرًا !
شهارة نت – الكويت
انتهى مؤتمر اعمار العراق، الذي استضافته دولة الكويت لمدة ثلاثة أيام (12-13-14/شباط ـ فبراير الجاري)، بالاعلان عن جمع تبرعات وقروض ومنح واستثمارات للعراق بقيمة ثلاثين مليار دولار، بعضها جاء من الحكومات، وبعضها الاخر من منظمات ومؤسسات مالية واقتصادية واستثمارية وإنسانية.
ولا شك أن ما كان يأمله العراق، وقدّر الحاجة إليه، للانطلاق بعجلة إعادة اعمار المناطق والمدن المتضررة إلى حد كبير بفعل الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، التي دامت حوالي ثلاثة أعوام ونصف العام، هو مائة مليار دولار، مثلما ذكر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في مناسبات عديدة، وكذلك مثلما أكد كل من الأمين العام لمجلس الوزراء مهدي العلاق، ووزير التخطيط سلمان الجميلي، وإن كان هناك تفاوت غير قليل بين ما قدره العبادي والعلاق، من جانب، وما أعلنه الجميلي في كلمته في اليوم الأول للمؤتمر، حينما أشار إلى أن بلاده تحتاج إلى ثمانية وثمانين مليار دولار، من جانب آخر.
ويرى العراق، أنه تقع على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية بدعمه ومساندته اقتصاديا، لأنه تحمل الكثير من الخسائر البشرية والمادية في حربه ضد الإرهاب، هذه الحرب التي كانت في واقع الامر دفاعا عن العالم وليس عن العراق فقط، باعتبار أن تنظيم داعش الإرهابي وعموم المجموعات والتنظيمات الإرهابية شكلت تهديدا للجميع، ولو لم ينجح العراق بدحره وهزيمته، لكان قد وصل إلى عمق الكثير من الدول في المنطقة والعالم.
وقد حاولت الحكومة العراقية ايصال رسالة واضحة إلى العالم من خلال مؤتمر اعمار العراق في الكويت، مفادها أن استعادة العراق لاستقراره الأمني وازدهاره الاقتصادي، يصب في مصلحة الجميع.
ولعل طبيعة الحضور العراقي –النوعي والكمي- في المؤتمر، عكس طبيعة وفحوى ومغزى الرسالة العراقية للعالم عبر المؤتمر. فقد شاركت في المؤتمر أكثر من مائة وخمسين شخصية عراقية، من بينها وزراء عدد من الوزارات الخدمية، كالكهرباء والنفط، والاسكان والاعمار، والبلديات والاشغال العامة، والصحة، والتخطيط، والنقل، وغيرها، وكذلك حضر محافظو المحافظات العراقية الثمانية عشرة، إلى جانب خبراء ومستشارين ورجال أعمال ورؤساء شركات ومصارف.
وهذا الحضور، مثل مؤشرا واضحا على أن كل الملفات ستكون موضع بحث ونقاش معمقين، وبالتالي ضرورة التوصل إلى نتائج ومخرجات واقعية وعملية، تنعكس على الأرض، من خلال حركة اعمار واصلاح شاملة، واعادة تأهيل للمدن والمناطق المدمرة، حتى يتاح للنازحين منها الرجوع إليها في ظل ظروف حياتية ملائمة
ولا شك أنه كان هناك تفاعل جيد من قبل اطراف إقليمية ودولية مع فكرة تقديم الدعم والاسناد للعراق بعد انتصاره في الحرب ضد الإرهاب، وبعض تلك الأطراف، ومنها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أكدت على لسان مسؤولين حكوميين فيها، “مثلما دعمنا العراق عسكريا في مرحلة الحرب، سوف ندعمه اقتصاديا في مرحلة الاعمار والبناء”.
بيد أن ما يقلل من مستويات التفاؤل، ويدفع إلى التوجس نوعا ما، هو أن هناك أطرافا دولية وإقليمية، أعلنت صراحة أنها لن تساهم في دعم العراق ماليا.
وقبل ايام قلائل من موعد انعقاد المؤتمر، نقلت وسائل اعلام عالمية عن مسؤولين أميركيين وغربيين قولهم “ان الولايات المتحدة لا تريد المساهمة بأي أموال في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي يعقد في الكويت الأسبوع المقبل، وبدلا من دفع الاموال، فإن واشنطن ستشجع استثمارات في القطاع الخاص وتدفع دول الجوار الخليجية خصوصاً السعودية إلى ضخ أموال هناك”.
ولم تبتعد المملكة العربية السعودية كثيرا عن موقف الولايات المتحدة الاميركية، حينما ربطت قبل عدة أسابيع دعمها للعراق، بحل ما اسمتها بالميليشيات المسلحة، في إشارة إلى قوات الحشد الشعبي، الأمر الذي قوبل برفض عراقي واسع وصريح.
أضف إلى ذلك، فإن حكومات وشركات ومؤسسات استثمارية، أعربت عن خشيتها من عدم وجود الشفافية والسياقات السليمة في تنفيذ مشاريع الاستثمار في ظل الفساد والبيروقراطية المستشرية في منظومة الدولة العراقية، وتريد الحصول على ضمانات مسبقة قبل القيام بأية خطوات في هذا الشأن.
قد تكون تلك المخاوف والهواجس مبررة ومقبولة، بيد أن ما ينبغي الإشارة إليه والتأكيد عليه، هو أن الحسابات والاجندات والمصالح السياسية كانت حاضرة إلى حد كبير في أجواء مؤتمر الكويت.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن جزءا كبيرا مما تم الاعلان عن منحه، هو في الواقع كان تحت عنوان ومسمى القروض والاستثمارات المشروطة، وليس المنح والمساعدات والهبات التي تضمن عدم تكبيل العراق بمزيد من القيود والأعباء الاقتصادية والمالية، التي ربما تعود عليه بالضرر مستقبلا، ناهيك عن أنه لم توضح الاليات التي سيتم بموجبها انفاق الأموال المعلنة، وقد أشار باقر جبر الزبيدي، إلى أنه حينما كان يشغل منصب وزير المالية قبل حوالي عشرة اعوام، عقد مؤتمر للمانحين وتعهدت دول ومؤسسات عديدة بمنح العراق عشرات المليارات، لكن لم يتحقق شيء، وربما يكون مصير ما اطلق من وعود وتعهدات في مؤتمر الكويت لا يختلف عن سابقاته.
ويقول النائب في البرلمان العراقي عدنان الاسدي “ان مقدمات مؤتمر الكويت بشأن اعمار العراق غير مشجعة، وأن العراق لا يريد من الدول الأخرى سوى اعمار مدنه المحررة والتي دمرتها الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية وتحسين الواقع الخدمي بالبلاد، وان شروط المنظمات المدنية بشأن توفير الأمن في البلاد وبيئة استثمارية صالحة وسحب السلاح من الشارع من أجل القدوم إلى العراق، دليل على أنها لن تدفع شيئا”، في ذات الوقت الذي يؤكد فيه خبراء ومتخصصون ومراقبون، ان نتائج ومعطيات مؤتمر الكويت، ذات البعد الايجابي، تتطلب وقتا غير قصير لترجمتها على أرض الواقع، وأن الدخول في تفاصيل وجزئيات العروض والتعهدات والوعود، يمكن أن يبقي بعض -وربما كثيرا من- الأرقام حبرا على ورق!.