أردوغان غرق في وحل غصن الزيتون
لم تظهر أي نتيجة بعد لعملية غصن الزيتون التركية في عفرين ولا نعلم لأي طرف تميل الكفة بعد، فلا نرى على أرض الواقع سوى جرحى وقتلى من الطرفين، ومع دخول العملية أسبوعها الخامس تتجه تركيا إلى التصعيد العسكري للعدوان على عفرين لتغطية خسارتها للجنود، ولطائرة مروحية خلال العملية.
شهارة نت – تحليلات
ولا يمكن أن نتجاهل قلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان من انتقال تأثير نتائج هذه المعركة على الداخل التركي الذي لا يبدو أنه في أحسن حالاته ويعيش حالة من الاضطراب الاقتصادية والسياسية، خاصة أن عددا لابأس به من الأحزاب المعارضة يترصد أي فشل لأردوغان ليستثمره لصالحه في الانتخابات المقبلة والتي يمكن أن تتم قبل موعدها في حال شعر أردوغان بأن الأمور تسير وفق تطلعاته وخططه.
وللتذكير فقد انطلقت عملية “غصن الزيتون” التركية بهدف تطهير منطقة عفرين من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” وقوات الحماية الكردية “YPG“، وذلك لحماية الأمن القومي التركي والحدود الجنوبية المتاخمة للحدود الشمالية الغربية مع سوريا، وأهداف سياسية أخرى ستترك أثرا بالغاً على مستقبل السياسة التركية على الصعيد الداخلي والخارجي.
والسؤال هل سينتهي هذا الاستعراض العسكري لصالح اردوغان في الداخل التركي ؟!.
الجميع في تركيا كان يعلم بأن حزب العدالة والتنمية لم يعد طرفا مركزيا يتمتع بسلطة بلا منازع، وكان الحل لهذه المسألة بنقل السلطة الهيكلية من البرلمان إلى الرئاسة في شكل نظام سياسي رئاسي، والعمل على إبراز كاريزما الرئيس بشكل كبير واعتباره الرجل الأول في السياسة التركية، ونجح أردوغان في ذلك إلى حد كبير، كما نجح في كم افواه جميع المعارضين والانقلابيين بعد فشل الانقلاب عليه في صيف العام 2016.
ومن حسن حظ اردوغان أن دولة بهتشلي رئيس حزب الحركة القومية المعارض MHP، أعلن تأييد حزبه لأردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، ونراه يدفع حاليا للمصالحة مع حزب العدالة والتنمية، لكن في الوقت نفسه ورغم وقوف معظم أحزاب اليمين ” الحركة القومية، الاتحاد الكبير..إلخ” مع الحكومة اصطفافاً تاماً وتأييدها المطلق للعملية العسكرية، إلا أن اليسار، وخاصة حزب الشعب الجمهوريGHP، أبدى معارضة غير مباشرة للعملية، واليوم هناك توتر كبير بين حزب العدالة والتنمية وهذا الحزب، الذي بارك العملية العسكرية في عفرين منذ البداية على لسان رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو، إلا أن الحزب سرعان ما شن هجوما ضد الجيش السوري الحر المشارك في العملية، واتهمه صراحة بالإرهاب، ودعا رئيس الحزب أوغلو الحكومة للجلوس مع الرئيس الأسد، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل أردوغان.
ولم يعجب هذا الكلام أردوغان الذي هاجم بدوره الحزب واتهمه بالخيانة واتهم الحزب أنه لا يفرق شيئاً عن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وذكَّر أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، أن الأتراك والعرب حاربوا سوياً خلال معركة الاستقلال في تشناق قلعة وفي غيرها.
سياسة أردوغان في الداخل
ولا زال الرئيس أردوغان يتبع نفس السياسة التي مكنت حزبه من الفوز في انتخابات العام 2015، من خلال إبراز حزب العدالة والتنمية بأنه حركة إصلاحية لكل الشعب التركي، وليس لقومية معينة، وليس لطائفة معينة، وإنما لكل الشعب التركي ونهضته وتقدمه، في مقابل إظهار الأحزاب الأخرى بأنها إما تحمل أجندات خارجية، يعني إما علمانية غربية لا تحترم هوية الأمة التركية ولا تاريخها، وإما أحزاب قومية ضيقة كارهة للوحدة الوطنية، وإما أحزاب سياسية عنصرية ترتبط بأجندة خارجية معادية لتركيا القوية والمتقدمة.
أكراد الداخل
لا يمكن لأردوغان ان يتجاوز موضوع أكراد الداخل “١٥ إلى ٢٠ مليون شخص” وغيرهم من الأقليات الذين يعارضون سياسته الحالية من تصدير الأزمات إلى الخارج وغيرها، وخاصة الأكراد الذين سيتعاطفون مع اكراد سوريا لا محالة، ولهذا السبب سارع اردوغان إلى بناء خطاب إعلامي متوازن يركز على أن الحملة لا تستهدف الأكراد الموجودين في عفرين، بل هي موجهة إلى التنظيمات المسلحة، التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على الأكراد أنفسهم، إذ أعاد أردوغان التذكير أكثر من مرة أن تركيا تستقبل على أراضيها ما يقرب من ٣٠٠ ألف لاجئ سوري من أصل كردي رفضوا العودة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الحماية الكردية، خوفاً على حياتهم ونفوراً من ممارسات تلك الميليشيات، على حد تعبيره.
استثمار معركة “عفرين”
واليوم يريد أردوغان استثمار عدوانه على عفرين في الداخل التركي والانتخابات المقبلة، من خلال تصدير مشاكله الداخلية إلى الخارج وإظهار نفسه بأنه الرجل الأمثل للدفاع عن تركيا وأمنها القومي ووحدتها الوطنية، وبالتالي لن يتراجع أردوغان عن معركته في سوريا حتى تحقيق أغلب أهدافه أو جميعها، ولكن في ظل هذه المقاومة الشرسة التي يبديها الأكراد في عفرين وازدياد عدد القتلى في صفوف الجيش التركي والذين زادوا عن 30 جندي، هل سيتمكن أردوغان من امتصاص هذه الحالة وعدم السماح لنتائجها بتقويض عمله وعمل حزبه أو الاضرار بسمعته في الداخل التركي وإجراء انتخابات مبكرة قبل تفاقم الأمور وخروجها عن سيطرته أو الشعور بأنه بدأ يغرق في وحل عفرين، خاصة ان الكرة حتى الآن لا زالت في ملعبه في الداخل التركي؟!.