أسواق غريقة في بلد غريق
جولة واحدة في الأسواق المحلية كفيلة بكشف أهم اختلال الاقتصاد الوطني? فكل شيء من حولك يؤكد ان اليمن فقير فعلا ولكن هذا البلد الغني بالثروات وعوامل الإنتاج الأساسية من موارد أولية ويد عاملة فقير عقول وليس موارد ? فنحن نملك مالم تملكه اليابان التي تعتمد على 99% من موارد الإنتاج الأولية من دول الغير ولكن لا نملك أي خصوصية إنتاجية يمكن ان نفخر بها باستثناء البعض من المنتجات المحلية التي لا تحظى باحترام المستهلك المحلي لان المنتجين لا يحترمون المستهلك وحقه في الحصول على منتجات محلية ذات جودة عالية مثل تلك المنتجات التي تصدرها مصانعنا إلى دول الجوار يضاف إلى ان المنتجين لايضعون أي اعتبار لأهمية هامش الربح في تسويق سلعهم الإنتاجية لدى تجار التجزئة الذين يقدمون للمستهلك منتجات أجنبية تتيح لهم الحصول على هامش ربح يحظى برضاهم ويحقق لهم ربحية جيدة خلافا للمنتجات المحلية التي يقف أمامها بائع التجزئة مكتوف الأيدي كون الربح فيها لا يغطي ادنى النفقات اليومية والاعتماد عليها قد يعرض باعة التجزئة للإفلاس المؤكد ? هذه المشكلة التي فأقمت العجز التجاري عاما بعد آخر لازالت دون حل حتى اليوم كون القطاع الخاص غير آبه لأضرارها التنافسية في سوق غريق بالسلع والمنتجات الخارجية التي تهدد ماتبقي من خصوصية إنتاجية لليمن أكانت صناعية أو إنتاجية حرفية وغيرها من المنتجات التي تحمل عبارة صنع في اليمن وتتجاوز حالة الإغراق في بلد بات غريقا?ٍ من كافة الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية تنافسية السوق تصاعد العجز التجاري السنوي الذي كان يعيش منذ قيام ثورة سبتمبر في عجز مزمن ? تلك العلاقة المختلة قد لاتكون السبب الوحيد بل إنها ابرز الأسباب التي تضع اليمن في ذيل قائمة الدول الصناعية والإنتاجية أيضا وفي رأس الدول الفقيرة والأشد فقرا?ٍ. ذلك الانطباع يدركه المختصون في الاقتصاد الوطني والمهتمون بجلاء حين يجد الجنبية اليمنية تستورد من الصين والزبيب يستورد من الصين والمكسرات تستورد من ايران والهند كاللوز والقرع احد أنواع المكسرات التي قدمها المنتج التركي والسوري خصيصا للمستهلك اليمني ذلك الانطباع يفرض نفسه بقوة على المتسوق في أسواق صنعاء القديمة التي اشتق اسمها من الصنعة والصناعات التي اشتهرت بها صنعاء منذ قديم الزمان وأنت تجد الحلبة والثوم والبهارات بأنواعها مصدرها دول مختلفة من العالم فيما كانت مزارع صنعاء ومقاشمها تزرعها بكميات تجارية بل وأنت في صنعاء تجد المنتجات الأجنبية معروضة بصورة مهولة خصوصا في أسواقها التخصصية التي عرفت بتسويق المنتجات المحلية فقط . وأنت في سوق العيد ينتابك شعور غريب لايخلو من الألم حين ترى آلاف الناس يسوقون منتجات العالم الخارجي وترى الأسواق المحلية أشبه بمقلب قمامة لمنتجات أجنبية تفتقد معظمهما الجودة والسلامة الصحية والبعض من تلك المنتجات محرم استهلاكها في دول المنتج فيما ترى بعض المنتجات المحلية لا تحظى بأي اهتمام ولا تشكل أي نسبة في قائمة العرض في السوق يمكن ان يتباهى بها اليمنيون كمجتمع شاب يصل عدد الداخلين في سن العمل والإنتاج 75% من إجمالي السكان وسيصلون الى سن الشيخوخة دون ان يقدموا شيئا لأنفسهم ولوطنهم بل سيصبحون عالة بعد 30 إلى 40 عاما?ٍ فهم مستهلكون بامتياز لم تستثمر طاقاتهم الإنتاجية في الإنتاج بل يكرسون جل جهدهم للتسابق على تسويق واستهلاك ما تنتجه المجتمعات الأخرى دون ان يتساءل احد ماذا ننتج نحن وكيف ننتج وهل يمكن ننتج ??بل والى متى سنضل نستهلك فقط الملاحظ أننا اليمنيون لم يعد لنا أي خصوصية لا في مجال زراعة القطن ونحن بلد غذت مزارعنا في يوم ما مصانع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عشرات السنين بالقطن ? ولا في مجال الصناعات الإنتاجية التي كانت إيراداتها تتجاوز الـ 36 % من الموازنة العامة للدولة في عهد الرئيس ألحمدي ( رحمه الله ) فمزارع تهامة التي شغلت عشرات آلاف العاملين في عقد السبعينات تحولت من مزارع قطن الى مزارع للتمباك بسبب ارتفاع وانعدام الديزل والتحكم بالقطن من قبل عميد تاجر في مجال القطن كلف الامن بمحاصرة المزارعين ومصادرة أي كميات قطن لايتم بيعها لشركته الخاصة بتصدير القطن بسعر 80 ريالا?ٍ للكيلو بينما التكلفة الإنتاجية تكلف مايزيد عن 150 ريالا?ٍ للكيلو ولذلك اصبح التهاميون يلبسون من الصين وينامون فوق فرش صينية الصنع وهو واقع يعكس الدمار الذي حل بهذا القطاع الحيوي الذي يساوي فيه الكيلو القطن عشرة براميل نفط حسب معادلات الجدوى الاقتصادية ولكن مايعرض في الأسواق بات يساوي ملياري دولار ويستنزف الموارد العامة للبلد ويوقع الشعب بأسره في شباك التبعية الاقتصادية الكاملة? ففاتورة استيراد الكساء وارتفاع اسعارها في الأسواق لاتثير اهتمامات المعنيين بالاقتصاد كما يشير واقع قطاع الصناعات النسيجية? فمحالج القطن في الحديدة وابين ولحج مغلقة ? ومصنع الغزل والنسيج في صنعاء لازالت عجلة الإنتاج فيه لم تدر منذ قرابة سبع سنوات من توقفها