ردود الفعل الأميركية على خطاب ترامب الأخير
شهارة نت – وكالات
استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد الخطاب بحسب شبكة سي بي أس للتلفزة، أوضحت ارتفاعاً في منسوب التأييد للرئيس الأميركي دونالد ترامب: 97% من الجمهوريين؛ 50% من المستقلين؛ و43% من الديموقراطيين. أما مستوى ترحيب الحزب الديموقراطي بالقضايا التي تطرق إليها ترامب فلم يخرج عن المألوف: الحزب الذي لا ينتمي إليه الرئيس يحجم عن التصفيق قدر الإمكان.
عناوين ومحاججة ترامب تمحورت حول الرؤيا لأميركا “آمنة وقوية”، ويمكن إيجازها بثلاث قضايا رئيسة: خفض معدلات الضرائب عن شريحة الأثرياء؛ الإطاحة بالقوانين والقيود المعمول بها لحماية البيئة والصحة العامة؛ إطلاق العنان لشركات النفط والطاقة لاستغلال الأراضي والمياه الإقليمية لحفر آبار النفط والغاز.
قضايا السياسة الخارجية جاءت لماماً وفي سياق القضايا الساخنة التي تعهد بمعالجتها: كوريا الشمالية والاتفاق النووي مع إيران. اللافت أن خطابه خلا من لهجة التهديد بشن هجوم عسكري على أراضي كوريا الشمالية، بينما زاد العلاقات المتنشجة مع موسكو تعقيداً بنشر وزارة المالية/الخزانة لائحة عقوبات ضد الأعضاء البارزين في حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، شملت 114 سياسياً و 96 من رجال الأعمال والاقتصاد.
جدير بالإشارة فيما يخص كوريا الشمالية أن البيت الأبيض، عشية الخطاب، سحب ترشيحه للأستاذ الجامعي (فيكتور تشا) لمنصب السفير الأميركي في سيؤول على خلفية تصريحات أعرب فيها عن “تحفظاته” لخطة “الهجوم الإستباقي” ضد كوريا الشمالية. يذكر أن (تشا) عمل ضمن طاقم الأمن القومي على قضية كوريا الشمالية في إدارة الرئيس جورج بوش الإبن.
إيران حظيت بحيز بارز في استهداف ترامب حاثاً الكونغرس على أخذ زمام المبادرة لمراجعة بنود الإتفاق وإرساء الأرضية القانونية للخطوة المقبلة، سواء لاعادة التنفاوض بشأن قضايا غير مدرجة في نصوص الإتفاق، أو التهيئة لانسحاب واشنطن من التزاماتها المتضمنة في الإتفاق، على الرغم من اعتراض الدول الأوروبية الموقعه.
على الطرف المقابل، صدرت يومية نيويورك تايمز في اليوم التالي بافتتاحية عنوانها (ما لم يفهمه ترامب حول خطاب حالة الإتحاد) أوضحت فيها أن الخطاب لم يكن قوياً “لرئيس تقرّب من دولةأجنبية ] روسيا[ تلاعبت بالانتخابات الأميركية وهاجم مراراً السلك القضائي في البلاد والأجهزة الأمنية .. وفي الوقت نفسه دافع عن النازيين الجدد واستمر بالصراخ “أخبار مزيفة” في الوقت الذي كان يكذب.”
وذكّرت الصحيفة بأحدث حلقة في مسلسل الفضائح الأخلاقية التي تلاحق الرئيس ترامب “بكشفه عن دفع أمولاً لنجمة أفلام إباحية وانتشر الخبر بشكل واسع، ومع ذلك قررت زوجته حضور الخطاب السنوي الأهم له.”
أما صحيفة واشنطن بوست، المقربة من دوائر صنع القرار، فقد أرست سقفاً متدنياً للتوقعات من خطاب ترامب بالقول أنه أفلح في التصرف كأي “رئيس عادي،” بدل نزقه الصبياني، حسب تعبير بعض قادة الحزب الجمهوري. وعلقت على خطابه في المنتدى الإقتصادي الدولي، بدافوس السويسرية، بأنه تحلى “بالصراحة والذكاء واللهجة التوافقية وتبني الإنفتاح على العالم بدل الإدانة المعهودة.” (27 كانون الثاني/يناير 2018).
بينما جاءت افتتاحيتها بالاتساق مع زميلتها، نيويورك تايمز، متسائلة “ألم تبدُ كلمات الرئيس فارغة؟” إذ طبع الرئيس خطابه “بالمفردات الإنقسامية المتعلقة بقضايا ساخنة وشن هجوم (غير مباشر على أوباما) خلا من اللياقة”.
توقيت الخطاب واكبه تشنجات وخلافات حادة بين الحزبين على خلفية البت بمسألة المهاجرين، والتصنيفات المتعددة المكتسبة، التي أعد ترامب الأجهزة الحكومية للبدء باجراءات الترحيل، واسفرت عن اغلاق مؤسسات الدولة أبوابها لنحو 24 ساعة قبل الاتفاق على تأجيل البت في القضايا الخلافية الى ما بعد خطاب الرئيس.
قادة الحزب الجمهوري والرئيس ترامب يتبنون موقفاً متشدداً ومتشنجاً من استيعاب نحو 1.8 مليون لاجيء من أميركا الوسطى أتت بهم السلطات الأميركية لأراضيها أصلاً هروباً من الزلزال المدمر الذي اجتاح تلك المنطقة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
حقيقة الأمر أن لب المسألة ليس له أدنى علاقة بالوضع “القانوني” الراهن، بل تغيرات حاجة السوق الأميركية لليد العاملة المهنية وللكفاءة العلمية هي أحد المحركات الأساسية. والبعد الآخر يتمثل بتوزيع وتعديلات المقاطعات الانتخابية التي لا تحابي الحزب الجمهوري بشكل خاص.
خطاب الرئيس لم يبتعد عن لهجة التحريض وإقصاء اللاجئين بحجة “صيانة المصالح الأميركية،” المصطلح الرمزي لتناقص أعداد العنصر الأبيض، وحرص حزبه على إدراج “قوانين الهجرة” الراهنة على جدول أعمال مقص القانون بتشديد القيود وسد الثغرات أبرزها وقف العمل بهجرة الأقارب و”سياحة الحمل والولادة،” وإقرار قانون جديد يقصر حق الهجرة على زوج/ة المهاجر والابناء القاصرين فقط.
توسع الرئيس ترامب في استعراض انجازاته، الحقيقية والمتخيلة، وأعاد الأولوية لخطاباته الإنتخابية: الإزدهار وارتفاع النمو الإقتصادي، وانتعاش الأسواق المالية؛ واكبه “انخفاض معدلات البطالة وهي الأقل خلال 17 عاماً الماضية؛” والزعم أن إدارته وفّرت 2.4 مليون فرصة عمل منذ انتخابه.
أما التحديات الخارجية، وفق التوصيف الرسمي، جاء ذكرها على هامش الخطاب وخلا من أي خطة واضحة المعالم للتعامل مع الملف الكوري، باستثناء المفردات الرسمية، لا سيما قبل ساعات من سحب مرشحه لمنصب سفير واشنطن لدى سيؤول قبل ساعات معدودة؛ ومحاربة داعش وتعديل الخلل في ميزان التبادلات التجارية، مع الصين بشكل رئيس.
ملف الشرق الأوسط جاء في سياق إعلانه القدس عاصمة “لإسرائيل،” وتعهده بقطع الدعم عن الدول التي فشلت أو أحجمت عن دعم القرار ونقل السفارة الأميركية إليها.
دولياً، استعاد ترامب خطاب الحرب الباردة بالتركيز على استعداء الصين وروسيا اللتين تمثلان “خصمين يهددان مصالحنا وقيمنا.” إثارة المسألة جاء ليرضي مراكز القوى النافذة في صنع القرار، لا سيما شركات صنع الأسلحة التي انفرجت أساريرها لتدفق مخصصات وزارة الدفاع من أسلحة ومعدات إلى جيوبها. واللافت أيضاً أن ميزانية الدفاع المقررة لم تحظَ بمعارضة ولو نسبية من الحزب الديموقراطي.