(فاقد الشيء لا يعطيه)
أعتقد أننا في اليمن تحديدا?ٍ من أكثر شعوب الأرض قاطبة بأمس الحاجة إلى قيام عدة ثورات في آن معا?ٍ داخل مجتمعنا اليمني تقوم على تفكيك نمط تفكيره أولا?ٍ من أجل دراسة أولويات احتياجاته ـ نفسيا?ٍ وعقليا?ٍ ووجدانيا?ٍ ـ ومن ثم إعادة تركيبه من جديد? قبل الحديث عن حاجته إلى ثورة لإسقاط النظام لأنه سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الحزب الحاكم فإن هذا الأخير سوف يتغير أصلا?ٍ اليوم قبل الغد ولن يخلد إلى الأبد? وهو نفسه مؤمن بأن التغيير سنة من سنن الكون ولا أحد استطاع سابقا?ٍ أو يستطيع حاليا?ٍ إيقاف عجلته على الإطلاق.
صحيح أننا بحاجة إلى أكثر من ثورة .. ثورة في التعليم? وثورة في الصحة? وثورة في الاقتصاد من أجل إحداث نهضة شاملة في هذا البلد الذي نحن من قمنا بتهشيم عظامه وكسر عموده الفقري على مدى عقدين من الزمن بسبب مناكفاتنا السياسية بحجة بناء الوطن والقفز به إلى مصاف الدول المتقدمة على خارطة العالم? لكننا في الواقع اكتشفنا ولكن بعد فوات الأوان بأننا كنا على خطأ? وبأننا لا نجيد رسم الخرائط أو قراءة رموزها ولا نفهم في الجغرافيا وتضاريسها? ولا حتى في التاريخ بكل دروسه وعبره..
> لقد افتقدنا لأهم ثورة كان ينبغي لها أن تقوم قبل أي ثورة أخرى وكان يجب أن نؤصل لها في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا? ألا وهي ثورة القيم والأخلاق والفضيلة ونشر المحبة والتسامح بين كل فئات المجتمع حتى مع أولئك الذين نختلف معهم من أجل بناء هذا الوطن الذي مارسنا في حقه كل أنواع الهدم ثم ندعي زورا?ٍ وبهتانا?ٍ بأننا نحبه ونعشقه? تماما?ٍ كما يفعل البعض منا اليوم من أدعياء الوطنية والإصلاح والتغيير والذين تعاملوا مع هذا الوطن وكأنه قطعة حلوى كبيرة أرادوا أن يستأثروا بها لوحدهم دون أي اعتبار لبقية فئات المجتمع.
مشكلتنا الكبرى في اليمن أننا ظللنا على الدوام نقوم بصياغة الشعارات الوطنية تارة والشعارات الدينية تارة أخرى لا لتطبيقها ولكن لبيعها على البسطاء وتحقيق الربح من ورائها? تماما?ٍ كما كان يفعل الحزب الاشتراكي قبل الوحدة والذي قام بملء بطون العشرات من الكتب بالشعارات الجوفاء إلى جانب التنظير لأهدافه وبرامجه ? وصرف على ذلك أموالا?ٍ طائلة? بينما ظل هذا الحزب عاجزا?ٍ عن ملء البطون الجائعة حتى من أعضائه.. فيما حزب الإصلاح ـ ظل يستثمر في الدين ويتاجر به ثم ينادي باجتثاث الفساد ومحاكمة الفاسدين والمطالبة بشغل الوظيفة العامة لمن يستحقها من أصحاب الكفاءات والتخصصات ?في الوقت الذي كان يقوم بزرع أعضائه أفقيا?ٍ?ٍ وعموديا?ٍ في كل مفاصل الدولة ـ المدنية والعسكرية قبل وبعد الوحدة ? فيما الكفاءة والخبرة والتخصص في عهدهم هي آخر ما يفكرون بها? فالمهم عندهم هو السيطرة على مؤسسات الدولة دون وازع من دين أو ضمير ? فكان يتم إقصاء كل طالب وظيفة إذا كان ليس عضوا?ٍ في هذا الحزب الأصولي حتى لو كان طالب الوظيفة يمتلك الكفاءة والتخصص المطلوب.. فيما يرددون بأفواههم على الدوام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الناس سواسية كأسنان المشط) فيما أفعالهم تقول عكس ذلك.. ومن الناحية الأخرى لا تخلو خطبهم المنبرية من ترديد هذه الآية (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) فيما هم اليوم ـ وتحت مسمى إسقاط النظام يحرضون من على منابر المساجد على الإثم والعدوان ضد الأمن المركزي والحرس الجمهوري من خلال إصدار الفتاوى بقتلهم مقابل إصدار صكوك بدخول الجنة واعتلاء الفردوس الأعلى منها? وكأن هذه الجنة فندق سياحي خمسة نجوم مفاتيحه في أيديهم يوزعون غرفه وأجنحته لمن يريدون وبحسب العلاقة والمصلحة الشخصية بينهم وبين مرتادي هذا الفندق? ولهذا فهم من أكثر الأحزاب السياسية والدينية إجادة في تطبيق النظرية المكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) سعيا?ٍ في الوصول إلى السلطة عبر استخدام كل الوسائل غير المشروعة.
أصحاب مشاريع التغيير اليوم و (الثوارجيون) جعلوا الناس بسبب أفعالهم اللاإنسانية يلعنون كل الثورات في العالم التي قامت والتي قد تقوم مستقبلا?ٍ? ويكفرون بالتغيير إذا كان سيحول كل شيء في هذا الوطن إلى رماد وركام وأشلاء لأن ثورة التغيير التي يدعونها لم تقم على القيم والأخلاق ونبل المقصد? والسبب أن هؤلاء «الثوارجيين» الجدد شرعنوا لأنفسهم استباحة كل شيء وأرادوا إلغاء شرعية أصحاب الشرعية الحقيقيين بعد أن استباحوا دماءهم داخل جامع النهدين بدار الرئاسة في جمعة الأول من رجب الحرام وهي الجريمة البشعة التي لم تفعلها طائفة الخوارج نفسها على مدى تاريخها وهي المشهورة بسفك الدماء تحت لباس الدين.. بل إن المرعب حقا?ٍ اليوم أن هؤلاء الثورجيين الأصوليين يمارسون عملية الإقصاء
حتى مع أولئك الذين يتفقون معهم حول التغيير من حيث المبدأ لأنهم يرفضون التغيير عن طريق العنف وينادون بالتغيير السلمي حفاظا?ٍ على مقدرات وممتلكات الوطن والشعب ? ولذا تم سحق المنادين بالتغيير السلمي دون رحمة? ومن تبقى منهم تم تهميشهم تماما?ٍ? لأنهم يقفون حجر عثرة أمام