حكايات ومشاهدات في صنعاء ومأرب
الرحلات والأسفار إحدى مصادر المعرفة الإنسانية? التي ارتبطت حركة الإنسان خلال حياته الأولى بالترحال والانتقال? وقد أصبحت الرحلة إلى الحج وزيارة الأراضي المقدسة صورة من صور الرحلات لدى العرب? كما كانت الرحلة التجارية إحدى الصور الأخرى? فاشتهرت بينهم رحلتا الشتاء والصيف التي ذكرهما القرآن الكريم? وهما رحلتنا رحلة الشتاء إلى بلاد اليمن? ورحلة الصيف إلى بلاد الشام.
ونجد أن لكتب الرحلات في الأدب العربي? قديمه وحديثه? وفي الآداب العالمية جميعا?ٍ? مكانا?ٍ بارزا?ٍ ملحوظا?ٍ في هذا المقام. ليس من ناحية الك?ِم? فحسب? بل من ناحية أخرى? تتمثل في أن كتب الرحلات تبدو في الغالب أكثر جاذبية? وربما لأن? الحديث فيها ذو طابع ذاتي? ي?ْزجيه الرحالة ـ المؤلف ـ لقارئه أشبه بمناجاة بين صديقين متقاربين? فالرحالة وهو يسرد وقائع رحلته وخاصة إذا كان يتمتع بأسلوب سهل بديع? ويصدر في عباراته عن عفوية م?ْحببة لا تك?ِل??ْف فيها? ولا ريب في أنه في مثل هذا الموقف لا يمكن إلا? أن يجذبنا إلى متابعته بكل لهفة واهتمام…
وقد سجل الرحالة العرب المسلمون الذين طافوا البلدان الإسلامية وغيرها مما صادفهم في أسفارهم الطويلة من مشاهدات وانطباعات عن الأقوام الذين مر?وا بهم? وعاشوا بين ظهرانيهم? كما دونوا في رحلاتهم الكثير من الغرائب والعجائب التي عايشوها وسجلوها في تلك الديار القصي?ة? ومن أبرز الرحالة العرب الرحالة محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي (ت 614 هـ)? والرحالة أبو عبدالله اللواتي الطنجي المعروف بابن ب?ِط?ْو?ط?ِة صاحب أشهر رحلة شعبية في التراث الجغرافي العربي من أشهر الرحلات خلال القرن الثامن للهجرة/ الرابع عشر للميلاد? وغيرهم ممن الرحالة العرب الذين حفل بهم تراث العرب الجغرافي.
وما زالت شعوب كثيرة في العالم تعيش على الرحلة والتنقل كمن مكان لآخر? بل إن ح?ْب الانتقال يعتبر من الخصائص التي يتميز بها الإنسان لأنها تضيف إليه معرفة جديدة كما تعر?فه بأحوال المجتمعات والشعوب. كما ما زال هنا نمط أدبي يتناول سرد الرحلات الخاصة والعامة إلى مناطق معزولة من العالم? أو على أماكن زارها رحالة ودونوا عنها? لكنها بقيت حبيسة المخطوطات? فجاءت أيد?ُ حنونة انتشلتها من الضياع? ونفضت عنها غبار الزمن الماضي? وأعادت تحقيقها وفق أسس التحقيق العلمي المتعارف عليه? فنشرته للناس ليطلعوا ويتعرفوا إلى ما خط أولئك الرحالة الذين كابدوا الم?ِش?ِاق والأهوال من اجل أن يخطوا صفحات رحلتهم الشاقة صوب الأماكن والبلدان التي يمموا وجوههم صوبها.
جائزة تحقيق المخطوطات
أضاء كتاب: “من مصر إلى صنعاء رحلة في بلاد العرب السعيدة 1927”? لمؤلفه نزيه مؤيد العظم? والذي تولى تحقيقها وقدم لها الأستاذ المحقق عبدالله السريحي? حيث أضاء النص ـ الرحلة ـ على جغرافية اليمن وتاريخ أحواله في الربع الأول من القرن العشرين خلال عهد الإمام يحيى. وهو موضوع بقلم مؤلف ينتمي إلى عائلة وطنية دمشقية عريقة? كان منفيا?ٍ في مصر سنة 1926م إبان الثورة السورية الكبرى التقى بشارلس كرين? الثري الأميركي الذي كان م?ْلقبا?ٍ بصديق الشعوب المظلومة? وطلب مرافقته في رحلة إلى الحجاز واليمن. وهو ما جرى? وكانت ثمرة تلك الرحلة هذا الكتاب القيم الذي قام المحقق عبدالله السريحي? وهو باحث رصين ومعروف من اليمن? بتكليف من المركز العربي للأدب الجغرافي: ارتياد الآفاق في أبوظبي? بإعادة تحقيقه? وتصويب ما وقع فيه المؤلف من أخطاء تتعلق بتاريخ اليمن? مع الإشارة إلى ذلك في موضوعه? وقد قام بهذه المهمة بجدارة كبيرة استحق عنها جائزة ابن بطوطة للمخطوطات.
تضمت الرحلة ـ الكتاب ـ على استهلال? المقدمة? نص الرحلة? تتمة الرحلة? والملاحق التي اشتملت: “محاضرة المستر كراين? وثلاثة ملاحق? الفهارس الكش?افة? ومصادر التحقيق”. حيث عرض الاستهلال لجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي الذي أعلن عنها في أبوظبي العام 2003 م? وتهدف إلى تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات واليوميات? وتأسست الجائزة إيمانا?ٍ من “المركز العربي للأدب الجغرافي ـ ارتياد الآفاق”? و”دار السويدي” بضرورة الإسهام في إرساء تقاليد ح?ْر?ة في منح الجوائز…
كما تناول المحقق الباحث عبدالله السريحي في المقدمة التعريف بـ”حياة مؤلف الرحلة نزيه مؤيد العظم الذي ينتمي إلى أسرة شامية? المولود في مدينة دمشق العام 1890م”? وتوقف عند محطات عديدة في حياته? ثم تطرق إلى ذكر أعماله الفكرية? حيث كتب وترجم العديد من الكتب? فترجم نزيه عن الإنجليزية كتاب “القول الحق في تاريخ سورية وفلسطين والعراق”? للبريطاني ج. دي. ف. لودر. بعدها أوضح السريحي للقارئ تفاصيل رحلة ـ كتاب ـ نزيه مؤيد العظم” من مصر إلى صنعاء: رحلة في بلاد العرب السعيدة 1927”? ثم نبه إلى ملاحظات عامة على الرحلة? مع بيان عمله في تحقيق هذه الرحلة من مصر إلى صنعاء…
وأشار المحقق في”توطئة إلى تعر?ف نزيه العظم على “المستر شارلس كرين المثري الأم