الأسيرات الفلسطينيات وبشاعة التعامل في سجون الاحتلال الإسرائيلي
شهارة نت – استطلاع / فلسطين
“أتذكر عندما جلب كرسيه بالقرب مني وفتح رجليه واقترب مني كثيرًا، كان أمرًا كريهًا بالنسبة لي، فقد كنت أشعر بالخوف من أن يحاول مهاجمتي”، هذا ما قالته خولة الأزرق وهي تتذكر التهديدات الجسدية والتحرشات الجنسية للمحققين الإسرائيليين عندما كانت في عمر المراهقة.
بعد عدة عقود ما زالت خولة – 54 عامًا الآن – تشعر بالرجفة عندما تتذكر المحققين الإسرائيليين وهم يمدون أيديهم نحو رجليها لتهديدها جنسيًا، تقول خولة: “كانوا يتعمدون الجلوس بالقرب منا ولمس أجسامنا، لقد كان أمرًا مرعبًا لي عندما كنت مراهقة”، كانت خولة أحد أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح، ومنذ أن كان عمرها 14 عامًا تعرضت للاعتقال من القوات الإسرائيلية 4 مرات بسبب انضمامها لحركة فتح ومشاركتها في الاحتجاجات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعندما بلغت 18 عامًا حُكم عليها بالسجن 3 سنوات.
تقول سحر فرانسيس مديرة مؤسسة “الضمير” لحقوق الأسرى الفلسطينيين: “كان التعذيب وسوء المعاملة والإذلال يبدأ منذ اللحظات الأولى للاعتقال، وبالنسبة للأسيرات اللاتي يرتدين حجابًا، كن يدخلن في مشاحنات مع الجنود للسماح لهن بارتداء حجابهن قبل اعتقالهن من منازلهن”.
تعد أوقات التحقيق من أشد الفترات عنفًا في أثناء الاحتجاز، فالنساء لا يتعرضن فقط للتعذيب النفسي والجسدي مثل ربطهن في أوضاع مرهقة أو حرمانهن من النوم وضربهن، لكنهم كانوا يستخدمون أساليبًا أخرى تتعلق بكونهن نساء، تقول فرانسيس: “كان المحقق يصرخ في وجوههن ويحاول تخويفهن بالكلمات والتهديدات الجنسية، ثم يبدأ في مضايقتهن إذا كن متزوجات، فقد يسأل إحداهن ماذا يفعل زوجها في الخارج وهي محتجزة هنا”.
رغم أن القوات الإسرائيلية مكلفة بتعيين جنديات من النساء لحضور التحقيقات الخاصة بالأسيرات، فإن الأسيرات السابقات يؤكدن أنهن لم يفعلن شيئًا لضمان سلامتهن، بل كن يعملن كغطاء للعنف الجسدي واللفظي الذي كان يحدث في أثناء التحقيقات.
تقول شيرين عيسوي: “في بعض الأحيان كان المحقق يتحدث إلينا بطريقة جنسية، وكان يستخدم الجندية الإسرائيلية لتقول بأننا نكذب عندما نقول إننا تعرضنا للضرب من المحققين”، كانت شيرين المحامية البارزة قد تعرضت للاعتقال 5 سنوات؛ من بينها 4 سنوات بسبب إرسال المال للأسرى الفلسطينيين، وأطلق سراح عيسوي في أكتوبر 2017.
ووفقًا لما ذكرته الأسيرات السابقات، فنادرًا ما كانت الجنديات يسافرن معهن في رحلتهن الطويلة ذهابًا وإيابًا من المحكمة، كات الأسيرات يقضين نحو 12 ساعة وأيديهن مقيدة ويجلسن على مقاعد حديدة في الجزء الخلفي لعربات السجن، وفي بعض الأحيان كن يتعرضن لتعليقات بذيئة من الحراس المسؤولين عن نقلهن.
قالت ختام سعافين – رئيسة اتحاد لجان المرأة الفلسطينية – إن الجنود الإسرائيليين يستهدفون الأسيرات الصغيرات في السن ويقومون بالتحرش بهن جنسيًا في تلك الرحلات الطويلة، وتضيف: “لقد أصبحن منهكات فقد عانين كثيرًا، كن وحيدات دون وجود من أكبر منهن ليرعاهن، وكن دائمًا مستهدفات بتلك التحرشات الجنسية”.
اغتصاب
قضت سعافين 3 أشهر في الاحتجاز الإداري دون توجيه أي تهمة لها، وقد اتهمت الجنود الإسرائيلين بالتقاط صور لها وهي عارية على هواتفهم في أثناء تفتيشها عقب اعتقالها، ورغم أن العديد من الأسيرات الفلسطينيات تحدثن عن اغتصابهن في السجون الإسرائيلية، لكن بالنسبة للكثيرات من الصعب الحديث عن هذا الموضوع بسبب التقاليد الاجتماعية، بالإضافة إلى عدم وجود أي بيانات موثقة عن هذه الاعتداءات الجنسية في سجون “إسرائيل”.
ومع ذلك صدر تقرير عام 2016 عن اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في “إسرائيل” وهي مؤسسة إسرائيلية لحقوق الإنسان، ويقول التقرير إن 4% من المحتجزين الذكور يتعرضون لشكل من أشكال التعذيب الجنسي، وتؤكد فرانسيس أن هذه الممارسات ليست أعمالاً فردية يرتكبها بعض الأفراد في القوات الإسرائيلية، وتضيف: “ليس تصرفًا يقوم به بعض الجنود بشكل فردي لإذلال السجينات وإساءة معاملتهن، لكنه جزء من عملية سياسية للتأثير على المجتمع الفلسطيني بأكلمه والضغط عليه، فهم يعلمون أن الجنس قضية حساسة في المجتمع الفلسطيني”.
“لقد أصبحت أقوى”
وفقًا لمؤسسة “الضمير” فهناك نحو 58 امرأة محتجزة الآن في سجون “إسرائيل”، ورغم أن الرقم يقل كثيرًا عن عدد المحتجزين من الرجال (6000 أسير)، فإن الأسيرات يواجهن ظروف احتجاز أسوأ في بعض المناطق، وبحسب ما ذكرت فرانسيس، فالنساء يواجهن نفس القيود التي يتعرض لها الرجال فيما يتعلق بزيارة أسرهن، ومع ذلك فجميع الأسيرات متحجزات داخل “إسرائيل”؛ مما يجعل الأمر أكثر صعوبة على عائلاتهن لزيارتهن، فهم بحاجة أولا للحصول على تصاريح لدخول “إسرائيل”.
تقول مؤسسة “الضمير” إن الأسيرات الفلسطينيات يتم احتجازهن بشكل رئيسي في سجنين يقعان داخل “إسرائيل” وهما هاشارون ودامون، مما يخالف المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بتنظيم احتجاز الأسرى.
تحكي الأزرق عن التحقيق معها 25 يومًا عام 1991 عقب مشاركتها في احتجاجات الانتفاضة الأولى فتقول: “عندما أصبحت أمًا كان الوضع أصعب من ذي قبل، لا توجد أي كلمات تصف مشاعري في هذا الوقت”، في ذلك الوقت كان ابنها الأول خالد عمره عامين ونصف فقط، وكانت فترة صعبة على العائلة بأكملها، فزوجها عيسى قراقع رئيس اللجنة الفلسطينية لشؤون الأسرى الآن، كان معتقلاً أيضًا، وفي تلك الفترة قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أخت زوجها، تقول الأزرق: “لقد جعلني هذا الوضع أقوى، فلم أتحدث أو اعترف بأي شيء، فقد كنت أرغب في العودة إلى ابني”، وبالفعل أطلق سراحها بعد 25 يومًا.
تصنف “إسرائيل” جميع الأسرى الفلسطينيين في سجونها بأنهم سجناء أمنيين، سواء كانت تهمتهم إلقاء الحجارة أو نشر عبارات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي أو قتل جنود إسرائيليين، لكن الفلسطينيين يؤكدون أنهم سجناء سياسيون محتجزون بتهم ملفقة أو انتهاكًا لحقهم في مقاومة الاحتلال وفقًا للقانون الدولي.
نقص الرعاية الطبية
من بين إحدى القضايا الرئيسية التي تحدث عنها المحامون مرارًا كانت قضية نقص الرعاية الطبية، خاصة بعد الحملة المتعلقة بالأسيرة إسراء جعباص وحاجتها الماسة إلى العلاج بعد أن احترق 65% من جسدها وحاجاتها إلى بتر 8 من أصابعها.
تقول فرانسيس: “ينص نظام السجن على تقديم الخدمات الطبية الأساسية، لكننا لا نعتقد حدوث ذلك، فالعلاج الذي يقدمونه لجميع الحالات هو مسكن الآلام إلا أن تصل إلى حالة حرجة للغاية”، وسلطت فرانسيس الضوء على بعض الحالات لأسيرات حوامل، وقالت إن هناك طفلين فلسطينيين على الأقل وُلدوا داخل سجون “إسرائيل” في ظروف صعبة للغاية.
وتضيف فرانسيس: “إنها عملية مهينة للغاية، فهم يربطون الأم في السرير حتى تضع طفلها وبعد الولادة مباشرة يقيدون إحدى يديها ورجليها إلى السرير، ولا يسمحون بحضور أحد أفراد عائلة الأسرة الولادة، وبدلاً من ذلك تقف شرطية غريبة فوق رأسها حتى تضع طفلها”، يستطيع الأطفال تحت عمر العامين مرافقة أمهاتهم في السجن، لكنهم لا يوفرون أي ترتيبات من أجل صحة هؤلاء الأطفال ورفاهيتهم.
في الوقت نفسه تعاني الأسيرات بشكل كبير فيما يتعلق بصحتهن، خاصة في أثناء وجودهن في مراكز التحقيق، تقول عيسوي: “عندما جاءتني الدورة الشهرية لم أحصل سوى على مناديل ورقية، إنهم لا يضعون في اعتبارهم أننا لدينا احتياجات خاصة وأن أجسامنا ليست مثل الرجال، نحن لا نحصل على أي من حقوقنا كنساء”.
وبسبب نقص الرعاية الطبية، اضطرت الأسيرات إلى التدخل لرعاية السجينات المرضى والعاجزات رغم عدم حصولهن على أي خبرة في التمريض، حيث تقول شيرين: “لقد أصبحنا ممرضات وطبيبات وأخصائيات اجتماعيات”، وحتى الآن لم ترد إدارة السجون الإسرائيلية على ادعاءات التحرش والاعتداء الجنسي ونقص الرعاية الطبية.
مكتبة النساء
رغم أن عدد الكتب المتاح في أي وقت للأسرى أو الأسيرات في السجون الإسرائيلية صغيرًا، إلا أنه بسبب قلة عدد الأسيرات فهم يحصلون على عدد قليل جدًا من الكتب، مما يحد من قدرتهن على الدراسة واكتساب المعرفة، تقول سعافين أن أحد ممثلي منظمة غير حكومية زار سجن هاشارون في أثناء احتجازها وقد أصابته صدمة من عدد الكتب المتاحة حتى إنه قال إن مكتبة زعيم فتح مروان البرغوثي أكبر من مكتبة النساء تلك.
“إنهم ينادوننا ماما”
بسبب ظروف الاحتجاز القاسية، أصبح هناك شعور قوي من التضامن بين الأسيرات، فهن يعتمدن على دعمهن لبعضهن البعض، تقول الأزرق عن فترة اعتقالها في الثمانينيات: “لقد كان مجتمع الأسيرات أفضل مجتمع أعيش معه، فقد كنا جميعًا متساويات ونتشارك كل شيء معًا، كنا نشعر أننا أقوى كثيرًا، ومن دون هذا التضامن ربما لم نكن لنتمكن من البقاء على قيد الحياة”.
ختام
أما الأسيرات الكبيرات في السن واللاتي تعرضن للاعتقال عدة مرات منذ صغرهن، فهن مسؤولات عن الأسيرات الصغيرات، وتقول فرانسيس إن عدد الأسيرات الصغيرات ازداد منذ عام 2015 فهناك 9 فتيات تحت عمر الـ18 قيد الاحتجاز حتى الآن، وتقول عيسوي: “عندما تأتي إحدى هؤلاء الفتيات إلى السجن نقوم برعايتها ونمنحها بعض الملابس، وفي بعض الأحيان كانوا ينادوننا: ماما”.
تقول سعافين وغيرها من الأسيرات الكبار إن هؤلاء الفتيات يبذلهن ما في وسعهن للحصول على الدروس التي تقدمها لهن إدارة السجن، حيث يأتي إليهن معلمون 3 مرات في الأسبوع لتدريسهن اللغة العربية والإنجليزية والرياضيات، وتضيف سعافين أن هؤلاء الفتيات كانوا مصدر إلهام لها، فقد واصلن دراستهن رغم حصولهن على الحد الأدنى من التعليم والقيود المفروضة على عدد الكتب.
ترى سعافين أن هؤلاء الفتيات ممتلئات بالأمل كما أنهم يمنحونها الأمل أيضًا، وتعاطفت الأسيرات السابقات مع عهد التميمي التي بلغت 17 عامًا يوم 31 من يناير وهي داخل سجون الاحتلال، تقول شيرين عيسوي التي تعرضت أسرتها لاستهداف قوات الاحتلال لفترة طويلة: “عندما أرى عهد، أرى طفولتي فيها”، أما خولة الأزرق فتقول: “أعلم تمامًا كأم مدى صعوبة هذا الوضع على أطفال مثل عهد، أعلم أنه سيكون وقتًا صعبًا على هؤلاء الصغيرات وأنه سيؤثر على حياتهن بأكملها”.
الحياة بعد السجن
يستمر تأثير السجن على الأسيرات لفترة طويلة بعد خروجهن، فبعد مرور عشرات السنوات تقول الأزرق إنها تعاني من ضيق التنفس عند وجودها في أماكن ضيقة وتشعر بالاختناق حتى في أثناء دخول دورة المياه، أما عيسوي فتقول إنها ما زالت تعاني من آلام في الظهر والذراعين بعد تقييدها في كرسي حديدي في أثناء فترة تحقيقات التي استمرت شهرًا، وبالإضافة إلى المشكلات الصحية، لم تتمكن شيرين عيسوي من استئناف عملها كمحامية حيث تم شطبها من جدول المحامين نظرًا لإدانتها السابقة.
تعتقد فرانسيس أن القضية الرئيسية التي تعاني منها الأسيرات السابقات هي الافتقار إلى الدعم النفسي، حيث تقول: “الأمر يتعلق برؤية المجتمع للأسرى والأسيرات كأبطال، فنحن نضعهم في مساحة لا تسمح لهم بالشعور بالضعف أو التعبير عن حاجتهن للدعم”.
تقول الأزرق إن بعض النساء اللاتي تعرفهن شخصيًا ممن تعرضن للاغتصاب داخل سجون “إسرائيل” في أوائل السبعينيات، ما زلن يقاومن التحدث عن تجربتهن، حتى إن بعضهن يشعرن بالخجل والعار، رغم أننا جميعًا نعلم أن هؤلاء الجنود أعداؤنا ويفعلون ذلك لكسرنا وإذلالنا.
وأعربت الأزرق عن فخرها بهذا العدد الصغير من السيدات الفلسطينيات اللاتي يواصلن العمل العام رغم المخاطر التي قد يتعرضن لها نتيجة دورهن الفعال في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتقول خولة: “إنهن مؤمنات بأهمية دورهن مثل الرجال تمامًا، ويستطعن القيام ببعض الأشياء مثل الرجال وربما أفضل منهن، إنهن يقاتلن ضد الاحتلال وهذا حقهن”.