تقرير دولي غير مسبوق عن الاعتقالات التعسفية في السعودية
شهارة نت – لندن
طالب المدعي العام البريطاني السابق وعضو مجلس اللوردات، اللورد ماكدونالدز، ومحامي حقوق الإنسان الدولي، رودني ديكسون، الأمم المتحدة بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان؛ بسبب اعتقالها لأكثر من ستين شخصًا من النشطاء في المجالين السياسي والحقوقي بشكل تعسفي.
وقام المحاميان بإعداد تقرير بطلب من عائلات ضحايا الاعتقال السياسي في السعودية، وتقديمه للأمم المتحدة، بناء على شهادات من ذوي المعتقلين، وبمساعدة من «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا».
ويخلص التقرير إلى أن الاعتقالات التي نفذت مؤخرًا في السعودية هي اعتقالات تعسفية؛ لأنها تمت بدون تقديم تهم واضحة، وبدون معرفة الكثير عن أوضاع المعتقلين. وأعرب المحاميان الدوليان عن قلقهما حيال الوضع الصحي للمعتقلين، مثل الشيخ سلمان العودة الذي نقل إلى المستشفى قبل أيام من السجن، دون أن يعرف ذووه تفاصيل وضعه الصحي.
وفي ما يأتي ترجمة لأهم المعلومات الواردة في التقرير، من ترجمة وإعداد «عربي21»:
تقرير بعنوان «طي الكتمان – وضع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية بعد حملة اعتقالات سبتمبر (أيلول) 2017».
أعد التقرير اللورد ماكدونالد، المدعي العام البريطاني السابق وعضو مجلس اللوردات والخبير في قانون حقوق الإنسان، والمحامي رودني ديكسون، المختص في القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.
يبدأ التقرير بمقدمة ورد فيها أن السلطات في المملكة العربية السعودية قامت في شهر سبتمبر من عام 2017 بشن حملة من الاعتقالات شملت، بحسب مصادر موثوقة، ما يزيد على 60 شخصًا، كثيرون منهم نشطاء في المجال الحقوقي أو في المجال السياسي.
ويقول المحاميان إنهما أعدا هذه الدراسة بناء على طلبات تقدم بها إليهما أفراد من عائلات المعتقلين بحثًا عن تقدير موقف قانوني لأمرين: أما الأول فهو مدى مشروعية تلك الاعتقالات من وجهة نظر القانون الدولي. وأما الثاني فهو ما إذا كان نمط السلوك الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية يشتمل على أي انتهاكات للقانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، طالبت عائلات المعتقلين هذين المحاميين باقتراح ما يريانه مفيدًا من توصيات في هذا المجال.
ويضيف المحاميان أنهما قاما في سبيل إعداد هذا التقييم بإجراء مقابلات مع مختلف الشهود، الذين اشترطوا عدم الإفصاح عن هوياتهم خشية تعرضهم لمخاطر أمنية. وأجرى المحاميان مقابلات مع نشطاء في منظمة «القسط» التي تعنى بحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، والتي جمعت شهادات وبيانات من عدة مصادر لديها داخل المملكة، بما في ذلك أشخاص هم الآن رهن الاعتقال، كذلك أفراد عائلات المعتقلين. واستعانا بمواد ومعلومات متاحة في المجال العام حول الاعتقالات، وكذلك بتقارير متعددة حول الأوضاع داخل المملكة.
وجاء في المقدمة أن المحاميين استعانا بـ«المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في المملكة المتحدة، والتي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًا لها.
وفي ملخص تنفيذي للتقرير يقول المحاميان: «إن الأدلة التي اطلعا عليها تثبت أن الاعتقالات التي طالت ما يزيد عن 60 شخصًا في المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر من عام 2017 كانت تعسفية، وشكلت انتهاكًا لقانون حقوق الإنسان الدولي، حيث لم توجه للمعتقلين أي تهم، ولا تتوفر معلومات تذكر حول الأسباب التي دفعت السلطات إلى إلقاء القبض عليهم واحتجازهم.
وأعرب المحاميان عن شديد قلقهما لما يتعرض له المعتقلون من سوء معاملة، بما في ذلك سلمان العودة، الذي نقل مؤخرًا إلى المستشفى، وآخرون يعتبرون في حكم المختفين.
وينبه المحاميان إلى أن هذه الانتهاكات ليست معزولة أو غير مألوفة، بل أثبتت الدراسة التي أعداها أنها جزء من نمط قائم منذ زمن، وانتهاكات حقوقية ممنهجة في المملكة، وخاصة حين يتعلق الأمر باعتقال وتعذيب الأفراد الذين يعبرون عن آراء تشتمل على انتقادات موجهة للدولة.
ويدعو المحاميان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أخذ تقريرهما بالاعتبار؛ نظرًا لأن سجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان سوف يعرض على المجلس هذا العام، ويطلبان من المجلس مطالبة السلطات في المملكة بإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين يحتجزون منذ شهر سبتمبر 2017 بدون أية تهم. كما أنهما يدعوان دول العالم إلى ممارسة نفوذها وعلاقاتها بالمملكة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان تقيد حكومة المملكة بمعايير حقوق الإنسان العالمية.
ويذهب المحاميان إلى أبعد من ذلك حين يؤكدان أن الأدلة المتواترة والموثقة على حدوث انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان على أيدي السلطات في المملكة العربية السعودية توجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية.
بعد ذلك تمضي الدراسة المقدمة من قبل الخبيرين القانونيين البريطانيين نحو وضع الإطار القانوني الذي انطلقا منه في تقييم وضع حقوق الإنسان داخل المملكة، ويشتمل على عدد من العهود والمواثيق الدولية، ومنها الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدول العربية، والتي تعتبر المملكة العربية السعودية إحدى الدول المؤسسة لها، والتي صادقت على الميثاق في عام 2009، ثم المعاهدة الدولية ضد التعذيب، والتي انضمت إليها المملكة العربية السعودية بتاريخ 23 سبتمبر 1997، ثم القانون الدولي العرفي، والذي يوجب على المملكة العربية السعودية في ضوء ما ألزمت نفسها به من معاهدات أن تحترم مبادئ حقوق الإنسان التي تضمن الحريات الأساسية وتحرم ممارسة التعذيب.
ثم تنتقل الدراسة إلى سرد ما صدر مسبقًا عن مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية عالمية حول وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان بشكل دوري في المملكة العربية السعودية.
ومن هذه المؤسسات مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة حول الاعتقال التعسفي التي صدر عنها تقرير رقم ثمانية لعام 2012، والذي يدين السلطات السعودية بالاعتقال التعسفي لأربعة مواطنين سعوديين، ثم التقرير رقم 22 لعام 2012 بشأن الاعتقال التعسفي لـ12 مواطنًا مصريًا، ثم التقرير رقم 52 لعام 2012 حول الاعتقال التعسفي لكل من: محمد الجزيري، واليزن الجزيري، وهثم اللهيبي، حيث اعتقل بعضهم لما يقرب من تسعة أعوام بلا توجيه تهم، ولا محاكمة في مكة، ثم في ذهبان.
وهناك أيضًا التقرير رقم 32 لعام 2013 حول الاعتقال التعسفي لخالد العمير، وتقرير رقم 45 لعام 2013، وتقرير 46 لعام 2013 حول الاعتقال التعسفي لكل من محمد صالح البجادي وعبد الكريم الخضر، وتقرير رقم 14 لعام 2014 حول الاعتقال التعسفي لزكريا محمد علي، وتقرير رقم 32 لعام 2014 حول الاعتقال التعسفي لطاهر علي عبد جامع، وتقرير رقم 13 لعام 2015 حول الاعتقال التعسفي لماجد النصيف وتقرير رقم 38 لعام 2015 حول الاعتقال التعسفي لتسعة مواطنين سعوديين انتقامًا منهم لنشاطهم في مجال حقوق الإنسان.
ثم هناك تقرير رقم 61 لعام 2016 حول الاعتقال التعسفي لثلاثة من القصر احتجزوا في سجن الحائر، ثم ما لبثوا أن أدينوا من قبل محكمة جنائية، خاصة بأعمال لم يجرمها القانون، إلا بعد عامين من إلقاء القبض عليهم. ثم جاء تقرير رقم 10 لعام 2017 بشأن الاعتقال التعسفي لشخص كنيته «أبو عبد الله»، تلاه تقرير رقم 63 لعام 2017 حول الاعتقال التعسفي الذي وقع بحق جابه بن صالح حمدان آل سليمان العامري، والذي كان قد ألقي القبض عليه في شهر أبريل (نيسان) من عام 2014 لنشره مقطع فيديو على «يوتيوب» انتقد فيها الحكومة، وطالب بإطلاق سراح شقيقه المعتقل.
في كل هذه التقارير كانت المجموعة الأممية الخاصة بالاعتقال التعسفي تعرب عن قلقها الشديد؛ لأن هذه الحالات تنبئ عن نمط ممنهج من الانتهاكات الصارخة لمبادئ حقوق الإنسان.
ويذكر المحاميان بهذا الشأن أن المشترك بين معظم هذه الحالات أن الاعتقال التعسفي يمارس بحق من يعبر عن رأي مخالف لتوجهات السلطات أو منتقد لسياسات الحكومة.
ويستدل المحاميان في تقريرهما أيضًا بما صدر عن لجنة مناهضة التعذيب من تقارير تعرب فيها عن قلقها لما يردها من معلومات حول ممارسة التعذيب في المملكة العربية السعودية، ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في تقرير صادر عن اللجنة بتاريخ 10 مايو (أيار) 2016 من وقوع حوادث «عديدة» من التعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز.
ويأتي في هذا السياق تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أثناء مكافحة الإرهاب، والذي أعرف فيه عن قلقه العميق لتجاوزات كبيرة تمارس أثناء تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية، وخاصة إزاء تقارير متواترة حول استخدام السلطات للتعذيب لاستنطاق المعتقلين المشتبه بتورطهم في الإرهاب.
ثم تشير الدراسة إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي كانت قد أعربت عن شديد قلقها إزاء سوء المعاملة التي يتعرض لها الأطفال، وبشكل خاص «وسائل الاستجواب التي تتضمن ممارسة التعذيب» التي تسمح بها السلطات في التعامل مع المراهقين والقصر لإجبارهم على التوقيع على إفادات تدينهم.
وبعد هذه القائمة من المؤسسات الأممية، يسرد واضعًا التقرير قائمة بالجهات الحقوقية العالمية التي أصدرت تقارير تدين المملكة بانتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2016، والذي أشار إلى عدم وجود قضاء مستقل ونزيه وانعدام المحاكمات الشفافة وممارسة الاعتقال التعسفي، وينقل التقرير عن عدد من المنظمات الحقوقية تأكيدها على أن المتهمين في العادة يدانون من قبل محاكم جنائية خاصة تعتمد على اعترافات للمتهمين تم استخلاصها منهم تحت التعذيب.
ومن المنظمات التي يشار إليها بهذا الصدد «هيومان رايتس واتش» التي جاء في تقريرها السنوي لعام 2017 التأكيد على أن السلطات السعودية مستمرة في ممارسة الاعتقالات التعسفية، ثم المحاكمات غير النزيهة بحق المعارضين السلميين. وصدر كذلك عن «منظمة العفو الدولية» ما يدين السلطات السعودية، وذلك في التقرير السنوي للعام 2016/ 2017.
ويخصص المحاميان الجزء الأخير من دراستهما لتفاصيل تتعلق باعتقالات شهر سبتمبر من عام 2017، وذلك اعتمادًا على ما ورد في وكالات الأنباء المعتبرة من تقارير، وما جمعته منظمات حقوق الإنسان من معلومات، وما تمكن المحاميان من الحصول عليه من شهادات. وفي ما يأتي ملخص لأهم ما ورد في نهاية التقرير من خلاصات وتوصيات:
1- يتبين من المعلومات التي جمعت بشتى الوسائل المتاحة أن عدد الذين اعتقلوا في شهر سبتمبر 2017 يفوق بكثير العدد الذي أعلنت عنه السلطات السعودية، مع الإشارة إلى أن السلطات تمارس درجة عالية من التكتم حول ما جرى بهذا الشأن، ليس فقط بخصوص هوية وأعداد من ألقي القبض عليهم وحولوا إلى المعتقل، بل أيضًا بخصوص الأوضاع التي يتم فيها احتجازهم.
2- ليس ثمة شك في أن هذه الاعتقالات تعسفية وغير قانونية وتنتهك كافة الأعراف والمواثيق المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان.
3- تواترت الروايات بشأن ممارسة التعذيب بحق المعتقلين الذي يحال بينهم وبين الحصول على الرعاية الطبية اللازمة.
4- تتحمل السلطات السعودية المسؤولية عن هذه الانتهاكات، حيث إنها تمارس من قبل أجهزة تابعة للدولة ومن قبل أشخاص يعملون لديها، وذلك كجزء من سياسة تستهدف قمع كافة المنتقدين والمعارضين ومنع التعبير عن الرأي.
5- ثبت يقينا أن اعتقالات سبتمبر 2017 ليست معزولة، وليست جديدة، بل هي جزء من نسق مستمر منذ زمن كما يتبين من تقارير المجموعة العاملة التابعة للأمم المتحدة.
6- على الرغم مما صدر في الثاني من يناير 2018 عن المقرر الأممي الخاص بشأن أوضاع حقوق الإنسان، والذي أدان الانتهاكات في المملكة العربية السعودية، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن مثل هذه التصريحات والبيانات لا تكفي وحدها كرد على نسق الاعتقالات التعسفية التي تمارسها السلطات في المملكة.
7- من المقرر أن يستكمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقريره حول المملكة العربية السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018، وتنوي عائلات الضحايا والمنظمات غير الحكومية التقدم من المجلس بهذه الدراسة القانونية، وبناء عليه فإننا نهيب بمجلس حقوق الإنسان أخذ هذا التقرير بعين الاعتبار؛ لأنه يقدم أدلة دامغة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كما وردت من مصادر متعددة، بما في ذلك إفادات الشهود.
8- وإزاء ذلك جميعًا، فإننا ندعو مجلس حقوق الإنسان إلى ما يأتي:
أ- إدانة انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية التي تقع في المملكة، بما في ذلك ما تم توثيقه في هذه الدراسة.
ب- المطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفيًا مباشرة وفي الحال، وبشكل خاص معتقلو شهر سبتمبر 2017.
ج- التوصية مرة أخرى بأن تنضم المملكة العربية السعودية إلى المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية.
د- إحالة الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ إجراء ضد المملكة العربية السعودية جراء استمرار الانتهاكات، وتحميل السلطات في المملكة المسؤولية عن ذلك، ومطالبتها بتعويض ضحايا هذه الممارسات.
9- ينبغي بشكل خاص لفت نظر الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى هذا التقرير حتى تنظر فيما إذا كان يتوجب عليها تعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نزولًا عند الفقرة 8 من قرار الجمعية العامة رقم 60/250.
10- نحث جميع الدول على الأخذ بعين الاعتبار، بل فتح التحقيق في ممارسة المسؤولين في المملكة العربية السعودية للتعذيب، حتى يتسنى لها ممارسة صلاحياتها الدولية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم. ينبغي إجراء تحقيق حسب الأصول في هذه المزاعم تقوم به الأجهزة الأمنية المحلية، وحيثما يثبت الدليل على وقوع مثل هذه الممارسات ينبغي اتخاذ الإجراءات القضائية لملاحقة المجرمين وحظر دخولهم البلدان الأخرى. كما أنه ينبغي على الدول المختلفة ممارسة الضغوط على المملكة العربية السعودية لضمان التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.