مأرب.. عاصمة التاريخ اليمني ومرآة ماضيه
مملكة سبأ مملكة عربية قديمة قامت في الألفية الثانية قبل الميلاد في جنوب جزيرة العرب حيث تقع اليمن في أيامنا هذه واستمرت حتى قيام الدولة الحميرية. وقد بدأت المملكة بالازدهار نحو القرن الثامن قبل الميلاد. واشتهرت سبأ بغناها وتاجرت في العطور والدر والبخور واللبان. وقد ذكر إنتاجها للعطور في عدة مصادر مثل العهد القديم. وذكرت سبأ في القرآن الكريم ولها سورة باسمها فيه? وذلك لكثرة القصص عنها? وأشهرها قصة بلقيس وسليمان عليه السلام? وقصة السد العظيم وسيل العرم.
ومدينة مأرب هي العاصمة التاريخية لمملكة سبأ? وتقع في الأطراف الجنوبية لصحراء الربع الخالي اليوم? وكانت مركزا عسكريا وزراعيا وتجاريا شهيرا في الجزيرة العربية? وقيل إنها أخذت هذا الاسم (مأرب) من قولهم «ماء رب??ِ»? و«رب??ِ الماء» إذا تجمع وتكاثر في إشارة إلى تجمع مياه سد مأرب? كما قيل في تفسير اسمها أنه مشتق من كلمة «مأر?ِب» بفتح الراء? والمأر?ِب هو الغرض والغاية في إشارة إلى أن من ينزل مأرب يجد فيها كل ما يصبو إليه? وينال فيها جميع مآربه. ومن أهم المعالم الأثرية في مأرب? سد مأرب? وهو سد مائي قديم في اليمن يعود تاريخه إلى نحو القرن السابع قبل الميلاد? وتقع أطلاله حاليا قرب مدينة مأرب الأثرية? ويعتبر من أقدم? إن لم يكن أقدم السدود المعروفة في العالم. كما أنه يعد من روائع الإنشاءات المعمارية في العالم القديم.
ويروي المؤرخون أن انهيار السد كان سببا في قحط في المواسم وشح في المياه? مما أدى إلى هجرة كبيرة لسكان اليمن العرب إلى مناطق أخرى في الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام بعد انهيار السد العظيم. وقد أقيم السد بين 3 جبال? بشكل هندسي يجعل مياه السيول تصب في موضع واحد? وليس لتلك المياه إلا مخرج من جهة واحدة? وقد سد السبئيون تلك الجهة بالحجارة الصلبة والرصاص فيجتمع فيها ماء عيون هناك مع ما يصل من مياه السيول فيصير خلف السد كالبحر? فكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا من ذلك بقدر حاجتهم بأبواب محكمة وحركات مهندسة فيسقون حسب حاجتهم ثم يسدونه إذا أرادوا? كما جاء في معجم البلدان لياقوت الحميري. وقد أعيد بناء سد مأرب بتمويل من الشيخ زايد عام 1986? وحضر حفل الافتتاح 3 من زعماء الدول الإسلامية? فإلى جانب الرئيس اليمني? الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله? والرئيس التركي تورغوت أوزال رحمه الله? الذي كان لبلاده دور في إعادة بناء السد بواسطة شركة هندسة تركية.
وقد نشأت الدولة السبئية نتيجة لاتحادات قبلية كانت تقطن أراضي صرواح ومأرب ووادي رغوان وبعض أجزاء من الهضبة? وقد تزعمت وهيمنت قبيلة سبأ الكبيرة على بقية القبائل الصغيرة بالمقارنة معها? وضمتها تحت جناحها? فأعطت للدولة اسمها (سبأ)? «فسبأ الأرض والقبيلة والدولة هي عمود التاريخ اليمني القديم وتكوينه السياسي الكبير? وقد ارتبطت بسبأ معظم الرموز التاريخية القديمة لليمن? فسبأ – عند النسابة – أبو حمير وكهلان ومنهما تسللت أنساب أهل اليمن جميعا? والملكة (بلقيس) وإن اختلف الناس حول اسمها وحقيقتها وتفاصيل قصتها? هي عندهم في جميع الأحوال ملكة سبأ? وهجرة أهل اليمن إلى بقاع الجزيرة وخارجها وما نتج عن ذلك من ملاحم قد ارتبطت بشكل أو بآخر بسبأ? وقيل في الأمثال (تفرقوا أيدي سبأ) وجاء في القرآن في الرواية عن سبأ أنهم قالوا: (ر?ِب??ِن?ِا ب?ِاع?د? ب?ِي?ن?ِ أ?ِس?ف?ِار?ن?ِا)».
وقد كان لوجود السد في مأرب أثر عظيم على حياة المدينة في الماضي السحيق? حيث غدت مركزا تجاريا وزراعيا شهيرا في العالم القديم. كما أن الموقع الجغرافي للمدينة قد عاد عليها بمزايا كبيرة? حيث كانت العاصمة قريبة جدا من نهر «الدهنا» القديم الذي كانت نقطة التقائه مع جبل «بلق» مناسبة جدا لبناء السد? حيث استغل السبئيون هذه الميزة وبنوا سدا في تلك المنطقة التي نشأت بها حضارتهم? وبدأوا يمارسون الري والزراعة? إلى أن وصلوا إلى مستوى عال جدا من الازدهار.
كما اعتمدت حاضرة دولة سبأ في اقتصادها – إلى جانب الزراعة – على دخل الضرائب التجارية? لأنها كانت تتحكم في طريق التجارة الهام المعروف بطريق اللبان والبخور الذي كان يمتد من ميناء قنا المسمى «بير علي» اليوم على ساحل البحر العربي? إلى غزة في فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط? ذلك الطريق الذي كان يمر بمدينة شبوة – شبوة القديمة – عاصمة مملكة حضرموت آنذاك? ثم مدينة مأرب ومنها شمالا إلى مدن معين في وادي الجوف ومنها إلى نجران لتصل بعدها إلى شمال الجزيرة العربية في طريق تاريخي معروف ظل فترة طويلة ممرا للقوافل التجارية الذاهبة من اليمن إلى الشام? وقد جاء طرف من أخبار هذه التجارة في القرآن الكريم في سورة «قريش»? كما في قوله تعالى: «ل?إ?يل?ِاف? ق?ْر?ِي?ش?ُ * إ?يل?ِاف?ه?م? ر?ح?ل?ِة?ِ الش??ت?ِاء? و?ِالص??ِي?ف?».
كل تلك العوامل جعلت مدينة مأرب محط أنظار الكثير من شعوب العالم القديم حتى لقد دهش اليونانيون القدماء من عظمة الحضارة التي أنشاها السبئيون هناك فأطلقو