وما دفنوه..ولكن شُبِهَ لَهُم.!
بقلم/ د. أسماء الشهاري
كم وصلت إلينا من القصص من سالف الزمن عمّن سطروا التاريخ أو صنعوا المعجزات لكن إذا أردنا أن نتحدث عن بطل قصتنا هذه فإننا نحتاج إلى كتاب مختلف لا يشبه كل الكتب السابقة التي تحدثت عن كل أولائك الأبطال وعن كل تلك الأساطير!
نعم هو أسطورة بكل ما تعنيه الكلمة وبكل ما سيخلده التاريخ..
وعنه وبكل فخر ستتحدث الأجيال وستنقش اسمه على أسطح الجبال..
وفي الجهة الأخرى سيسطر التاريخ أيضا كيف تُصنع بطولات الأنذال.!
قد يُهيأ لك للحظة أنك تشاهد إنساناً أعزلا يواجه ثلة من الكلاب الضالة الضارية ولكن في الحقيقة أنهم كانوا هم العزل لأنهم كانوا متجردين من أي قيمة من القيم الإنسانية وحتى الحيوانية، لأنه حتى الوحوش والحيوانات المفترسة لها مبادئ كثيرة لا تتجاوزها يجهلها أولائك المسخ الشياطين..
ولم يكن هو أعزلا لأنه كان متحلٍ بصلابة وبأس وقوة عزيمة وإيمان لم يسبق لها مثيل في إنسٍ قبله ولا جآن..
لأنه كان في موضع يذوب منه الحديد لكن أنّى لمثله!
فما قلَّ عزمه وما لان.
وعندما كان التساؤل من قبل الكثير عبر العالم.. من هؤلاء؟ كيف يصنعوا كل تلك المعجزات وكيف يسطروها؟
كان عبدالقوي عبده الجبري هو أحد الأمثلة والنماذج المبهرة حتى تتلاشى الدهشة ويختفي العجب عندما يُسطرُ التاريخ بأحرف من ذهب.
ها هي قدماه مغروستان تحت الأرض ضاربةٌ في عمق التاريخ كأوتاد الجبال التي يصعب قلعها كما يستحيل قلع إرادتها،وها هي هامته عاليةٌ بعلوِّ السماء تُناطحُ السُحب لأنه من رجال اليمن ومن أبناء حمير وذي يزن.
لكن في المقابل لم نستغرب من أولائك الأوباش أن كلمة “يا رجال” لم تحرك فيهم ساكنا ولم يكن لها أي صدىً في أنفسهم لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم بعيدون عنها كبعد السماوات عن الأرض وأنهم كانوا صغارا.. صغارا جدا..
هم يعرفون جيدا أنهم قد انسلخوا عنها منذ أول يوم قرروا فيه أن يبيعوا أنفسهم بثمن بخس وأنهم يعجزون دائما عن مواجهة الرجال وفي كل مرة يفرون إلى صنع بطولات تليق بغرائزهم البهيمية ونزاعتهم الشيطانية وأي وصف يليق بأعمالهم الجهنمية!
كلمة لم تجد لها صدى في أنفسهم بل كان وقعها على مسامعهم غريبا جدا، فنظروا في وجوه بعضهم وتلفتوا يمنةً ويُسرة فعلموا علم اليقين بأنهم ليسوا المقصودين ولا المرجويين.. وأنَّ المقصود بها هم رجال من أمثال ذلك البطل الخالد قادمون لأخذ ثاره وإخوانه، فما دفنوه ولكنهم بلّغوه أقصى ما كان يرجوه، والذي لأجله كم صال وجال وهامت بعشق بطولاته الليالي وانحنت لهامته شوامخ الجبال..
فما دفنوه..فها هي روحه في سماء المجد تعرج وترقى..
وها هم تحت تراب الذل والخزي أبقى!