أكادُ أن أبكي
بقلم / احمد الحبيشي
يا عميلا لفيصل واتحاد الإمارات
ويلكم ويل ياللي تعبدون الدولارات
في بداية السبعينات أطلق الثائر المناضل الشهيد علي شائع هادي مجموعة زوامل لحشد هِمم المدافعين عن مكاسب الثورة والجمهورية في جنوب الوطن المتحرر من الإستعمار وعملائه السلاطين والمستوزرين.
كان الزامل أعلاه أحد تلك الزوامل التي كان يؤلفها ويُلحِّنها شهيدنا العظيم علي شائع الذي قتله المتآمرون في قاعة المكتب السياسي للحزب الإشتراكي اليمني صباح يوم الإثنين 13 يناير 1986 المشؤوم.
في يوم 21 يناير1986 هبطت الطائرة السوفييتية الخاصة التي كانت تُقل الرئيس الأسبق المهندس حيدر أبوبكر العطاس الى مطار عدن ، حيث كان قي استقباله جمع من المقاتلين الذين كانوا يحملون بنادقهم فيما كانت لحاهم تغطي نصف وجوههم ، والإرهاق والتعب باديان عليهم ، وفي مقدمة هؤلاء المناضل سالم صالح محمد والمناضل الشهيد سعيد صالح سالم.
كان المطار في حالة يُرثى لها ، وهبطت الطائرة بدون أن يتوفّر لها سُلمٌ لنزول الرئيس والوفد المرافق له حيث كان الرُّكاب ــ وبضمنهم كاتب هذه السطور ـــ يتقافزون ليحملهم المستقبلون ، وأتذكر انني كنت من نصيب الأخ هيثم قاسم طاهر الذي حملني على كتفيه حتى وضعني على الأرض.
بعد نزولنا جميعا توجه معظم أعضاء الوفد المرافق للرئيس العطاس الى منازلهم على متن شاحنة عسكرية ، فيما توّجه العطاس مع خمسة أفراد فقط الى قاعة المجزرة بصحبة الشهيد الخالد الى قاعة المجزوة بناءً على طلب المهندس حيدر العطاس ، وكنت أحدهم.
لا أستطيع وصف مشهد المجزرة والشهداء الذين وجدنا جثثهم وأثار دمائهم الطاهرة فوق كراسيهم ، لكنني لاحظت ان جثة الشهيد علي شائع هادي لم تكن في القاعة بل مرمية في أحد سلالم الدور الأول من مبنى اللجنة المركزية ، وخلفها خط طويل من دمائه الطاهرة يبدأ في الكرسي الذي كان يجلس عليه ، ويمر في القاعة وسُلّم الدور الثالث و الثاني وينتهي عند جثته في منتصف الدور الأول.
كان الشهيد سعيد صالح سالم يشرح لنا تفاصيل تلك المجزرة الوحشية ، مشيرا الى أن الشهيد البطل علي شائع هادي لم يستسلم للموت على كرسيه في قاعة المكتب السياسي، بعد إن أصابته ورفاقه أعضاء المكتب السياسي رصاصات غادرة وقاتلة ، بل نهض وطارد القتلة بمسدسه ختى نفذت ذخيرته ليسقط شهيدا .
كان مقررا نقل جثث جميع الشهداء في اليوم التالي لوصول الرئيس حيدر العطاس الى المستشفى لتعقيمها وتجهيزها للدفن في جناوة شعبية مهيبة شارك فيها وفد رسمي من سلطنة عُمان و عدد من قادة الثورة الفلسطينية والكوبية ، لكني صرخت قائلا ( يجب تصوير هذا المشهد رغم بشاعته توثيقا لهذه الجريمة البشعة ).
كان هناك من يعارض تصوير جثث الشهداء بعد ان تعفنت وأكلتها ونهشتها الديدان التي كانت تتحرك بوضوح فوقها .. وبعد نقاش مستفيض وافق الجميع على إستدعاء مصوري التلفزيون الذي كان إرساله مُغلقا منذ اليوم الأول لأحداث 13 يناير 1986 حيث تم توثيق ذلك المشهد المريع.
تمنيت لو لم أشاهد ذلك المنظر ، لكنني تأملت جيدا جثة الشهيد البطل علي شائع هادي ، وتذكّرت زامله الشهير في بداية السبعينات :
يا عميلا لفيصل واتحاد الإمارات
ويلكم ويل ياللي تعبدون الدولارات
اليوم أتذكر هذا الزامل الذي تم شطبه بطلب من وزارة خارجية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بحجة أنه يسيئ الى العلاقة (الأخوية) مع البلدين.
أتذكَر أيضا انني تحدثت عن ذلك الزامل مع الشهيد على شائع عندما كان يرافق الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في زيارة رسمية لبلغاريا عام 1984 قبل عامين من استشهاده ، وسألته :
لقد اتهموك حينها يالتطرف اليساري .. فهل لا زلت مقتنعا بذلك الزامل؟
فاجأني بقوله : نعم لا زلت مقتنعاً .. لأني بصيرتي الثورية هي المتطرفة في النظر الى ما لا تسطيعون إبصاره بعيونكم .. هولاء صنيعة بريطانيا وسيظلون خدما لمصالحها ومخططاتها.. وسيأتي يوم تتذكرون كلامي.
يارفيقي علي شائع هادي..
لقد تذكّرت اليوم زاملكَ القديم الجديد .. وأكادُ أن أبكي!!
من حائط الكاتب