التنظيم العظيم
< لم يكن القيادي في حزب الاصلاح حميد الأحمر عفويا?ٍ أو نزقا?ٍ عندما قال مؤخرا?ٍ بأن مكان قادة وكوادر حزب المؤتمر الشعبي العام هي السجون والمعتقلات? ولم يكن أيضا?ٍ زميله رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الاصلاح عبدالرحمن بافضل الا معبرا?ٍ عن موقف حزبه المبدئي والصدمة غير المتوقعة أيضا?ٍ التي أفرزتها الأزمة عندما قال من على قناة «الجزيرة» القطرية: «يجب تفتيت هذا النظام وحزب المؤتمر الشعبي العام واجتثاثه ونهب ومصادرة كل ممتلكاته».. ربما شكل هذا الحزب - المؤتمر الشعبي - في خضم الأزمة الراهنة? المفاجأة غير السارة وغير المتوقعة للساعين منذ 7 أشهر الى اسقاط النظام بالطريقة التونسية والمصرية? أي تثوير الشارع لاسقاط النظام وحل الحزب الحاكم ومطاردة أبرز رموزه. وربما كان حزب المؤتمر في نظر هؤلاء - قادة تكتل المشترك المعارض - هو وفي أحسن أحواله نسخة طبق الأصل من الحزبين الحاكمين في تونس بن علي ومصر مبارك: سرابا?ٍ. < على العكس من ذلك? أحلام «المشترك» هي التي تبخرت ليبقى المؤتمر الشعبي العام عظيما?ٍ? ومن خلال الحشود والمسيرات في أمانة العاصمة صنعاء وفي مختلف عواصم المحافظات وفي مقدمتها محافظة عمران? أتت رياح المؤتمر بما لا تشتهي قادة المشترك? ولاشك أنها أوصلت المراقب في الداخل والخارج الى حقيقة ما يعتمل في المشهد السياسي اليمني? كما أوصلت قادة المشترك الى الحقيقة المرة وغير المستساغة لديهم من أن المؤتمر كحزب لم يكن من الهشاشة كما توقعوه.. < المستقيلون من عضويته خلال فترة الأزمة? إذا ما احتكمنا «للكم والكيف» لا يشكلون رقما?ٍ أمام تنظيم سياسي جماهيري نشأ ليكون أكبر من حزب أقل من دولة». ولعل المستقيلين اكسبوه صحة وعافية كتلك التي يحصل عليها الشخص من «الحجامة» عندما يتخلص من الدماء الزائدة «وحتى لا نقول الفاسدة التي تصيب صاحبها دوما?ٍ بالصداع والشعور بالإرهاق? أحد أنصار المؤتمر وهو يسمع حسين الأحمر يعلن استقالته وتطهره قال «الآن.. أنا مؤتمر». < عظمة هذا الحزب تأتي انعكاسا?ٍ لعظمة الحشود في الميادين المؤيدة وهم من بسطاء الناس? لقد وصفهم ذات مرة الضابط عسكر زعيل - الناطق باسم القائد العسكري المنشق علي محسن الاحمر - قائلا?ٍ: « معظم مؤيدي النظام في ميدان السبعين كانوا عمالا?ٍ في مزارع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر».. ولم يع? أنه بما قاله قد أوغل في المديح لحزب المؤتمر وللنظام ولشخص الرئيس? ومن حيث لا يدري. سر البقاء وكنه الصمود الأزمة الراهنة بكامل تعقيداتها ليست بيئة لا يمكن للمؤتمر الشعبي العيش في أجوائها? فهي الأجواء التي تخل?ِ?ق منها مشك?ِ?لا?ٍ وثبة مضيئة في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية? ونقلة سياسية مهمة في الحياة الديمقراطية مستندا?ٍ الى دليله النظري «الميثاق الوطني» الذي لم يكن دليلا?ٍ فكريا?ٍ فحسب? بل وعقدا?ٍ اجتماعيا?ٍ بين مختلف القوى والفئات الاجتماعية والشخصية الوطنية. ففي اغسطس 1982م جاءت نشأة المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي? في ظل ظروف غاية في التعقيد? حيث كانت الساحة اليمنية تعج بالحروب الاهلية والصراعات الفكرية الايديولوجية الوافدة والغريبة عن واقع مجتمعنا اليمني? وهي موزعة على ثلاثة أقسام متباينة: يساريين? قوميين? اخوان مسلمين. ومثل هذه القوى الايديولوجية ذات الفكر الاوحد? إذا ما تحولت الى حزب حاكم يظل هاجسها الأول تصفية الآخر خشية الإطاحة بها.. والصراع فيما بين هذه القوى منذ فجر ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م حتى 1978م لهذا فقد كانت الحاجة ملحة لحزب أو تنظيم سياسي يمني نابع من الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي اليمني لتنخرط فيه جميع القوى والتيارات كخطوة أولى في مسار التعددية السياسية. < وجدير بنا الاشارة الى ما قاله الأديب اليمني العربي الراحل عبدالله البردوني في كتابه: «اليمن الجمهوري» يصف نشأة المؤتمر الشعبي العام ودلالات الحدث وسط تلك الحالة المأساوية التي كانت قد وصلت اليها البلاد «كانت أواخر الستينات فرصة كافية لحرث الارض وتأصيل الديمقراطية لكي تليها مرحلة التقاليد الديمقراطية? ثم تطويرها الى الحريات العامة.. من هنا فنحن نخلق ديمقراطية من الخيوط الدقيقة التي لاحت وانطفأت على وجه الستينات والسبعينات». < ووفقا?ٍ للدارسين اتخذ المؤتمر الشعبي العام السلطة اسلوبا?ٍ جديدا?ٍ في التعامل بدلا?ٍ عن القمع? حيث أتاحت السلطة للحركة القومية «البعث الناصري» فرصة العمل السياسي كما أتاحت الفرصة للاخوان المسلمين من خلال تكوينات المؤتمر الشعبي العام بل وتغاضت السلطة عن النشاط التنظيمي المستقل لتنظيمات الحركة القومية والاسلامية. ويرى الدارسون قوة المؤتمر في التنوع? ولكن الأهم من ذلك قدرته على جعل هذا التنوع يعبر عن نفسه من خلال الأفكار والآراء. < وإذا كان التحجر في أساليب العمل التنظيمي قد شكل القاسم المشترك بين مختلف القوى السياسية المنضوية اليوم تحت مسمى «اللقاء المشترك» ما جعلها عاجزة عن إيجاد صيغ عمل تس