القبيلة ولعبة التوازنات السياسية في اليمن
منذ فبراير الماضي ? عندما اندلعت الاحتجاجات السلمية في اليمن مطالبة بإسقاط النظام ? كان حضور القبيلة في المشهد السياسي لافتا للانتباه ? ومؤثرا على مسار الأحداث.
فالسلطة والمعارضة اليمنية اعتمدتا أولا إستراتيجية الحشود في التصعيد السياسي للاحتجاج? وكانت القبيلة جزءا من لعبة التوازنات تلك التي يشهدها المسرح السياسي في اليمن ? فانضمامها لصف أحد الأطراف السياسية يمنحه ثقلا أكبر ? يساعده على تحسين موقعه التفاوضي ? وتغيير شروط اللعبة السياسية لصالحه.
وفي اليمن ? حيث يتسم المجتمع بقوة روابط الانتماء القبلي ? شهدت حركة الاحتجاجات المناهضة للرئيس علي عبدالله صالح انضمام مجلس التضامن الوطني الذي يقوده الشيخ حسين الأحمر? إلى صفوف المعتصمين في الثاني والعشرين من فبراير? للمطالبة بإصلاح الأوضاع السياسية في البلاد ورحيل الرئيس صالح عن كرسي الحكم.
وبعد مرور أربعة أيام فقط ? ازداد الوضع تعقيدا على النظام الحاكم ? بإعلان قبيلتي حاشد وبكيل انضمامهما إلى حركة الاحتجاج السلمي في السادس والعشرين من فبراير الماضي ? تضامنا مع المتظاهرين المسالمين في صنعاء وتعز وعدن .
وكان من أبرز الشخصيات القبلية التي أعلنت تأييدها للثورة السلمية? الشيخ أمين العكيمى? رئيس مؤتمر قبائل بكيل? كبرى القبائل اليمنية? والشيخ صادق الأحمر? شيخ مشايخ قبيلة حاشد? الذي جاء التحاقه بالثورة السلمية في أعقاب فشل دور الوساطة الذي لعبه مع بعض العلماء بين الرئيس صالح وأحزاب (اللقاء المشترك) المعارضة.
وقال الخبير الأمني عبد الحكيم القحفة لوكالة أنباء (شينخوا) ان القبيلة منظمة شبيهة بمنظمات المجتمع المدني الحديثة التي تدافع عن منتسبيها الا انها لم تتطور وظلت محافظة على وضعها القبلي .
وأضاف ” القبيلة هي مكمل أخلاقي وجد من منظومة النظام ومرجعية لكل المظاليم ولذا لا يحصل أي انتهاك للانسان الذي ينتمي الى قبيلة لأنها ستدافع عنه مثل منظمات حقوق الانسان والنقابات التي تدافع عن افرادها “.
ورغم حرص الرئيس صالح على ضمان ولاء النظام القبلي لسلطته? وفي مقدمته قبيلتا حاشد وبكيل? إلا أنه تفاجأ بتخلي اثنين من أبرز حلفائه عنه? وهما الشيخ مجلي بن عبد العزيز الشائف? والشيخ سنان أبو لحوم? بعد افتقاده لأهم سند قبلي لنظام حكمه الممتد (33) عاما? وهو رحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب السابق? وشيخ مشائخ اليمن الذي يوصف بأنه “صانع الرؤساء” في اليمن.
وجرت عادة الرئيس صالح منذ تسلمه الحكم عام 1978 التقرب من شيوخ القبائل اليمنية وكسب تأييدهم بالمال والنفوذ? معتمدا على علاقاته الوطيدة بالقبيلة في تثبيت أركان حكمه? وتحاشي الاصطدام معها? لكن القبيلة انحازت لانتمائها الوطني والقبلي على حساب ولائها للرئيس.
ويرى المحللون والمتابعون للشأن اليمني أن تراجع دعم القبائل للرئيس اليمني ونظامه منذ اندلاع الاحتجاجات? واستمرار توافدها لساحات الاعتصام السلمي وانضمامها للثورة? أضعف كثيرا من موقف الرئيس في صراعه للبقاء في كرسي الحكم? بعد تعالي أصوات المناوئين لحكمه والمطالبين بإسقاطه? إذ لم تعد القبيلة عامل ترجيح لكفة النظام في ميزان القوى.
وقال أحمد السودي? وهو رئيس المؤسسة اليمنية للدراسات الاجتماعية لوكالة أنباء (شينخوا): ” انضمام القبيلة إلى الثورة السلمية أفقد الدولة سيطرتها على كثير من المحافظات? ودفع الرئيس صالح ونظامه للبحث عن مخرج سياسي امن لمغادرة السلطة”.
وأضاف: ” قبول الرئيس بالمبادرة الخليجية يعكس إدراكه بأن موازين القوى لم تعد في صالحه? ومنها القبيلة التي عادت إلى واجهة الأحداث ضد النظام “.
وفيما استجابت قبائل كثيرة لداعي التغيير السلمي في البلاد? وأعلنت تأييدها للثورة السلمية ومساندتها? تخوض قبيلة أرحب التابعة لـ (حاشد) وقبيلة نهم التابعة لـ (بكيل) في محيط العاصمة صنعاء? حربا عنيفة مع قوات من الحرس الجمهوري نتيجة منعها من التحرك بالأسلحة الثقيلة والدبابات إلى صنعاء ? خشية استخدامها لقمع المتظاهرين.
ويشير المتابعون إلى أن انضمام القبيلة إلى الثورة السلمية أفقد السلطة ورقة سياسية كثيرا ما راهنت عليها بترجيح الكفة السياسية أو لحسم جولات الصراع السياسي.
فقد أفشلت القبيلة سيناريو نقل الصراع من ساحات السياسة إلى ساحات القبيلة? والانزلاق في أتون الصراع القبلي? لكنها بالمقابل لم تنجح في حماية نظامها القبلي من اختراقات السياسة? وإن بدت تلك الاختراقات محدودة لكنها تظل ندوبا عميقة على جدار القبيلة? تعكس حالة انقسام آخر في صف الجماعة التي يتشكل منها بنيان القبيلة.
ففي الوقت الذي يعد زعيم قبائل حاشد الشيخ صادق الأحمر من أبرز المؤيدين للثورة السلمية في اليمن? فإن مشائخ قبليين من نفس قبيلته “حاشد” لم يغيروا من مواقفهم المؤيدة للرئيس صالح والنظام الحاكم? رغم معارضة الشيخ الأحمر لبقائه في السلطة ومطالبته بالتنحي.
بالمقابل وعلى المنوال ذاته ? فإن زعيم قبيلة بكيل ال