الولايات المتحدة الأمريكية: راعية للسلام أم داعمة للاعتداءات الإسرائيلية!؟
شهارة نت – تحليل
لم تنفك الولايات المتحدة الأمريكية عن التدخل في القضايا الخاصة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، باعتبارها راعيًا لمشروع التسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وعلى الرغم من ممارستها ضغوطًا كبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمرير قرار التقسيم رقم (181) لعام 1947م، إلا أنّها في الوقت نفسه لا تخفي انحيازها الكامل للسياسات الإسرائيلية، حيث قدمت ولا تزال تقدم كل أوجه الدعم (السياسي والعسكري) للكيان الصهيوني، فقد استخدمت حق النقض “الفيتو” أكثر من أربعين مرة لمنع إصدار قرارات تدين الكيان الصهيوني واعتداءاتها المتكررة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تمحورت السياسية الأمريكية في المنطقة حول رغبتها احتواء الصراع العربي – الإسرائيلي، وذلك للمحافظة على مصالحها الحيوية في الشرق الأوسط، ورأت في زرع دولة “إسرائيل” القوية في منطقة الشرق الأوسط مصلحة حيوية ووطنية أمريكية، لذلك يستمد الكيان الصهيوني قوته من المقدرات والدعم الأمريكي، كما يلعب دور الحامي للمصالح الأمريكية في المنطقة والممثل لها، بل ودخل حروب بالوكالة عن الولايات المتحدة ويخدم مصالحها في المنطقة العربية.
وعليه؛ تظهر المواقف الأمريكية ملتبسة ومتناقضة حيال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فقد عبرت مراراً عن تمسكها بالحلول السلمية للصراع، وطرحت عدة مبادرات لحل القضية الفلسطينية حلاً سلميًا بما يتناسب والقرارات الدولية، وقد تبنت الولايات المتحدة هذا الأمر في وثائق كامب ديفيد 1978م، ومؤتمر مدريد للسلام عام 1991م، والتي اعتبرت الأساس الذي بُني عليه اتفاق أوسلو عام 1993م، بين دولة المحتل الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتم التوقيع عليه في البيت الأبيض في واشنطن.
كما لا تُخفي الولايات المتحدة انحيازها الكامل للكيان الصهيوني، بل باتت تشجع قيام دولة يهودية عنصرية، فالمتتبع للنهج الأمريكي يرى بوضوح ما تعنيه المواقف الأمريكية المتناغمة مع الممارسات الإسرائيلية والتي تصاعدت بشكل ملحوظ في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته التي تمعن في التغطية على الجرائم الإسرائيلية بحق الأرض الفلسطينية وسكانها الأصليين، فمنذ تولي الرئيس دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض، أطلق وعودًا بدعم الدولة اليهودية الصديقة – بالنسبة لدولته – وحماية أمنها، وبدل أن تأخذ الولايات المتحدة دور الراعي الحقيقي لعملية السلام؛ راحت تقدم الدعم لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بشكل سيقضي تماماً على عملية السلام التي بدأت مسيرتها منذ أوسلو 1993م، وهذا ما يتناقض تماماً مع القيم والمبادئ الأمريكية، التي تنادي بها الولايات المتحدة مثل الديمقراطية وحرية الشعوب، فالدعم الدائم المنحاز لـ”إسرائيل” كدولة احتلال، لن يوصل المنطقة إلا إلى مزيد من الدماء والحروب.
إلى جانب ذلك تنكرت “إسرائيل” لكل التزاماتها كدولة احتلال، ولم تستطع أي جهة دولية إلزامها بتطبيق رؤية المجتمع الدولي لحل الصراع، وقد تشجعت على انتهاج هذا الموقف المتعنت بفضل الدعم اللامحدود لها من الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي لعملية السلام، مدفوعًا بالمصالح المشتركة، وهذا ما أدركته دولة الاحتلال مبكرًا، واستخدمته للتمادي في فرض شروطها، وتنفيذ خططها دون رادع.
أولاً: الولايات المتحدة والمشروع الصهيوني: جذور العلاقة ووحدة المصالح الاستعمارية مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، خرجت الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدولة الوحيدة الأكثر قوة ونفوذًا حول العالم, وأصبحت واشنطن المتحكم الأقوى في مجريات السياسة الدولية، ومركز اهتمام وتواجد جماعات الضغط، وأهمها (اللوبي الصهيوني)، الذي حول مركز اهتمامه إلى الولايات المتحدة بدلاً من المملكة المتحدة فيما يخص العمل السياسي على المستوى الدولي، وبدأ يمارس ضغوطًا كثيرة على السياسة الأمريكية وساستها لتأييد ودعم قيام دولة يهودية، وأكثرها وضوحًا يتمثل في التأثير (المادي) على الانتخابات الأمريكية عبر تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين سواء الرئاسيين أم البرلمانيين وحشد الأصوات لهذا أو ذاك.
عليه، نشأت علاقة مصلحية عضوية بين الفكر الاستعماري الغربي وبين المشروع الصهيوني، حيث عبر عن ذلك “جابوتنسكي” بقوله: “إن الدولة الصهيونية-المحاطة بالدول العربية من كل جانب-ستسعى دائمًا إلى الاعتماد على أي امبراطورية قوية غير عربية وغير إسلامية”.
من ناحية أخرى، لم تُخف القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة مطامعها في السيطرة على مقدرات المنطقة العربية، وإبقائها تحت طائلة التبعية للغرب بأشكالها المتعددة عسكرية أم سياسية أم اقتصادية، لذلك عمدت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا إلى توجيه أنظار البلدان العربية إلى مسائل أخرى تشغلها، فقد استخدمت فزاعة تمدد الفكر الشيوعي في المنطقة العربية، بالإضافة إلى زرع كيان سياسي من نوع جديد يمثل منافسًا للدول العربية، وهو الكيان الصهيوني، الذي أعلن عن قيامه عام 1947م، ولا تزال الولايات المتحدة تتبع نفس هذه السياسة حتى اللحظة مع استحداث أساليب ووسائل ترتبط بالتطورات الدولية.
ويمكن القول أن الولايات المتحدة نظرت خلال الحرب الباردة إلى المنطقة العربية كحلقة من حلقات الصراع بين الشرق والغرب، وبالتالي لم تستطع النأي بنفسها عن تطورات القضية الفلسطينية، وذلك بسبب تفوق النفوذ الصهيوني في دوائرها السياسية والاقتصادية، وما تمارسه المؤسسات الصهيونية المترابطة من ضغوط واضحة داخل مراكز صنع القرار الأمريكي، وهذا هو السر وراء دعم الساسة والرؤساء الأمريكان للمشروع الصهيوني منذ رئاسة (ولسون) وحتى الآن، بالإضافة إلى أن بعض المسؤولين الأمريكان يؤمنون بما جاء في الإنجيل من عودة اليهود إلى أرض الميعاد، فيما يرغب البعض الآخر في عدم بقائهم في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة في الكيان الصهيوني حليفًا قويًا يعتبر نقطة ارتكاز رئيسة في منطقة معادية، وهذا ما يفسر مسيرة السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، ويبرر صدور العديد من الوثائق والاتفاقات التي تضمن لدولة الاحتلال أمنها، وضرورة تفوقها عسكريًا على البلدان العربية مجتمعة، فيما عرف بورقة الضمانات الأمريكية “لإسرائيل”، والتي صدرت عام 2004م، بعد وصول المحافظين الجدد للحكم، وتفرد الولايات المتحدة بالسيطرة على النظام الدولي برمته.
وعليه؛ يتضح تأثير دولة الاحتلال في السياسة الدولية والأمريكية بشكل خاص، حتى أنه لم يصدر أي قرار ملزم عن مجلس الأمن يدين “إسرائيل”، أو يجبرها على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، أو على أقل تقدير وقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ثانيًا: الدور الأمريكي خلال المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية احتكرت الولايات المتحدة منذ مؤتمر مدريد 1991م، دور الراعي الرئيسي لعملية السلام خلال المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وكانت في الواقع تطرح مشاريع ومبادرات تصب في صالح المحتل الصهيوني حليفها الاستراتيجي على حساب الحقوق الفلسطينية، وذلك تحقيقًا للأهداف التالية.
– احتكار المرجعيات التفاوضية، بحيث منعت أطراف دولية أخرى من التدخل في المفاوضات، وبالتالي تجسد دور الولايات المتحدة كمرجع وحيد للمفاوضات. – تهميش دور المنظمات الدولية -الأمم المتحدة على سبيل المثال -في حل الصراع، فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أكثر من أربعين مرة لإحباط مشاريع قرارات تدين إسرائيل، بينما دعمت قرارات أخرى كانت تصب في صالح إسرائيل، وتتنكر للحقوق الفلسطينية.
– تسويق منظومة قيم تفاوضية جديدة خاصة بالمفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية، في ظل اختلال موازين القوى الواضح وانحياز الوسيط الأمريكي لصالح الاحتلال الصهيوني ومحدودية التمثيل الفلسطيني. ففي عام 2000م، فشلت مباحثات كامب ديفيد بسبب الموقف الأمريكي المنحاز للكيان الصهيوني والضاغط على الجانب الفلسطيني، في حين لم تقدم الكيان الصهيوني أي تنازلات على مستوى قضايا الحل النهائي. وفي عام 2011م، تحدث الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن الرؤية الأمريكية لقيام دولتين لشعبين (حل الدولتين)، إلا أنه لم يختلف عن أسلافه الذين جعلوا القضايا الجوهرية قضايا مؤجلة، دون سقف زمني لها، كما عارضت الولايات المتحدة حصول منظمة التحرير على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وهددت باستخدام الفيتو في مجلس الأمن في حال التقدم بمشروع قرار.
من ناحية أخرى، قامت الولايات المتحدة باستخدام الفيتو في 18 فبراير، ضد مشروع قرار عربي يدين الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية ويؤكد على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهو الفيتو رقم (43)، الذي يستخدمه الأمريكان في الشأن الفلسطيني حتى ذلك الوقت. وفي عام 2013م، دعت الولايات المتحدة الطرفين إلى العودة لاستكمال محادثات السلام، لكن دون أي تغيير على مستوى الشكل أو المضمون التفاوضي، في ظل التفوق الإسرائيلي والدعم الأمريكي اللامحدود. وبعد تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية أعلن أنه سيعمل على تحقيق السلام العادل بين إسرائيل والفلسطينيين، سواء عبر حل الدولتين أو الدولة الواحدة، برعاية أمريكية، لكن تلك الوعود سرعان ما تبخرت من الناحية العملية، بعد رفض الاحتلال الصهيوني تجميد الاستيطان مقابل العودة للمفاوضات.
وبهذا لم يتغير موقف الإدارة الأمريكية وسياستها تجاه القضية الفلسطينية على مدار عقود، وهذا لا يتوقف على الإدارة الأمريكية فقط، بل ينسحب على المؤسسات الأمريكية الداعمة للاحتلال الصهيوني أيضًا. وعلى ذلك فإن الدور الأمريكي يمثل عاملاً من عوامل فشل المفاوضات وعدم استمراره، فالولايات المتحدة تسعى من خلال المفاوضات للحفاظ على مكتسبات “إسرائيل” والضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بالمقترحات التي تقدمها، دون أي ضغط يذكر على “إسرائيل” للتراجع عن ممارساتها الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وهذا في حقيقة الأمر يعني تثبيت ودعم الوجود الإسرائيلي على حساب حق العودة وتقرير المصير للشعب الفلسطيني.
3كما ترفض الولايات المتحدة إعادة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة (التدويل)، وذلك حرصًا منها على مصلحة الكيان الصهيوني والتي تخدم بشكل مباشر أهداف الولايات المتحدة الاستراتيجية.
ثالثًاً: موقف الولايات المتحدة من الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تتماهى السياسة الأمريكية مع الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ويقف الأمريكيون دومًا موقفًا متصلبًا منحازًا بشكل واضح للكيان الصهيوني، على الرغم من محاولتهم إظهار شيء من التوازن في بعض القضايا، وبالتوازي مع هذا فإن هناك الأغلبية الطاغية على الكونجرس من الصهاينة ووجود أكبر تجمع يهودي في الولايات المتحدة، والذي يجعل الموقف الأمريكي متعنتًا وصارمًا أمام أي قرار يصدر عن مجلس الأمن ويتضمن إدانة “إسرائيل”، بل واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو مرات عدة في سبيل عدم صدور أي قرار يدين حليفتها الأولى في المنطقة، على الرغم من ضخامة مصالحها لدى الدول العربية.
ففي عام 1995م، أقر الكونجرس الأمريكي قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والذي يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وذلك خلافًا للاتفاقيات والتعهدات الأمريكية السابقة، التي تتحدث عن السلام وتعمل باتجاه معاكس له، وفي 2016م، عاد ترامب ووعد مرة أخرى بنقل السفارة إلى القدس، ثم اضطر إلى التوقيع على الوثيقة الخاصة بتأجيل نقلها، مدعيًا أنه يعطي فرصة للأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين وتجنب إثارة غضب الفلسطينيين والدول العربية والحلفاء الغربيين([6])، وإن كان هذا التبرير الشكلي مقبولاً إلا أن الحقائق وراء هذا القرار أكبر من ذلك بكثير وفي مجملها تصب في مصلحة وتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص. بشكل عام؛ اتخذت السياسة الأمريكية طابعًا تبريريًا حيال الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ما جعلها شريكًا مباشرًا في الانتهاكات والجرائم التي تمارسها دولة الاحتلال ضد شعب أعزل، وبذلك يظهر التناقض الكبير بين ما تعلنه الولايات المتحدة وما تقوم به على أرض الواقع. والأمثلة لا حصر لها ولا عدد، فتارة ترفض تغيير الوضع القائم في القدس الشرقية، وتارةً أخرى تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وقد ظهر ذلك التناقض جليًا خلال الحملة الانتخابية عام 2016م، وكذلك فيما يتعلق بالمستوطنات ففي الوقت الذي طالب ترامب فيه الكيان الصهيوني بإزالة المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة عام 1967م، وتجميد الاستيطان عندما زار المنطقة في مايو 2017م، إلا أنه لم يتخذ أي موقف من إعلان الحكومة الإسرائيلية بعد هذه الزيارة بناء مئات الوحدات السكنية الجديدة، لا بل ووصل العهر السياسي حد التباهي من قبل “نتنياهو” بأن حكومته حققت أكثر نسبة في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، وذلك بعد إبلاغه لوزراء كبار بإلغائه القيود على بناء مستوطنات في القدس الشرقية، وتصريحه القائل “بوسعنا البناء حيثما نشاء وبقدر ما نريد”.
كما لم تعلق الإدارة الأمريكية على قرار الحكومة الإسرائيلية غير المسبوق والذي يمنح المستوطنين في الخليل حق تشكيل مجالس خاصة لإدارة شؤونهم، والذي اعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بأنه قرار ضد الفلسطينيين، وكذلك لم تدين الاعتداءات المتكررة والاقتحامات من قبل قادات سياسية ودينية صهيونية لباحات المسجد الأقصى. رابعًا: الموقف الفلسطيني من الوساطة الأمريكية أعربت القيادة الفلسطينية في رام الله عن عدم تفاؤلها بزيارة الوفد الأمريكي الخاص بعملية السلام، حيث صرح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “أحمد مجدلاني” بأن الوفد الأمريكي للسلام لم يحمل أي جديد، كما أن عدم تحديد الوفد موقفه من الحل السياسي يعد “مراوغة” لصالح إسرائيل، مشددًا على أن امتناع الإدارة الأمريكية عن الالتزام بالموقف التقليدي الذي يؤكد على حل الدولتين ووقف الاستيطان “سيغلق الباب أمام أي عملية سياسية، وسيضع الإدارة الأمريكية أمام موقف يمنعها بالقيام بدور الراعي للسلام”. من ناحيتها اعتبرت الخارجية الفلسطينية في رام الله في بيان أصدرته مؤخرًا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول المستوطنات تمثل طعنة في ظهر الجهود الأمريكية الهادفة لاستئناف المفاوضات، وتقضي على فرصة التوصل إلى حل سياسي للصراع على أساس حل الدولتين.
وعلى ذلك، فإن الموقف الفلسطيني يرى بعدم نزاهة الوساطة الأمريكية، فقد صرحت القيادة الفلسطينية بأنها لن تعود إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قبل أن يحدد الراعي الأمريكي للسلام موقف واضح من حل الدولتين، مع تحديد سقف زمني للمفاوضات ووقف الاستيطان. كما صرح الناطق باسم الحكومة الفلسطينية “يوسف المحمود” أن الهجمة الاستيطانية الأخيرة هدفها إنهاء أية فرصة للسلام، وحمل المجتمع الدولي المسؤولية عن تقاعسه في محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاته([11]). أما على مستوى الحراك الشعبي الفلسطيني، فهناك رفض شعبي ضاغط على القيادة يطالب بعدم الثقة والتعاطي مع الإدارة الأمريكية الراعي “غير النزيه” والداعم للاحتلال، وقد جاء هذا الموقف نتيجة للمواقف الأمريكية المتتالية والمتزايدة والتي تدفع باتجاه استمرار الاحتلال الإسرائيلي بشتى الوسائل.
خاتمة: تلتزم الولايات المتحدة تجاه إسرائيل بكامل الضمانات، وتقدم لها الدعم بكل أشكاله منذ قيامها وحتى يومنا هذا، وبغض النظر عن الحزب الحاكم جمهوري كان أم ديمقراطي، في المقابل، تتنصل الولايات المتحدة من التزاماتها تجاه حفظ وحماية الحقوق الفلسطينية، حتى التي قطعتها على نفسها؛ واعترف بها المجتمع الدولي، مثل قرارات الأمم المتحدة وغيرها بشأن القضية الفلسطينية، فالإدارة الأمريكية تعمل منذ عقود على إدارة للصراع, وليس حله بشكل جذري، وذلك بهدف منح إسرائيل مزيدًا من الوقت لفرض واقع جديد على الأرض، ولا تسعى جديًا للتوصل إلى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، حتى أن كل إدارة أمريكية جديدة تعلن نيتها التوصل إلى تسوية سياسية، لكن دون أي ضغط على “إسرائيل”، بل تظهر انحياز واضح للموقف الإسرائيلي، وذلك لسببين هما: نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من جهة، والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط من جهة أخرى. وبالتالي يمكن القول أن التجربة العملية وعلى مدار عقود أثبتت أن الولايات المتحدة وسيط غير نزيه تجاه عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، وأن الدول العربية عمومًا لم يجيدوا التعامل مع السياسية الأمريكية تجاه القضايا العربية، وتحديدًا القضية الفلسطينية، وعليه من الضروري أن تتوقف القيادة الفلسطينية عن الارتهان للرؤية الأمريكية لعملية السلام، وأن تبدأ تدريجيًا بمد جسر العلاقات مع أقطاب دولية أخرى؛ كروسيا والصين.
كما نرى بضرورة تشكيل لوبي عربي عبر تنسيق المواقف والجهود العربية وتغليب المصالح العربية المشتركة، بهدف الاستفادة من عناصر القوة التي نمتلكها، وإعادة النظر في المبادرة العربية للسلام، مع التركيز على إعادة القضية الفلسطينية لحضن المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بحيث يمكن الضغط على الإدارة الأمريكية داخليًا وخارجيًا، والتأثير على المصالح الأمريكية, فالولايات المتحدة لا ترى سوى مصالحها، عبر فرض الهيمنة ونهب مقدرات الشعوب، حتى وإن بررتها بمسميات نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.