بديل «نظام الحمدين» محتجز في أبو ظبي!
شهارة نت – تحليل
انتشر، أمس، مقطع مصور يظهر فيه الشيخ القطري، عبدالله بن عبد الرحمن آل ثاني، وهو يتهم أبو ظبي باحتجازه، محمّلاً ولي عهدها المسؤولية عن أي مكروه يلحق به. اتهام سارعت الإمارات إلى نفيه، قائلة إن آل ثاني «حر في تصرفاته وتحركاته»، في تكرار لِلَازمة تم تردادها أيضاً إبان أزمتي سعد الحريري وأحمد شفيق
يبدو أن مسلسل عمليات «الاختطاف السياسي» السعودية – الإماراتية وصل إلى قطر، ليفتح بذلك باباً جديداً من أبواب تصعيد الأزمة الخليجية التي لا تزال مستمرة منذ حزيران/ يونيو 2017. ومثلما كانت الحال في عمليات «الاختطاف» السابقة التي استهدفت شخصيات محسوبة على الرياض أو أبو ظبي، جاءت عملية الاحتجاز الجديدة – وهنا عنصر المفارقة فيها – لتطال شخصية قطرية كان الإعلام السعودي والإماراتي قد جَهِد في تصديرها بوصفها رائدة «المعارضة القطرية» المفترضة.
وبالنظر إلى ما تقدّم ذكره، فلم يعد ضرباً من المبالغة احتمال أن يكون كل ما صدر عن الرجل من مواقف قد تمت هندسته من قبل السعودية والإمارات، وخصوصاً أن آخر ظهور لعبدالله بن علي آل ثاني كان عبر تغريدات على حساب باسمه في موقع «تويتر» في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وما قد يعزز تلك الفرضيات، أن الحساب المشار إليه تم تدشينه في آب/ أغسطس 2017، تاريخ ما قيل إنها وساطة يقودها آل ثاني للسماح للحجاج القطريين بأداء مناسكهم في السعودية.
ويوم أمس، انتشر مقطع مصور يظهر آل ثاني وهو يتهم ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، باحتجازه، محملاً الأخير المسؤولية عن أي أذى يلحق به. وقال آل ثاني، في التسجيل، «(إنني) كنت ضيفاً عند الشيخ محمد، (إلا أنني) الآن لم أعد في وضع ضيافة وإنما في وضعية احتجاز»، مضيفاً أن الإماراتيين أوعزوا إليه بعدم مغادرة المكان الذي يقيم فيه. وأعرب عن خشيته من أن «يحصل لي مكروه، ويقوموا بإلقاء اللوم على قطر»، مشدداً على أنه «إذا حدث لي شيء، فأهل قطر بريئون منه، والشيخ محمد هو من يتحمل المسؤولية».
ويُعدّ هذا أحدث ظهور لآل ثاني منذ 14 تشرين الأول 2017 عندما أعلن، عبر «تويتر»، تجميد حساباته البنكية، داعياً قطر إلى «أن تعود إلى حضنها الخليجي وأهلها الغيورين عليها، فلن ينفعنا أحد سواهم». وبرزت أولى مواقف النجل التاسع لحاكم قطر السابق، علي بن عبدالله آل ثاني، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، تاريخ لقائه الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، ونجله ولي العهد، محمد بن سلمان، وحديثه عن وساطة يقودها لتسهيل وصول الحجاج القطريين إلى السعودية بعدما حال إغلاق الحدود والمجالات الجوية مع قطر. وقد بدا لافتاً، حينها، أن الدوحة ردت على أنباء تلك «الوساطة» بالقول إن «زيارة الشيخ عبدالله كانت لأسباب شخصية»، وإن «السعوديين وجدوا في الزيارة فرصة للخروج من هذا المأزق، وحولوا الأمر إلى قبول وساطة»، في إشارة مبطنة إلى أن السلطات السعودية هي التي نطقت بلسان آل ثاني.
مذّاك، صدرت عن مؤسس «اتحاد الفروسية في قطر»، والذي لم تُعرَف عنه ميول سياسية قبيل 18 آب 2017، تاريخ تدشين حساب باسمه على موقع «تويتر» حَرِص الإعلام السعودي ــ الإماراتي على الترويج له وتحديث عدد متابعيه باستمرار، جملةُ مواقف؛ كان آخرها (قبيل موقف أكتوبر) في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي عندما دعا «الحكماء والعقلاء من أبناء الأسرة الكرام، وأعيان الشعب القطري، إلى اجتماع أخوي وعائلي ووطني، نتباحث فيه حول ما نستطيع عمله… لنعيد الأمور إلى نصابها». وقد اجتهدت المنابر السياسية والإعلامية الموالية للسعودية والإمارات، طيلة تلك الفترة، في الترويج لشخص الشيخ عبدالله كبديل من الشخوص الحاكمة في قطر، حتى بلغ بها الأمر حدّ الدفع باتجاه عقد مؤتمر لـ«المعارضة القطرية» في لندن (15 أيلول/ سبتمبر 2017) انتهى إلى تفويض الرجل ليكون «بديلاً واقعياً ومنطقياً ومقبولاً لدى الشارع القطري، وخصوصاً أنه ليس بعيداً من سلالة الحكم في قطر».
هذا المسار الذي انتهى إلى إعلان آل ثاني نفسه محتجزاً من قبل أبو ظبي ينبئ بأن «التوليفة» بمجملها تم تحضيرها سعودياً ــ إماراتياً، حتى إذا ما عجزت عن تحقيق أهدافها تم الحجر على «ضحيتها» (الشيخ عبدالله) بهدف حمله على اتخاذ خطوات أكثر جرأة، ربما هو نفسه عاجز عنها. سيناريو مفترض تنفيه أبو ظبي بطبيعة الحال، معتبرة أن «من السهل ملاحظة بصمات أصابع نظام الحمدين (حمد بن جاسم وحمد بن خليفة) على الفيديو المنتشر»، متهمة النظام القطري بـ«صناعة الفبركة وإخراج الأكاذيب»، بحسب ما علق رئيس دائرة التعليم والمعرفة في الإمارات، علي رشاد النعيمي، على التسجيل المصور. وفي الاتجاه نفسه، أعرب مصدر مسؤول في الخارجية الإماراتية عن أسفه لـ«الافتراءات التي صاحبت مغادرة الشيخ عبدالله إلى الإمارات»، لافتاً إلى أن «هذه الممارسات والادعاءات باتت نهجاً متواصلاً لدولة قطر في إدارتها لأزمتها». وقال المصدر، لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، إن «آل ثاني حلّ ضيفاً على دولة الإمارات العربية المتحدة بناء على طلبه، وحظي بواجب الضيافة والرعاية بعدما لجأ إلى الدولة جراء التضييق الذي مارسته الحكومة القطرية عليه، وقوبل بكل ترحاب وكرم». وادعى أن الرجل «حر التصرف بتحركاته وتنقلاته»، وأنه «أبدى رغبته بمغادرة الدولة، حيث تم تسهيل كافة الإجراءات له دون أي تدخل يعيق هذا الأمر». ادعاءات بات من الصعب تصديقها، بالنظر إلى تكرارها في حالتي «اختطاف» رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، والمرشح السابق للرئاسة المصرية، أحمد شفيق، من دون الإتيان بأي دليل يدعمها، في قبالة كم كبير من الوقائع التي تؤكدها.
ولعل ذلك هو ما أرادت وزارة الخارجية القطرية التلميح إليه، عندما قالت، في تعليقها على انتشار فيديو آل الشيخ، «(إننا) رأينا في الماضي سلوكاً مشابهاً من بعض دول الحصار تتعدى فيه كل القوانين والأعراف مع مواطني ومسؤولي دول أخرى دون وجود رؤية واضحة». وأكدت المتحدثة باسم الخارجية، لولوة الخاطر، «(أننا) من حيث المبدأ نقف مع حفظ الحقوق القانونية لأي فرد، ومن حق أسرته اللجوء إلى جميع السبل القانونية لحفظ حقوقه»، منبهة، في الوقت عينه، إلى أن «من الصعب الجزم بخلفيات ما يحدث وتفاصيله نتيجة لانقطاع كافة وسائل التواصل مع دولة الإمارات». حذرٌ كانت وسائل الإعلام القطرية قد تجاوزته خلال الساعات الأولى لانتشار الفيديو، معيدة التذكير بواقعتَي احتجاز الحريري وشفيق تحت عنوان «دبلوماسية الاعتقال»، ومتهمة السعودية والإمارات بمحاولة إيجاد «مساجين دائمين لتوظيفهم عند الحاجة»، واستخدامهم في ملفات سياسية خارجية.
ومهما تكن حقيقة «احتجاز» آل الشيخ، فإن التراشق الذي ولّده انتشار تسجيل مصور بشأنها، يدفع الخلاف المحتدم بين «الأشقاء» نحو مزيد من التصاعد ــ بعدما أعاد تزخيمه اتهام قطر للإمارات باختراق مجالها الجوي ــ في ظل غياب أي بادرة إلى وساطة جدية لحل الأزمة، أو حتى إعادة تفعيل الوساطة الكويتية التي يبدو أنها وُضعت في الثلاجة، على الرغم من «تبشير» الكويت بإمكانية عودة «الوفاق الخليجي».