باب المندب النقطة الاستراتيجية الحرجة في القرن الأفريقي وسبب الصراع في اليمن
بقلم/ د.سهام محمد
إن القرن الأفريقي هو واحد من المناطق الأكثر أهمية استراتيجيا في العالم فهو يمثل نقطة مرور يضم البحر الأحمر وصولا إلى المحيط الهندي كونه نقطة المرور الحساسة و المحتملة لكثير من التجارة في العالم.
تقريبا كل التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين واليابان والهند وبقية آسيا تمر عبر باب المندب كل يوم. ما يصل إلى 30٪ من نفط العالم، بما في ذلك جميع النفط والغاز الطبيعي من الخليج الفارسي يمر غربا عبر القرن الأفريقي يوميا.
إن من يسيطر على القرن الأفريقي يسيطر على جزء كبير من اقتصاديات العالم و جميع وكالات الاستخبارات العالمية الغربية تعرف تماما مدى أهمية القرن الافريقي لمصالحها الوطنية.
إلى متى ستتمكن اقتصاديات الاتحاد الأوروبي من الاستمرار دون إمدادات الطاقة من الخليج الفارسي أو الواردات الآسيوية الحيوية؟ هل من الممكن تصور أن الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي سيسمحون لسيناريو مثل هذا ان يتطور؟
فهم هذا، أمر بالغ الأهمية لفهم سبب قيام القوى الغربية بهذه السياسة الإجرامية في القرن الأفريقي. و ما نشهده اليوم في اليمن من عدوان غاشم أكبر دليل على ذلك. تستخدم الولايات المتحدة الامريكية عملائها في المنطقة لتشديد الخناق على الشعب اليمني فتمد السعودية بالسلاح و تدعم حلفها العدواني على شعب أعزل منتهكة كل الاتفاقيات و المعاهدات الدولية الداعية لحماية المدنيين و سيادة الدول.
ان الولايات المتحدة تتصرف كشرطي في العالم تعمل بكل ذكاء و لكن ايضا باستكبار و عنجهية للاستيلاء على مقدرات الدول و السيطرة على كل المنافذ الاستراتيجية في المنطقة. هي تدرك تماما ان السيطرة على باب المندب يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لمصالحها و تضع في عين الاعتبار ان أي انتصار في اليمن اليوم يتنافى مع مصالحها سيشكل خطر على وجودها في المنطقة. لذلك تسعي لتقوية السعودية بكل الوسائل لتكون وكيلتها على الارض تفتح الجبهات و تمارس أبشع أنواع الجرائم لتحقيق هذه الغاية.
ان استراتيجية امريكا باتت اليوم معروفة ففي أمريكا الجنوبية تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية كولومبيا كدرك محلي في محاولة للحفاظ على المنطقة في خطها. وفي غرب أفريقيا تستخدم نيجيريا، وفي الشرق الأوسط خليفتها إسرائيل أما في شرق أفريقيا فتستخدم إثيوبيا. فمثلا أمرت الولايات المتحدة ميليس زيناوي بأرسال جيشه لغزو الصومال باسم “الحرب على الإرهاب” في عام 2006. و كانت في وقت سابق، في عام 2000، حرضت إثيوبيا على غزو إريتريا، خدمة لمصالحها. اليوم ، تدفع الولايات المتحدة رواتب حوالي 10 آلاف من قوات حفظ السلام الإثيوبية المنتشرة في منطقة آبي، و هي المنطقة المنتجة للنفط على الحدود بين شمال وجنوب السودان.ومع وجود أكبر جيش مجهز في إفريقيا بما في ذلك أسلحة من كوريا الشمالية ، فإن إثيوبيا لديها وظيفة يجب القيام بها، أولا وقبل كل شيء هو التأكد من أن المنطقة المحيطة بنقطة باب المندب لا تزال تحت السيطرة الغربية.لأن من يسيطر على باب المندب له أصابعه في حلق كل من الاتحاد الأوروبي واقتصاديات آسيا. واليوم أصبحت قبضة الولايات المتحدة في المنطقة موضع شك متزايد، لأن الحرب على اليمن و المستمرة منذ 1000 يوم و يزيد تثبت كل اليوم ان المصالح الامريكية والغربية في المنطقة باتت في خطر كبير بفضل المقاومة الباسلة التي يتزعمها الحوثيون بشكل خاص و التي تثبت كل يوم قدرة هذا الشعب على قلب كل الموازين الاستراتيجية في المنطقة.
إن الاهمية الاستراتيجية لباب المندب و حرص امريكا و الدول الغربية على احكام السيطرة علي كل منافذه تجعلنا نتأكد و بشكل لا يدعو للشك ان الحرب المعلنة على اليمن لم تكن في يوم من الايام حرب تحرير و لا سعي لعودة الشرعية كما يزعمون و لا هي حرب لمواجهة الخطر الايراني على دول الخليج.
انها حرب المواقع و السيطرة الاستراتيجية فما يشكله باب المندب من اهمية قصوى كممر حيوي و نقطة اختناق استراتيجية تجعل الغرب برمته يخاف و يقلق من امكانية وصول الحوثيين اليه خاصة و انهم متهمون بارتباطهم الكامل بالجانب الايراني و هذا في حد ذاته يشكل بوابة رعب و خيبة لأمريكا و حلفائها بكل المقاييس.
أثبت الحوثيون بمقاومتهم و صمودهم و صمود الشعب اليمني ضد العدوان انهم قادرون على المواجهة و التصدي لمشاريع الغرب بما فيها السيطرة على منافذ باب المندب. و هذا الامر كفيل بان يرفع القناع عن السعودية و حلفائها الغربيين و على رأسهم امريكا الذين لم يتوقفوا عن الادعاء زورا بان هذه الحرب هدفها مساعدة الشعب اليمني على استرداد الشرعية و ان الحوثيين هم ميليشيا هدفها انتزاع السلطة لا غير. اضافة الى حملات التشويه و الشيطنة و اتهامهم بأنهم الذراع الايراني في اليمن هدفهم فقط تحقيق مشروع ايراني في المنطقة. لكن كل هذه الاتهامات و الادعاءات الباطلة تثبت كل يوم ان اهداف هذه الحرب أبعد بكثير من مجرد صراع سلطة أو تحريرها من جهة تتناقض مصالحها مع المصالح الامريكية في المنطقة. انه بكل تأكيد و بما لا يدعو للشك الحرص على بقاء باب المندب تحت النفوذ و السيطرة الامريكية.
تثبت المقاومة اليمنية كل يوم انها قادرة على تحقيق النصر و خلق سياسة ردع لكل سياسات العدوان. فالردع الصاروخي شكل اليوم نقطة تحول هامة في الصراع لأنه خلق معادلة جديدة ستجعل السعودية و حلفائها يعيدون النظر في كثير من الامور. خاصة وان مدى الصواريخ أثبت قدرته على اختراق كل الحواجز والوصول الى الهدف. فهمت الولايات المتحدة الرسالة وهي تحاول الوصول الى حل لا يكون منافيا لمصالحها. لقد اصبح شبح التفوق الصاروخي لحركة انصار الله يرعب الادارة الامريكية لأنها تدرك تماما ان الوصول لباب المندب بات معقدا و ان أي حرب مقبلة في المنطقة ان اتسعت رقعتها قد لا تكون محسوبة النتائج .
لكن لابد لنا من التأكيد ان الادارة الامريكية الحالية و في ظل الفوضى التي تعيشها قد لا تكون قادرة على مواجهة الاتي من الملفات الفاشلة و قد تبحث عن كبش فداء لتحمله وزر الفشل في الملف اليمني، خصوصا و ان الانتهاكات الانسانية لم يعد من السهل اخفائها ولا تقويضها فالعالم كله بات يشهد اليوم جرائم الابادة الجماعية التي تقوم بها السعودية و حلفائها و التي لم يعد من الممكن السكوت عنها. ان اليوم الذي تفقد فيه امريكا السيطرة على باب المندب سيكون حدثا جيدا و نهاية حقيقية لأمريكا كقوة عظمى في العالم.