أوروبا في مأزق.. وفلسطين تمسي “فتات جغرافي”
شهارة نت – تحليل
ظهرت علامات التشاؤوم على وزراء الخارجية الأوروبيين خلال افطارهم صباح الاثنين (11 ديسمبر/كانون الأول الجاري) في بروكسل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد أدركوا أنّ مشروع “الدولتين” الذي طال التبشير به انهار تماماً.
فما أقدم عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه كان إعلان وفاة ما سُمي “حل الدولتين”، وهو إفاقة متأخرة من “رؤية الرئيس بوش” التي حملت وعداً مغلّظاً بإقامة “دولة فلسطينية قابلة للحياة، تعيش في أمن وسلام إلى جانب ما أسماها “دولة إسرائيل” التي ينبغي ضمان أمنها”، حسب الرواية آنذاك.
لم يلحظ المتابعون أنّ مجلة الإيكونوميست البريطانية خرجت -قبل عشر سنوات تماماً من خطاب ترمب بشأن القدس- بغلاف يحمل صورة جورج بوش الابن مع العنوان المثير: “السيد فلسطين”، والآن يتعيّن على هذه المجلة المرموقة منح غلافها للرئيس ترمب مع عنوان من قبيل “السيد نتنياهو”.
فما جرى هو أنّ البيت الأبيض اقترب إلى حد التطابق مع تطلعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بدفن أي فرصة لقيام دولة فلسطينية، ولو شاء نتنياهو القبول بخيار الدولتين لكان قد فعل في عهد بوش الابن أو حتى باراك أوباما، وأقصى ما فعله كان التلفظ به على مضض مرة يتيمة خلال عهد أوباما.
أما الجانب الفلسطيني؛ فعليه الآن أن يأمل الحصول على فتات جغرافي تحت لافتة زائفة قد تحمل اسم “دولة”، ضمن مناطق واقعة خلف الجدران وبين المستوطنات والمواقع الاحتلال العسكرية. إنها دولة الجدران والمعازل التي يستكثرها قادة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، والتي هي نسخة رديئة من المعازل السكانية (البانتوستانات) البائدة في جنوب أفريقيا.
سيستدعي هذا أن تستجدي السلطة الفلسطينية التفاوض الماراثوني الذي قد يمتد إلى أمد غير منظور، ولكن هل سيجد الإسرائيليون -حتى ذلك الحين- رئيساً فلسطينياً لديه إخلاص محمود عباس لنهج المفاوضات؟
إنها ورطة للأوروبيين تحديداً، فقد وضع ترمب وزارات الخارجية الأوروبية في مأزق، عندما طوى صفحة قيام دولة فلسطينية تُواصِل البلاغات الأوروبية الإلحاح اللفظي عليها، فما أعلنه الرئيس الأميركي لم يتوقف عند حدود القدس التي منحها لنتنياهو بكل صلف وغطرسة، فقد ظهر ترمب على شاشات العالم لإشهار وفاة “عملية سلام الشرق الأوسط”، التي انطلقت بمدريد 1991 ومرت بأوسلو ومحطات بعدها.
كان ترمب واضحاً في خطابه عندما اتّهم سابقيه في البيت الأبيض بالتقاعس عن الإقدام على ما تجرأ هو عليه، واعتبر استراتيجياتهم فاشلة وعاجزة، استعمل ترمب كلمة “جديد” في خطابه هذا بشكل متكرر، مؤكداً أنه سيفارق ما كانت عليه الإدارات التي سبقته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط.
أوحى الرئيس الأميركي بأنه سيترك موضوع التفاوض للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ليُدبّرا أمرهما إن أرادا ذلك، وأنه لن يتدخل للضغط من أجل “حل الدولتين”، بمعنى أنه لن يبذل جهوداً لقيام دولة فلسطينية.
فعلى الشعب الفلسطيني أن يتفاهم وحده بالتالي مع نظام يحتل بلاده ويفرض هيمنة عسكرية عليه وألا ينتظر إنصافاً من واشنطن.
الرسالة واضحة، لكنّ البلاغات اللفظية لا تكفي وحدها لاحتواء التطور الجسيم الذي أقدمت عليه واشنطن. فأوروبا التي تنادي بما يسمى “حل الدولتين” تدرك الآن نفي الإرادة السياسية في البيت الأبيض لهذا الخيار، علاوة على إحباطه من داخله بإقدام واشنطن على حسم مصير القدس التي كان يُفترض أنها موكولة إلى مفاوضات الحل النهائي
سيرى العالم وقتها كيف أنّ ترمب المتهور قد دفع الأوضاع إلى شفير الهاوية، وسيكون على البيت الأبيض بالتالي أن يتحمل عواقب فعله الجسيم، وسيتعيّن على أوروبا أن تراجع مقارباتها العاجزة لحل القضية الفلسطينية.