يوم لك ويوم عليك.. يا ترامب!
بقلم/ سليم قلالة
ليس هناك أخطر من التطرُّف في المواقف على أمن الناس وسلامتهم. وليس هناك أخطر من تطرف الرئيس الأمريكي على سلام العالم وأمنه. ليست هذه أمريكا التي تدَّعي أنها راعية السلام والقانون الدولي، وليس هكذا تتصرَّف قوة كبيرة في العلاقات الدولية تزعم أنها أكبر من الجميع وأقوى من الجميع.
لا أحد كان يتوقع مثل هذا السقوط المدوي للقيادة الأمريكية في نظر العالم، سقوطٌ أخلاقي وقانوني وقيمي قبل أن يكون سقوطا في مجال القوة واستخداماتها.
كلنا نعلم أن أمريكا قوة عسكرية قادرة على فرض إرادتها على الكثير من الشعوب، ولكننا لم نكن نعلم أن هذه القوة لا تَفرِض إرادتها إلا على الشعوب المستضعَفة، ورئيسها لا يستعرض عضلاته إلا على المغلوب على أمرهم من أمثال الفلسطينيين المُحاصَرين أو اليمنيين المشتتين، أو الأفغان المشرَّدين… أما الأقوياء الذين يُهدِّدونه بالسلاح النووي وبأنهم مُستعدُّون لخوض أي حرب معه، فإنه يهادنهم ويستمر في التسويف بشأن متى وكيف يردُّ عليهم؟!ما قام به “ترامب” ليس أبدا دليلا على قوة هذا الرئيس بل على ضعفه المزمن، ذلك أنه لم يجد من يستقوي علىه، فاستقوى على شعبٍ أعزل لا قوة ولا حول له، أرضه محتلة ويعيش جميع ضغوط الحياة.. وما هذا بمشرِّف للشعب الأمريكي الذي يُضرَب به المثل في الديمقراطية واحترام القانون وحقوق الانسان وعلى رأسها حق الحرية وتقرير المصير لجميع شعوب العالم.
لقد كان للولايات المتحدة مواقف براغماتية من القضية الفلسطينية، خاصة في عهد الرئيس باراك أوباما، وظن العالم أننا سنسير باتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط يضمن لجميع الشعوب والديانات حقها في العيش وفي التآخي والتضامن، فإذا بهذا الرئيس يُشعِل نار الفتنة من جديد، ويَفتح الجراح، ويزيد من الأحقاد التي لن يكون من نتائجها سوى مزيد من الشعور بالخوف وانعدام الأمن لحلفائه الإسرائيليين قبل أي طرف آخر.
سيكون هذا اليوم علينا، بكل تأكيد، على كل الشعوب المستضعَفة في العالم، وليس على الفلسطينيين وحدهم، وهو بالفعل علينا، ولكنه غدا سيكون لنا بإذن الله، وإن غدا لناظره لقريب.
الحياة هكذا هي، يومٌ لك ويوم عليك. وإذا مأ أُعلنت القدس اليوم لهم كلها، فإنها ستكون غدا لأصحابها الشرعيين كلها أيضا. لقد أنهى ترامب عهد التقسيم، ووحَّد القدس، ومنحها لحلفائه المتطرفين مثله، فليكن، ولكن عليه أن يَعلم، أنها غدا أيضا ستُستردُّ من هؤلاء كلها ومن دون تنازل عن أي شبرٍ منها للآخرين.
هكذا أردتم، إما أن القدس لكم كلها أو لأصحابها الشرعيين كلها… ليكن، نحن أيضا راضون بهذا الحل.. إما لنا أو لكم.. قال تعالى يخاطبنا في كتابه الكريم: “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)” صدق الله العظيم. (آل عمران).