الصندوق الأسود لقرار ترامب حول القدس
مقالات:
سبعون عاماً من الشجب والاستنكار والإدانة ، والعنتريات الفارغة التي لم تحرر بستاناً واحداً من أراضي فلسطين المحتلة …
سبعون عاماً من الصمت الجبان والإذعان الجبان ممن يسمون أنفسهم ملوكاً وأمراء والراقصين بالسيوف الورقية …
لماذا نتفاجئ بقرار دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس وإعلان الأخيرة عاصمة أبدية لإسرائيل ؟! هل اعترفت أميركا يوماً بحقوق الشعب الفلسطيني ؟
في العام 1995 أقر الكونغرس الأمريكي قانوناً ينص على وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، ورغم أن قرار الكونغرس ملزم ، لكنه يتضمن بنداً يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر لحماية مصالح الأمن القومي .
قام الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون : بيل كلينتون ، جورج بوش ، باراك أوباما بصورة منتظمة بتوقيع أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنوياً معتبرين أن الظروف لم تنضج بعد .
هل نضجت الظروف ؟
جاء قرار ترامب يوم الأربعاء بعد يقينه أن الظروف قد نضجت بفضل الثلاثي : كوشنر (صهر الرئيس الأمريكي ) ، ديفيد فريدمان ( السفير الأمريكي في اسرائيل ) ، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان .
بالعودة إلى القمة التي جمعت ترامب وعائلته مع العاهل السعودي وضعت الولايات المتحدة الأميركية الحجر الأساس لهذا القرار ، من خلال تنصيب كوشنر مسؤولا لمتابعة الملف السعودي وتحديداً مع محمد بن سلمان ، والتي أعقبها عملية تطبيع فاضحة وعلنية مع الكيان الصهيوني تطورت إلى حدّ غير مسبوق ، إضافة إلى إحياء رميم عظام التحالف العربي بقيادة السعودية ( التي أصبحت مقاطعة أميركية بكل المقاييس ) بهدف احتواء الشارع العربي للقرار الترامبي القادم .
أما ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في اسرائيل ، فقد لعب دوراً بارزاً في هذا القرار من خلال الاستمرار في حثّ ترامب على الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل بالرغم من محاولات وزير الخارجية تيلرسون ( وهو على علاقة سيئة بصهر الرئيس الأمريكي كوشنير) ووزير الدفاع ماتيس تقديم الاستشارات للرئيس ترامب بضرورة توخي الحذر من هذا القرار الذي سيكون له تداعيات كبيرة على المستويين الاقليمي والدولي ، وبحسب المعلومات من مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى أن تيلرسون همس في أذن ترامب أن هذا القرار سيسقط أمريكا عن عرشها في قيادة العالم ويفقدها هيبتها كراعية للسلام ، لكنّ الرئيس الأمريكي أصرّ على موقفه مردّداً عبارة : ( هذا القرار سيدخلني في التاريخ وربما سينهي الصراع العربي – الإسرائيلي ، فأولوية أمريكا هي أمن إسرائيل وليس أمن العرب) .
لا شك أن ترامب استند في قراره الجريء قياساً إلى أسلافه من الرؤساء على العلاقة السلطوية التي كرّسها مع السعودية وتهافت بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، والأهم من ذلك كله هو البدء بحملة إعلامية قادتها قناتا (الحدث) و( العربية) السعوديتين .
لقد أصاب تيلرسون بنصحيته للرئيس الأمريكي من خلال ردود الفعل الغربية ( فرنسا ، ألمانيا ، الاتحاد الأوروبي ، هولندا ، السويد …) التي أعلنت صراحة رفضها القاطع لقرار ترامب وصل إلى حد تحقيره ، وهذه الردود تدلّ بالدرجة الأولى أن أمريكا ترامب لم تعد تملك هيبة دولية لاسيما بعد صعود النجم الروسي في منطقة الشرق الأوسط بفعل الانتصار الكبير على المشروع الأمريكي – الصهيوني في سورية والعراق ، وفي المقابل نجح ترامب في اختبار الولاء السعودي أمام هذا القرار حيث منعت السلطات السعودية التظاهر مكتفية باستنكار خجول لم يرق إلى مستوى ( مملكة عربية ) .
ماذا ينتظر ترامب والكيان الصهيوني ؟
أولى المحطات التي اندلعت بوجه هذا القرار هي إحياء الإنتفاضة الفلسطينية من جديد ، وثانيها أن الكيان الصهيوني لم يعد بمواجهة حركة مقاومة واحدة بل هو أمام محور مقاوم يمتدّ من طهران إلى العراق وسورية وصولاً إلى لبنان فضلاً عن الحركات المقاومة الباكستانية والأفغانية وغيرها المستعدة للمشاركة عسكرياً في أي مواجهة قادمة ، فهل يتحمّل الكيان الصهيوني كلفة هذه الحرب ؟ وهل الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على حماية الكيان الصهيوني في ظل انشغالها بحرب مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية ؟؟؟!!
من المؤكد أن الفرصة اليوم سانحة بشكل كبير لإنهاء هذا الصراع بقرار إسلامي عربي مسيحي من خلال المقاومة العسكرية وليس الكلامية ، فالكلام مات مع رئيس أمريكي يراهن على أننا أمة قوامها الشعر والكلام .
غداً ، عندما يسألنا الله عن فلسطين والقدس لن يسمع كلامنا بل سيرى أفعالنا !