تقهقر صناعة الطغاة?
المنعطف الكبير الذي حصل في الشارع الشعبي منذ انتفاضة تونس وما تلاها في مصر يثير كثير من التساؤلات? واراني سأتوقف عند ظاهرة تلك الآلاف المؤلفة من الأهالي التي خرجت بذلك الشكل الرافض للأنظمة ورؤسائها وهي ذاتها كانت تصفق بكل حماس لذات الأنظمة والزعماء? وربما يسعفنا عالمنا الكبير علي الوردي في الإجابة على كثير من هذه الأسئلة حول ثقافة القطيع التي سادت وما زالت في معظم بلدان النظام الشمولي اجتماعيا وسياسيا? وربما سأطيل التوقف أيضا عند من يصنع الدكتاتوريات في بلادنا ويهيئ هذه الجموع تارة للتصفيق وأخرى للرفض والمعارضة وثالثة للنهب والسلب? مع إيماني بوجود كثرة من خارج هذه التوصيفات من الأحرار والمناضلين.
ربما لا نجافي الحقيقة حينما نتهم شرائح من الاهالي والحلقات الملتفة حول المدير والرئيس والزعيم بمختلف تسمياتها وعناوينها? بالمساهمة في تكوين الدكتاتور صغيرا كان ام كبيرا? من مجاميع المصابين بالنرجسية القائمين على حكم العباد ابتداء?ٍ من مدير الدائرة الصغيرة ووصولا الى دفة الحكم الأكبر? مثل هذه الشرائح والحلقات كمثل اطراف الاخطبوط ومجسات بعض الكائنات? وهي توجه حركة ذلك المخلوق بالاتجاهات التي تريدها? وربما كانت هذه المجاميع التي شهدنا هرولتها وتجمعاتها الألفية او المليونية وهي تصفق او تهتف بحناجر تغمرها ( بالروح بالدم نفديك يا…. وضع اسم من تشاء بعد ذلك? ) اهم من نجح في أحداث خلل حاد في شخصية ذلك المسئول الذي عملقته وحولته إلى ما انتهى اليه احدهم في تلك الحفرة البائسة وما تلاه من الهاربين والمتنحيين?
افترض دائما على خلفية النقاء الإنساني بالفطرة? ان ذلك الشخص المدير او المسؤول أو الوزير وحتى الرئيس? الذي تلتف حوله تلك الحلقات او مجاميع المرتزقة من ( مساحي الجوخ )* إنسان ايجابي ولا ينقصه الذكاء بأي شكل من اشكاله? وهو في الآخر ايضا إنسان تسكنه العواطف والنوازع ولا افترض أن يكون عبقريا او مفكرا عظيما او وليا من الأولياء? بل انسان خدمته بعض الظروف أو سلم التدرج او الألاعيب او الفرص او المحسوبية والمنسوبية أو النظام الاجتماعي فأصبح في مكانه? أي بمعنى انه يتأثر بما حوله من الطيبات والناعسات والناعمات من الوصف والتوصيف? ومما يسمعه من الحلقات التي تلتف حول عقله وقلبه وغرائزه وعواطفه ممن اختارهم إن يكونوا مستشارين او معاونين او خبراء او مسئولي مكاتب في إدارته خارج مفهوم المؤسسات والمراكز البحثية المعمول بها في الدول الديمقراطية العريقة? وبالتالي هم من يحدد معطياته وشكل شخصيته وكيفية إدارته وقراراته التي تخضع دوما لتأثيرات هذه الحلقات ومجاميع بالروح بالدم نفديك يا زعيم? بغياب نظام المؤسسات ومراكز الدراسات والبحوث التي يعتمدها الرؤساء او المدراء في البلدان الديمقراطية المتحضرة!?
واذا ما تركنا تلك الحلقات او المجاميع وعدنا قليلا الى نظم التربية والتعليم واسلوب الحياة في اسرنا ومجتمعاتنا الصغيرة التي تنتج هي الأخرى مثل هذه الدكتاتوريات الصغيرة والكبيرة على خلفية النظام التربوي ومناهجه سواء في الأسرة او المدرسة? هذا النظام وهذه البرامج التربوية هي التي حولت الملايين من اطفالنا عبر الأجيال والعهود الى أوعية يتم تعبئتها وتخزينها بمجاميع من المعلومات المفروضة دون نقاش او مبادرة? مع منظومة قيم تتعلق اولا واخرا بطبيعة النظام الاجتماعي والسياسي في إشاعة الفردية وتخليد الافراد وإطاعتهم ابتداء?ٍ من الشيخ أو الأغا والشرطي وإمام الجامع او مؤذنه? وانتهاء?ٍ بالمنقذين من الرؤساء والقادة العظام الذين اقسم كل علماء الانثربولوجي بانهم جنس بشري مثلنا لا فرق بينهم وبين أي انسان آخر في هذا الكون سواء كان نادلا او فراشا او جنديا او مزارعا? قبل أن يتعرض الى العملقة والتظخم السرطاني على ايدي هؤلاء الذين ابتلت بهم شعوب الشرق من مجاميع المنافقين والانتهازيين المختصين بالتدليس وإيهام المسؤولين بأنهم مخلوقات خارقة تنافس الكراندايزر الكارتوني او طرزان الغاباتي او سوبرمان الفضيع? حتى افقدوهم إنسانيتهم وقتلوا في دواخلهم بقايا الطيبة البشرية وحولوهم الى كائنات خرافية تحت مسميات ساحرة تارة وتاريخية تارة اخرى? ففقدوا توازنهم وتحولوا إلى ما شهدناه ونشهده اليوم!?
ونتذكر جميعا كيفية تصنيع دكتاتور العراق السابق في كل مناحي الحياة وعلى مختلف المستويات وما فعلته اجهزة الاعلام والجماهير العريضة ومسيراتها المعروفة? يتقدمهم دوما شيوخ العشائر ورجال الدين وجوقة من الإعلاميين والصحفيين والأدباء والفنانين ومن كل كتاب العرائض ووعاظ السلاطين الذين سخروا كل ما يمتلكونه من مواهب وإمكانيات لخدمة الدكتاتور ونظامه حتى أصبح أكثر الرؤساء تمجيدا بالأغاني والأناشيد والظهور على الشاشة? ليس هو لوحده فهم جميعا يمارسون ذات السلوك في كل الدول ذات النظم الشمولية? والغريب ان الجموع الكبيرة التي كانت تخرج تأييدا له مختارة او مغلوبة على امرها? هي ذاتها سارت بآلاف مؤلفة ب