الحريري في فرنسا.. إطلاق سراح مشروط وتلويح بالبقاء في الحكومة
شهارة نت – بيروت
في ظل حديثه عن المخاطر التي تهدّده، ذكر رئيس حكومة لبنان سعد الحريري عبارة “عندي عيلة” مرّتين، في المقابلة التي اجرتها معه بولا يعقوبيان يوم الأحد الماضي. عبارة تؤكّد قلق الأخير على مستقبل زوجته وأولاده. وأكد ذلك سفره اليوم إلى باريس برفقة زوجته لارا العظم، وبقاء ولديه لولة وعبد العزيز في الرياض.
بقاء الولدين في الرياض يوحي أن إطلاق صراح الحريري هذا لم يكن بلا قيد أو شرط، بل كان مشروطا ببقائهما على الأراضي السعودية كضمانة للملكة أن الحريري لن يخلف الوعد، وسيلتزم بتعليمات محمد بن سلمان، التي أعطاه إياها بعد أن انتظر سبع ساعات ليلتقي به، قبل إقلاع طائرته الخاصة التي توجّهت إلى مطار لوبورجيه بالقرب من باريس.
ومن المقرر أن يلتقي الحريري، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للحديث عن ظروف الإستقالة التي تمّت من الرّياض. وليس معلوما حتى الآن مدة الإقامة في فرنسا، إلا أن كلام الأخير خلال اتصال أجراه مع رئيس الجمهورية ميشال عون، صباح اليوم، وتأكيده عزمه على حضور إحتفال عيد الإستقلال يظهر نيّة الحريري العودة إلى لبنان، أو إذا صح التعبير، سماح المملكة له بالعودة، شرط الإلتزام بالوعود.
في الأيام الأخيرة كانت القيادات السياسية في لبنان، على رأسها رئيس الجمهورية، قرّرت إلغاء احتفال عيد الإستقلال بسبب غياب رئيس الوزراء، وذلك بتنسيق مع تيار المستقبل، الذي يتعاطى بحذر، وتعمد إلى صياغة بيانات مدروسة بعناية منعاً لأي تطور سلبي من شأنه أن يُضرّ بالرئيس الموقوف.
ورغم اتفاق وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان على إطلاق الحريري والسماح له بالتوجه إلى باريس، إلا أن عون بقي مرتاباً. ورفع منسوبَ الحذر عنده، تصريحُ ماكرون بأن الحريري قد يبقى في فرنسا لأيام أو أسابيع. والكلمة الأخيرة هي التي سببت الكثير من اللغط، ما دفع وزير الخارجية جبران باسيل إلى التلويح بإمكان تنظيم تظاهرة احتجاجية إن لم يعد الحريري للمشاركة في ذكرى الاستقلال، مؤكداً أن خلوّ كرسي الرئاسة الثالثة يعني خلوّ “كراسي كل لبنان الرسمي”، لأن “رئيس حكومتنا هو عنوان سيادتنا.“
أما في بيروت، فقد بدأ التداول بالسيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد العودة. الأكيد أن الحريري سيعود إلى بيروت. أما الاتجاه السياسي الذي سيسلكه، فلا يزال غامضاً. السيناريو الأقل كلفة للبلاد هو عودته عن الاستقالة، التي لا تزال بلا معنى أو أي قيمة قانونية، لكن ذلك يستوجب خروجه نهائياً من حالة “الرهينة” التي يضعه فيها محمد بن سلمان، مشترطاً عليه مواجهة حزب الله وعدم السماح بمشاركته في أي حكومة. بالتالي سيبقى في الحكومة، ونيّته المشاركة في احتفال عيد الاستقلال تدعم ذلك، لكنّه سيحاول التمسّك بما تضمّنه بيان الرياض ويظهر للجميع أنه بقي في الحكومة وتراجع عن قراره لمصلحة البلاد، وما طالب به من المملكة قد حصل عليه دون استقالة، في خطوة ترضي السعودية وتساهم في إنجاح مخططتها. فالحريري سيقود حملة ضد حزب الله من لبنان، وسنشهد تصريحات له لم نشهدها في السنة الماضية.
وإذا ثبّت الحريري استقالته، فإن ذلك يعني أنه لا يريد المضيّ في مواجهة حزب الله، لأنه كان يعلم أن المواجهة الداخلية مع الحزب لن تجلب إلا التوتّر للبلد، ولن تصل إلى نتيجة، ولذلك لم يعمل في الفترة الماضية بالتعليمات السعودية التي نفذ صبرها في نهاية المطاف وقامت بما قامت به.
في العودة إلى السيناريو الأول، من المسلّم أن مواقف الأطراف اللبنانية لن تتغيّر، وحزب الله مثلا لن يترك الحرب في سوريا لمجرّد طلب الحريري، وبالتالي ستزيد البلبلة بين الأطراف، برعاية سعودية واداء حريريّ، بعدها يلجأ رئيس الحكومة لتقديم استقالته من على الأراضي اللبنانية وبالطرق القانونية والدستورية، في خطوة لا يكون فيها لبس ولا تجبر المملكة على تحمّل هذا الوابل من الإتهامات.
هذا ولا تزال السعودية تصرّ على توتير الأجواء والإيحاء أن ثمّة ما يُعَدّ للبنان، إذ أصدرت سفارتها، أمس، بياناً دعت فيه مواطنيها الزائرين والمقيمين إلى مغادرة لبنان في أقرب فرصة ممكنة، مستندة إلى تغريدة استغلت خلافاً عائلياً (بين لبنانيين) على عقار، تطوّر إلى إحراق سيارتين (قبل يومين)، تبيّن أنهما تعودان إلى ابنتي سيدة لبنانية، متزوجة بسعودي.
من الواضح والمؤكّد أن السعودية لن تترك لبنان باستقرار وأمان، ورغم فشلها في مخططاتها الدؤوبة لضرب الإستقرار في المنطقة، لن تجلس مكتوفة الأيدي، وستعمل بشتى الوسائل على ضرب المقاومة ومحورها الذي أفشل مخططاتها، وقضى على الإرهاب الذي صنعته في المنطقة.
ولا يمكن البناء فقط على خروج سعد الحريري من الرياض، بل الأهم من ذلك هو ما سيتفوّه به من مواقف بعد خروجه، وعودته المرتقبة إلى لبنان.
ولا بد في الختام من الإشارة إلى كلام وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي رأى أن “ما حدث لقطر يحدث الآن بطريقة أخرى للبنان”، لافتاً إلى أن “هناك محاولات للتسلط على الدول الصغيرة بالمنطقة لإجبارها على التسليم.”