هل تتمكن القاهرة من لجم الرياض؟
شهارة نت – القاهرة :
يمشي الرئيس السيسي عند الحد الفاصل بين الرضا والغضب السعودي، فهو يُعدّ جزءً من تحالف الرياض في مواجهة قطر، لكنه أبقى على مواقف مستقلة في ما يخص الحرب في سوريا، وهو يعيد الكرّة اليوم في لبنان بإعلانه إن مصر “لا تفكر في إتخاذ اجراءات ضد حزب الله”.
موقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من الأزمة المستجدة بين السعودية ولبنان بمثابة الموقف يمكن إدراجه بين الحسابات غير المتوقعة.
يمشي الرئيس السيسي عند الحد الفاصل بين الرضا والغضب السعودي، فهو يُعدّ جزءً من تحالف الرياض في مواجهة قطر، لكنه أبقى على مواقف مستقلة في ما يخص الحرب في سوريا، وهو يعيد الكرّة اليوم في لبنان بإعلانه إن مصر “لا تفكر في إتخاذ اجراءات ضد حزب الله”.
يُسجّل للرئيس المصري، خلال مقابلته مع الوسيلة الإعلامية الأميركية، نجاحه في تحويل مسار الأسئلة إلى هامش أوسع من الموافقة والرفض، بتركيزه على “هشاشة” الاستقرار في المنطقة التي “لا يمكن أن تتحمل المزيد من الإضطرابات”.
موقف الرئيس السيسي سبقه إهتمامه اللافت بقضية إستقالة الرئيس سعد الحريري وما رافقها من علامات إستفهام في الشكل والمضمون، على هامش تواصله مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري في شرم الشيخ قبل أيام.
في الواقع، يشكّل الموقف المصري بشخص رئيسه فرصة يمكن البناء عليها لخرق جدار التوتر القائم، وإن كان نجاح هكذا مسعى يتطلب مرونة سعودية أكثر منها في الجانب الأخر.
لعل الرئيس المصري ينطلق من جملة مصالح استراتيجية لا يبدو في نظرة أولى وجود خلاف عليها بين أطراف النزاع المستجد:
أمن الخليج: حتى بالنسبة لـ”صقور” محور المقاومة، لا يراهن أحد على فوضى عارمة في الخليج، ذلك أن أي مواجهة في جغرافيا بهذا الحجم وأدوات ديموغرافية شديدة التشابك ستصبح بالتأكيد خارج سيطرة أطرافها. المشكلة الرئيسية التي يخفيها هذا العنوان حين ترفعه السعودية أو حلفائها يكمن في عجزها عن الحسم في اليمن وانكسار خياراتها في سوريا. ومن وجهة نظر مصرية، يعني الإستقرار في المنطقة الكثير بالنسبة لدولة يتنفس إقتصادها من الرئة الخليجية. وبالتالي فإن موقف القاهرة الساعية إلى إحتواء أي نزاع قد يتطور عسكرياً أو أمنياً هو بمثابة دفاع عن مصالحها الحيوية.
احتواء الشارع العربي “السني”: بالنظر إلى موقعها ودورها التاريخي، يمكن اعتبار مصر الأقدر على إدارة أي نزاع ذات صبغة طائفية أو مذهبية في المنطقة. يأخذ بعض حلفاء المقاومة، من أصحاب الخط العروبي، عليها عدم مراعاة الشارع السني بإطاره السياسي. تحتاج هذه المسألة إلى بحث معمق، ولكنّ السياسة الدولية تساهم بالتأكيد في إفساد علاقات مكونات المنطقة ببعضها، لا بل هي تراهن على وقوع الخلاف بهدف إعادة تكوين خارطة المنطقة. لا يعني هذا الدفاع عن حدود سايكس – بيكو، لكن التحول الذي نشهده على أكثر من صعيد منذ سنوات يتطلب براغماتية سياسية يُبدي الرئيس السيسي قدرة على ممارستها، مع لحاظ ضرورة طمأنة مخاوف أطراف النزاع الحاصل وإعادة تحديد أسباب الخلاف ووضعه في إطاره السياسي.
الصراع مع إسرائيل: لا تبدو مصر قادرة على لعب دور محوري في هذه المسألة بعد أن انشغلت داخلياً بتبعات زلزال ثورة يناير، لكن عدم حضور أي من المسؤولين المصريين الذين تمت دعوتهم إلى “إسرائيل” بمناسبة ذكرى خطاب الرئيس الأسبق أنور السادات في الكنيست يحكي الكثير عن روح القومية العربية الذي لا تزال متأصلة في نفوس الشعب المصري. ولا يمكن إهمال ما جرى في الساحة الفلسطينية أخيراً باعتباره أعاد تصحيح موقف شرائح واسعة من الشعب المصري إزاء المقاومة عموماً. أياً كان رئيس مصر فهو يُدرك أن المصلحة القومية لبلاده هي بعدم ترك العدو التاريخي للعرب يقوى ويستفرد بدول المنطقة. في الوقت نفسه، وبسبب حساسية موقفها، يمكن للقاهرة أن تلعب دوراً في تهدئة التوترات التي قد تؤدي إلى صدام عسكري مع إسرائيل. هذه إحدى الرسائل التي تولى الرئيس المصري نقلها إلى حزب الله في لبنان طالباً عدم الانجرار إلى استفزاز إسرائيل في هذه المرحلة، بحسب ما نقلت جريدة “الأخبار” اللبنانية.
ناهيك عن عناصر الدور المصري هذه، فإنّ موقف السيسي الرافض لأي حرب جديدة في المنطقة يسحب عملياً الغطاء عن أي “مباركة” عربية واسعة لأي خطوة من شأنها تأجيج الأزمة. مع الإشارة إلى أن السيسي سعى جاهداً خلال الأيام القليلة الماضية إلى مراعاة السعودية بتفهمه، بل دعمه، للإجراءات الداخلية التي يقوم بها الملك سلمان وإبنه، علماً أنّ من بين الأمراء الموقوفين من يستثمر في مصر بمليارات الدولارات.
هذا كله يتزامن مع فشل الوساطات التي تحاول الإفراج عن الرئيس الحريري، بعد أن قوبل المسعى الفرنسي بالرفض في خطوة أولى، وبعد أن تحولت وساطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مسألة هامشية بسبب الشروط السعودية التي يُقال أنها فُرضت عليه للسير في تسوية إقليمية.
بناءً على ما تقدم، يمكن إعتبار مصر من بين الملاذات المناسبة لطرفي الأزمة المستجدة، مع لحاظ أنّ التصعيد السعودي مؤهل ليبلغ مديات غير مسبوقة على صعيد الإجراءات “العقابية”، ما قد يصعّب مهمة أي وسيط لاحقًا. فهل تنجح القاهرة في تهدئة الرياض؟