الناطقون باسم الشعب
لا يكاد يمر يوم أو تنقضي ليلة ? ولا يبزغ فجر أو تحل ظلمة ? إلا ويطل علينا نفر من بني جلدتنا يدعون أن مصيرنا – كلنا أبناء الشعب اليمني العظيم – بأيديهم ? ويصرخون ويتصارخون – فقط أمام الفضائيات الموالية لهم – بأنهم الشعب كل الشعب ? والغريب أن الحياء قد ذهب من وجوه البعض وإلا متى كان الشعب الذي يفوق العشرين مليون نسمة يختزل في ساحة مهما كان طولها أو عرضها? فما بالنا بشوارعنا الضيقة التي تتعثر فيها السيارات وتضيق على الدراجات النارية والهوائية .
الغريب أننا مازلنا نسمع كلمات لا أساس لها من الصحة على ارض الواقع مثل: نحن الشعب ? الشعب يريد ? الشعب يرفض ? الشعب يقرر ? الشعب متضرر … وغير ذلك من العبارات والمصطلحات التي يسهل صياغتها والصراخ بها ?ولكنها تبقى فاقدة لمحتواها ? كون الشعب الذي يتحدثون عنه ليس هو من في صفوف المعارضة في الساحات? وليس أيضا من في صفوف السلطة في الساحات الأخرى ? إن الشعب يتمثل في تلك الأم المتحسرة على أولادها الباكية على مصيرهم المجهول جراء هذه الفتنة ? والشعب أيضا ذلك الأب المغلوب على أمره الذي يغدوا ويروح بحثا عن عمل فقده بسبب هذه الأوضاع وكانت أسرته تقتات منه . والشعب أيضا ذلك الشاب وتلك الفتاة وذاك البرعم وتلك الزهرة الخ…. الذين حرمهم المتمترسون في الشوارع حقهم في التعليم فأغلقوا مدارسهم وخربوا جامعاتهم باسم التغيير الذي جاء على ما يبدوا ليعيد الجهل بعد العلم? والظلمة بعد النور? والخوف بعد ألامان .
الشعب أيضا أولئك المرضى القاطنين في المستوصفات والمستشفيات والذين ح?ْرموا نعمة التطبيب ? صحيح انه كان في حدوده الدنيا لكنه على الأقل كان موجودا? أما الآن فغرف العمليات لا تعمل لان هناك عمليات أخرى ت?ْجرى لتفكيك أعمدة وكوابل الكهرباء بقصد قطعها وفصل تيار الحياة عن المرضى المساكين لا سيما الذين لا غنى لهم عن الكهرباء كمرضى الفشل الكلوي – عافانا وعافاكم الله – وغيرهم من الأمراض والذين حتما?ٍ عندما يلتقون بالعلي القدير في يوم لا ينفع فيه : مال ولا بنون? ولا رئيس? ولا قائد عسكري? ولا شيخ قبيلة? ولا تاجر سلاح? ولا أي مصاص لقوت الشعب .
ففي عرصات ذلك اليوم العظيم الذي يشيب منه الو?لد?ِان سيكون فيه القصاص ? وحينها لن تكون هناك فضائيات تزيف الحقائق ولا منصات تنعق بالكذب ولا دجالون يقولون ما لا يفعلون…
انه اليوم الذي لا هروب فيه ? فماذا ستقدمون ذلك اليوم???. الشعب ليس كذلك بعض أولئك المنتفعين من القوى الم?ْعار?ضة ولا بعض المستفيدين من السلطة ونفوذها ? فكلا الفريقين قلة مقارنة بالبسطاء من الشعب الذين توجهوا لصناديق الاقتراع لينتخبوا الأخ الرئيس وأعضاء المجالس المحلية والنواب وهم لا يجدون قوت ذلك اليوم ? ولكنهم ذهبوا لأنهم اقتنعوا بأن طريق السلطة هي تلك الصناديق ? لا صناديق وتوابيت الموت التي أضحت توزع اليوم ?ورغم أنهم ليسوا أغنياء كالشيوخ الذين انقلبوا ? ولا كالتجار الذين تحولوا ? ولا كالقيادات التي ظلت تأكل الأخضر واليابس طيلة السنوات الفارطة إلا أنهم ما زالوا صامدين على بيعتهم في 2006م وإلا لكانوا تأثروا بالنافثين سمومهم في دماء الأغلبية . الشعب هو ذلك الحالم بالتغيير البن??ِاء المرتكز على قيم المجتمع ومبادئه الرفيعة التي تربى عليها ونقلها لكل أصقاع الدنيا عبر الفاتحين الأوائل لدين الله في المشرق والمغرب ? فذل التغيير هو مطلب الجميع ? لا ما هو حاصل الآن في الساحات والشوارع من تدمير وتفجير وإقلاق للسكينة العامة وقطع لكوابل الكهرباء وتقطع لناقلات النفط ? ليس التغيير المطلوب أن نعيد زمن الاغتيالات التي طالت الرؤساء السابقين وكادت لولا لطف البارئ عز??ِ وجل أن يذهب ضحيتها فخامة الأخ الرئيس – حفظه الله – وبقية رفاقه – عافاهم الله وشفاهم – ? فزمن تلك الاغتيالات قد ولى .
ستة شهور كلها عذاب ? ولذا فان مولود الأزمة لم يكتمل فخرج مشوها لان النوايا الطيبة التي خرج بها الشباب الطامح للتغيير نحو الأفضل طفحت عليها طفيليات أرادت أن تستأثر بكل شيئ ونجحت في ذلك ? ولأنها ضحكت عليهم فظهر لأولئك الشباب الحقيقة ?ولهذا قرر الصادقون منهم الانسحاب من الساحات التي أصبحت مشبوهة لاندساس المشبوهين فيها فلهم كل التحية والتقدير ? وان كنا نعتب عليهم أنهم ساهموا في تعذيب الناس لنصف العام ولكن نلتمس لهم العذر انه تم التغرير بهم كما قالوا ? فاعترافهم بخطئهم توبة والتائب من الذنب كما لا ذنب له. ومن هنا علينا أن نستخلص الدروس والعبر من احتكار اسم الشعب في فئة قليلة ? فالشعب الحقيقي يتمثل في الأغلبية الصامتة التي تم قهرها وتعذيبها ومحاولة تركيعها ? ولكن هذه الفئة الصامتة ستصرخ صرختها المدوية وستفجر بها صناديق الانتخابات القادمة ? والجميل أن الستة الأشهر الماضية بقدر مرارتها لكنها كشفت قناع الكثيرين ممن كانوا يستترون ويختبئون خلف مصالحهم فقط ? ولها فإنه لا صعوبة في اختيار الأكفاء في الانتخابات القادمة ? فقد أفرزت الأزمة الغث من السمين ولذا