وقالوا ربنا باعد بيننا وبين أسفارنا
دائما?ٍ ما أردد وأقول: إن العدل في الخصومة أسمى معاني القيم والأخلاق? لحظات من الهدوء تأتيني حين أتأمل قوله تعالى: “(فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا وظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق ان في ذلك لايات لكل صبار شكور)”? نعم “ربنا باعد بيننا وبين أسفارنا” ..
إنه كفر الواقع? وجحود النعمة? إنها الدلالة على بطر القوم نعمة الله عليهم وإحسانه إليهم? وجهلهم بمقدار العافية? وربما هي لعنة أزلية أبدية لا تنتهي ولن تنتهي لقوم سبأ وذراريهم.. رئيس?َ ي?ْلعن وي?ْشتم ليل نهار على صفحهم وقنواتهم دون أن يقمعهم ثم يصفونه بالديكتاتور? إعفاء?َ بعد كل معركة عن خصومه وتجاوز عن رفعهم السلاح ضده ويصفونه بالسفاح? أحزاب?َ تتوالد وت?ْفر??ِخ كل يوم بعناصرها وتياراتها المعادية للحكومة ويطلبون مع ذلك الحرية? إكرام وتبجيل للعلماء واحتكام إلى شرع الله وإلى استحضار العلماء في كل محنة وفتنة ويصفونه بالكافر الفاسق. آذان?َ ص?ْم??ِت فلم تعد تريد أن تسمع شيئا?ٍ? وعيون?َ ع?ْميت فلم تعد تريد?ْ أن ترى شيئا?ٍ? وعقول?َ ش?ْل??ِت فلم تعد تريد أن تستعيد أي لغة للمنطق أو الحوار? فولدت في أزمة اليمن أقسى خطر?ُ عرفته اليمن إنه خطر إقصاء الآخر بل? تكفيره? وتفسيقه? وتسفيهه? وتجهيله لمجرد أن يكشف الآخر أنك تظهر مجرد دعوة للحوار لمناقشة الوضع السياسي .. كنا بالأمس نلعن الاستعمار الذي زرع الحواجز بين الدول وغرس العنصرية بينها وبين شعوبها ..
أما اليوم فقد امتدت العنصرية والكراهية داخل شعب الوطن الواحد والأرض الواحدة ..
بل وبلا مبالغة فقد امتدت حتى داخل المنزل الواحد? فلتذهب إلى الجحيم إذن كل مناهج “التربية الوطنية” التي أضافتها وزارات التربية والتعليم العربية إلى مقرراتها فنحن في عصر سيصنع مقرراته بمفرده بعيدا?ٍ عن أي قيم وفضائل.
خرج اليوم جيل?َ مشتت? قاس?ُ في مشاعره? متبلد?َ في أحاسيسه? يدعي أنه رب? كل شيء? وعبقري?َ في كل شيء? وهو لا يفقه أي شيء? خرج اليوم من رحم هذه الأزمة شباب ينعي والدته ويستخف بفرحها يوم أن كانت تخبز للجنود خبزا?ٍ في معركتهم ضد دعاة انفصال الوطن في 94 ويقول لها ليتك ما صنعت? شيئا?ٍ? وآخر يسخر من والده ويقول له كم كنت?ِ مطية لعلي عبدالله صالح فلا أفتخر?ْ بك أبا?ٍ? وآخر يدعي نواح أمه منذ انتصار الوحدة حتى اليوم وارتداءها الأسود حزنا?ٍ على سقوط مدينتها.. أي شباب هذا الذي ينتظر من العالم أن يصدقه وهو يحمل كل هذا الحقد الدفين.
نعم .. “وقالوا ربنا باعد بيننا وبين أسفارنا” .. إنه جحود النعمة? والفجور في الخصومة? إنه حب العيش تحت ظل سماء?ُ ملبدة?ُ بالغيوم? إنها شبق السياسة التي جعلت من علي عبدالله صالح إلى عام 96 بل إلى عام 2000 رجل الدولة والحكمة من الطراز الأول كما جاء في أدبيات الإصلاح وفجأة أصبح الفاسق? الفاجر? العاجز? الكافر? المنافق? الخائن? العميل? السفاح? الديكتاتور? يا إلهي ماذا أبقوا من أوصاف?ُ لم يصفوه بها. بقدر ألمي وامتعاضي من سياسة صالح في الحكم? ورؤية الفساد الإداري والمالي المستشري في البلاد? إلا أني سأكون غبيا?ٍ لو اقتنعت?ْ بأن كل هذا الفساد هو نتاج رجل واحد? وكأن برحيله ستمطر السماء ذهبا?ٍ وفضة? وستجري الأمطار والأنهار في سفوح صنعاء وأودية حضرموت? وسيرتدع المرتشون عن أخذ الرشوة? وسيتحرر الشباب من عقدة القات ومضغ القات .. ذلك القات الذي لم يستطع شباب الثورة أن يتركوه أو يهجروه حتى وهم يقومون بهذه المهمة التاريخية إن صحت تسميتها. علي عبدالله صالح ليس ملكا?ٍ منزلا?ٍ من السماء? وفي نفس الوقت ليس شيطانا?ٍ خلق من صلصال?ُ من حمئ?ُ مسنون? لطالما كان يحذ??ر وينادي من “الفوضى الخلاقة” تلك الفوضى التي بدأ وجود مصطلحها في أدبيات الماسونية القديمة أنشأه ميكافيللي المتوفى عام 1527م وهو رائد مدرسة “فن الخداع والغش” وظهر هذا المصطلح على السطح مؤخرا?ٍ بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن ? ومن حينها بدأ إطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد? ثم جاء كلينتون ليعلن مشروع الشرق الأوسط الكبير? ثم جاء أوباما ليبدأ التطبيق الفعلي متشحا?ٍ برداء الإسلام واحترام الأديان حتى ظن بعض الحالمين أنه مسلم يخفي إسلامه وقد نجح فعلا?ٍ في تنفيذ مفهوم الفوضى الخلاقة كما أرادوها أن تكون .. هل من عودة للعقل? أم أن حتى هذه الدعوة أصبحت في ع?ْرف الأحرار دعوة للجاهلية! هل من تأمل إلى ما وصل إليه البلد من حال? أم أن العناد هو سيد الموقف? هل يكفي المنخدعون بأحزابهم ما رأوه من قياداتهم في ظل غياب صالح عن الساحة فوصلوا إلى ما كان يتحداهم به إن استطاعوا أن يقدموا رجلا?ٍ واحدا?ٍ يتفقوا عليه فيما بينهم ليكون رئيسا?ٍ وقد كسب الرهان! أم أنهم مازالوا يرمون بشماعات الفشل إلى خذلان هذا وذاك. كل الثورات لا تستأذن أحدا?ٍ إلا ثورتنا المجيدة فحرص المعارضة على كراسيها وعلى مصالحها الشخصية لا يجعلها تقدم على أمر يعزلها عن العالم? فهي تستقوي