الوطن لا يبنى بالاحقاد
لا يزال الرئيس علي عبدالله صالح عند حسن ظن شعبه صلبا ثابتا على المبادئ يستحق من الجميع اليوم كل اجلال وتقدير خصوصا بعد ما ظهر بشجاعة علي تلك الهيئة المحزنة ويلقي خطابا يدعو فيه الى الحوار والحفاظ على الامن ولا يدعو للانتقام وذلك ما عهدناه منه دوما , وما من شك ان الرئيس وضع مصلحة شعبة فوق كل شيء وكبر فوق آلامه ليحدد لليمنيين ملامح مستقبل يرسمونه بأيديهم ويشاركون في صنعه جميعا .
تخيل البعض ان الرئيس سيسارع الى الانتقام ممن غدروا به ولكنه خيب ظنهم وارشدهم الى السلوك الحضاري الذي يجدر بهم ان يتبعوه اذا ما ارادوا العيش بسلام , وهو يؤكد مجددا ان الاوطان لا تبنى بالاحقاد وانما بالسلام والاتفاق والشراكة .
ويتضح من خطاب الرئيس انه متمسك بما بناه طيلة فترة حكمه وليس نادما على تسامحه مع من اساءوا اليه ولكنه ايضا لا يقبل ان يأتي تسامحه على حساب الثوابت الوطنية فهو قد ابدى استعداده للتنازل فيما يخصه سواء بنقل السلطة او اجراء انتخابات مبكرة ,وهذا لا يعني التفريط بحق الشعب في تقرير ما يجب وما لايجب.
وبعيدا عن المزايدات يجدر الاشارة الى نظام بن علي في تونس سقط في اقل من خمس دقائق عقب خروجه من العاصمة وسقط نظام مبارك بمجرد اعلان قبول التنحي ونقل السلطة الى المجلس العسكري اما في اليمن فها قد مر شهر على مغادرة الرئيس الى السعودية دون ان تحدث اي مشاكل , والسبب هو انه لا توجد ثورة شعبية في اليمن وانما ثورة صوتية لا اقل ولا اكثر وهي تفقد كل يوم الكثير من انصارها بسبب افتقارها الى الاخلاق واعتمادها على شخصيات تلوثت اياديها بالدم ونهب المال العام فضلا عن الجريمة الكبرى التي التي استهدفت الرئيس وكبار مسئولي الدولة في بيت الله , الامر الذي اثار استياء واسعا لدى اليمنيين على اختلاف توجهاتهم السياسية.
الحديث عن مستقبل الديمقراطية في اليمن مرهون بمدى الجدية التي ستبديها المعارضة في التعاطي مع دعوات الحوار المستمرة من قبل الرئيس والنائب والقوى الخيرة في اليمن , ويبدو أن بعض قيادات المعارضة بدأت تلين في مواقفها بعد محاولة اغتيال الرئيس التي اثارت خلافات واسعة في اوساطها وجعلها تفكر بجدية في مستقبل الشراكة مع بعض الاحزاب التي تورطت في هذه الجريمة , وهذا التفكير ينطوي على خوف من تعرضها لهذا النوع من التصفية التي لم تعهدها طيلة فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح, ومن المرجح ان يكون لهذه الاحزاب موقف ايجابي من الحوار على الاقل من باب تأمين مستقبلها السياسي.
لقد بات من الواضح ان تفكيك تحالف اللقاء المشترك بانتظار لحظة فاصلة قد تأتي مع اول انتخابات او ربما اجراء حوار سياسي موسع يفتح المجال امام تحالفات جديدة مع قوى اخرى تعترف بالاخر ولا تحاول الغاءه كما هو حاصل اليوم مع حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي اكد انه يؤمن بالشراكة المؤقتة التي تخدم طموحاته في الوصول الى السلطة , كما فعل سابقا مع المؤتمر الشعبي العام خلال حرب الانفصال , وعندما لم يجد حماسا من المؤتمر لتنحية بقية الاطراف السياسية عاد وانقلب عليه مجددا وتحالف مع اعداء الامس.
من جديد عادت الامور الى النقطة الاولى وفتح الرئيس صفحة جديدة دشنها بدعوة الى الحوار والشراكة على اساس التوافق واعلاء المصلحة الوطنية والمساهمة الواسعة في بناء الوطن والسمو فوق الجراح ونسيان الماضي وفي سبيل ذلك يؤكد قبوله لأي نتائج يخرج بها حوار القوى الوطنية , والمهم في هذا الجانب ان يكون لدى المعارضة الاستعداد لتقديم التنازلات والتضحيات من اجل الشعب.
المشهد السياسي سيشهد تفاعلا حثيثا خلال الفترة القادمة تحت ضغط الشارع الذي انهكته الازمات ولم يعد يحتمل المواقف المزدوجة او المتاجرة بالقضايا وهو ما يفرض على الجميع العمل على استعادة ثقته وكسب وده ورضاه قبل انتضيع الفرصة على الجميع وتنتشر الفوضى وحينها لن يكون احد في مأمن من عواقبها .