أزمةُ كردستان؛ خيانةٌ أم تواطؤ ؟!
منذ عام ،2005 وبعد انتخاب المرحوم “جلال طالباني” رئيسا للعراق، تولى “مسعود بارزاني” رئاسة الاقليم، ومنها عزز الاخير سيطرته على كافة مفاصل كردستان، ومع انشغال الاتحاد في بغداد، توسعت دائرة نفوذ البارزاني اقليميا ودوليا، ورسم خارطته السياسية والاقتصادية وفقا لمقاييسه العائلية.
فُتحت منافذ كردستان امام استثمارات الشركات الاجنبية، وبدأت ملامح خيرات ما بعد الفين وثلاثة تتجلى أمام عيون الكردستانيين، بناءٌ وإعمار، سلعٌ حسب الطلب، نفط يصدر وفق صفقات بالجملة دون رقيب أو حسيب.
بعد مرور عقدٍ ونيف على كردستان، لم تتغير الزعامة فيها، ورغم مليارات التبادلات التجارية مع الخارج، سائت معيشة المواطن الكوردي الى حد انقطاع مرتباته.
تفاقمت الازمة الاقتصادية في كردستان، ولم يسلم البارزاني مفاتيح السلطة رغم انتهاء مهلة رئاسته الدستورية، ولم يبقَ أمامه سوى اشعال فوضى “الاستفتاء” كأفضل وسيلة لحرف الانظار عن خرقه لقانون الرئاسة في الاقليم، وعدم شرعية سلطته.
كما تأتي زوبعة “الاستفتاء” خيرُ غطاء للتستر على كل الملفات الشائكة داخل أسوار الاقليم، وهي الخطوة المثلى في انقاذ نفسه ازاء أعين الشارع الكردي وحرف أنظاره عن فشل الحكومة وفسادها وادارتها التي اخفقت في تأمين حياة المواطن وتقديم الخدمات له. رغم أن البارزاني على هرم السلطة والمتنفذ الوحيد والعقل المدبر لمفاصل تعاقدات الاقليم النفطية، كالاتفاق المبرم ما بينه والرئيس التركي رجب طيب أوردغان على تصدير نفط الاقليم لخمسين عاما، واتفاقه مع شركة “روس نفط” الروسية لعشرين عاما. واذا ما كانت أقلام النخبة الكردية موجهة للكشف عن الفضائح هذه ومثيلاتها من فساد عائلته المالي، فأنها ضاعت وسط عاصفة “الاستفتاء” وتناثرت الحقائق تحت أقدام التائهين المنخدعين بتأسيس دولة الاحلام.
رغم التحذير والوعيد الذي اطلقته بغداد وعواصم اقليمية واجماع دولي كان الاول من نوعه على قضية حساسة في وقت معقدٍ للغاية، ورغم مساعي شركائه الكرد (الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير) على اقناعه بتأجيل خطوة الاستفتاء، أصر البرزاني على إدخال كوردستان في دوامة من الازمات، وفتح الابواب على مصراعيها امام عودة الحرب لكردستان.
ناضل الشعب الكردي على امتداد تأريخه من أجل مبدأ المواطنة، ولأجل عيش رغيد تحت مظلة دولة ديمقراطية تعترف بحقوقه، لا من أجل عائلة بعينها متاجرة بدمه متلاعبة بمقدراته سارقة لأمواله، همها الاول حقول كركوك شريان حياة البارزاني ومن يحوم حوله فحسب.
إنهاء أزمة كركوك ما بين الاقليم وبغداد حقن دماء الالاف، وحصَّن المدينة ومن فيها من كارثة وشلال دم كان سيطول لاشهر أو سنوات، جراء طيش بارزاني وتخطيط من وجوه أثارت الفتن أين ما حلت كـ”برنارد هنري ليفي“.!
خان البارزاني شعب كردستان بوعود فارغة، معولا على تل بيب بتحقيها، فحتى واشنطن والرياض رفعت دعمها عنه، معلنة عن وقوفها في صف بغداد.
واذا ما كانت أزمة الكرد الاقتصادية دون حجة في الامس أصبحت اليوم بدليل، وبهذا كسب مسعود الرهان بتبرير فشل ادارته للاقليم، وامتص غضب الشارع وضاعت ملفات فساده على سيمفونية نزعته الانفصالية، ولعل القادم أكثر تعقيدا.!