هل سيتكرّر سيناريو كركوك مع أكراد سوريا؟!
شهارة نت – تحليل :
النزعة الانفصالية للأكراد أينما حلو وارتحلوا ليس بالسر المخفي على أحد، فهم لا يخفون هذا الأمر بل يسعون إليه بكل ما استطاعوا من قوة وعزم، وبالتحديد في العراق وسوريا، وبما أن المنطقة منشغلة بالحرب على “داعش” وكانت على وشك التقسيم لولا بسالة الجيشين العراقي والسوري، وجد الكردي في هذا الوضع الفرصة مواتية لتحقيق الحلم بإنشاء دولة كردية.
وفي الوقت الحالي يسعى أكراد سوريا للحصول على حكم ذاتي كمقدمة للانفصال، إلا أن هذا الأمر ما يزال بعيد المنال عن أكراد سوريا لمجموعة من الاعتبارات السياسية والديموغرافية ويجب ألا ننسى الناحية الاقتصادية، ولكن مع هذا الاصرار والتعنت لأكراد سوريا بالحصول على حكم ذاتي، يبقى السؤال: هل يتكرّر سيناريو كركوك في استعادة المناطق في حال أصر أكراد سوريا على أي مشاريع حكم ذاتي كمقدّمة للانفصال؟!
أولاً: كما في العراق، استغل أكراد سوريا ظهور “داعش” لبسط سيطرتهم على الأرض، ويسعون اليوم للبقاء فيها عبر الحكم الذاتي وما هو أبعد، إلا أن الدولة السورية قد تكرّر سيناريو كركوك في استعادة المناطق في حال أصر الأكراد على أي مشاريع حكم ذاتي كمقدّمة للانفصال، سوريا اليوم تملتك تجربة في مكافحة الإرهاب تفوق تلك التي يمتلكها العراق، رغم امتلاك الأخير الحشد الشعبي.
ثانياً: أكراد سوريا من الناحيتين الديموغرافية والاقتصادية لا يمتلكون تلك المحفّزات التي يتملكها أكراد العراق، لأن أكراد سوريا يتوزعون على مساحات متفرقة من الشمال الغربي وحتى الشمال الشرقي بمحاذاة الشريط الحدودي الضيق مع تركيا و على ثلاث مناطق منفصلة هي (الحسكة، عين العرب، عفرين)، ويفصل بين هذه المناطق مساحات شاسعة يسكنها العرب وبعض التركمان، وبالتالي فإن كل المحاولات التي يعمل عليها أكراد سوريا لايجاد كنتون كردي متصل ستبوء بالفشل.
من الناحية الاقتصادية، الوضع سيء جدا لان المناطق الكردية محاصرة، فمن الجنوب هناك تنظيم الدولة الاسلامية ومن الشمال تركيا، اما من الجهة الشرقية حيث معبر سيمالكا الحدودي مع اقليم كردستان العراق، وهذا المعبر بيد الجيش السوري، وبالتالي هناك ارتفاع هائل بالأسعار ولايوجد أي استيراد أوتصدير إلا بمساعدة الدولة السورية.
ثالثاً: في حين تمتلك أربيل علاقات ليست بالسيئة مع تركيا، إلا أن أكراد سوريا ليسوا كذلك. وبالتالي لا مفرّ لهم في أي مواجهة سوى إلى العراق التي ستمسك قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي بحدودها.
أمر أخر يجب الإشارة إليه، بين أربيل وبغداد هناك خلاف على كركوك كمنطقة متنازع عليها، إلا أن الحال في سوريا مختلف تماماً، فلا مناطق متنازع عليها.
رابعاً: صحيح أن أكراد سوريا استطاعوا تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية على الأرض وتمكنوا من جذب الولايات المتحدة الأمريكية لدعمهم وتقديم السلاح لهم، إلا أن هذا الدعم يبقى مرهونا بمصالح واشنطن في المنطقة وفي حال وجدت أمريكا أن الأكراد لا يحققون لها مكاسب ولا يرضخون لسياستها سترفع يدها عنهم، وبالتالي سيبقى الأكراد محاصرين من جميع الجهات، لأن دمشق وحلفاءها يعارضون قيام نظام فيدرالي من جهة، وكذلك من قبل أنقرة التي تخشى أن يمتد تأثير أكراد سوريا على المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا لاسيّما في جنوب وجنوب شرق البلاد.
خامساً: يبدو أن دعم واشنطن المستمر للقوات الكردية في سوريا محفوف بالمخاطر التي تهدد العلاقة الأمريكية-التركية، وفي الوقت الحالي هناك مشروع أمريكي لعزل أكراد سوريا عن العمال الكردستاني بغية تخفيف حدّة توتّراتهم مع تركيا، إلا أن الواقع غير ذلك تماماً فهناك تداخل عسكري قائم بين قوات سوريا الديمقراطيّة وحزب العمال الكردستاني كتداخل الفصائل المسلّحة في إدلب.
من ناحية أخرى تدعم أمريكا مساعي أكراد سوريا لإقامة منطقة حكم ذاتي في شمال البلاد على غرار إقليم كردستان العراق في إطار محاولاتها الرامية إلى تقسيم المنطقة ضمن مشروعها المسمى ب”الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” خدمة لمصالح واشنطن والأطراف الحليفة لاسيّما الكيان الصهيوني ضد محور المقاومة الذي تدعمه إيران في عموم المنطقة.
ختاماً: يجب أن نشير إلى أن أكراد سوريا لا يشكلون سوى 10 بالمئة من مجموع السكان في سوريا وهم يعيشون في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية ومع ذلك تبقى قضيتهم معقدة جدا، وهم حاليا يمثلون رقماً مهماً في المعادلات السياسية والميدانية في سوريا، خصوصاً بعد الانتصارات التي حققوها على الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” في مناطق متعددة وفي مقدمتها مدينة الرقة، إلا أنهم لا يجدون أي ترحيب بانفصالهم أو إقامتهم حكما ذاتيا من سوريا ومن قبل الدول المجاورة لهم وبالتالي فإن مشروعهم سيصطدم بالكثير من المعوقات في حال قرروا الانفصال وربما نشهد سيناريو كركوك يتكرر في سوريا.