تخبط السياسة الأميركية، بين التهديد بالحروب.. والعجز
بقلم / حسين عطوي
يلاحظ في الفترة الأخيرة أن الإدارة الأميركية ترسل كما كبيرا من الرسائل التصعيدية ضد عدد من الدول دفعة واحدة مصحوبة بإطلاق التهديدات بشن الحرب ضدها وفرض الحصار واتخاذ العقوبات الاقتصادية إذا لم ترضخ لاملاءاتها.
فبعد أن كان العالم يراقب التحول في الخطاب الأميركي مع تسلم الرئيس دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض وإعلانه انه يعتزم التعاون مع روسيا لحل الأزمات في العديد من المناطق الساخنة، وأنه لا يريد شن حروب جديدة، وأن أولوياته ستكون التركيز على معالجة الوضع الاقتصادي وتوفير الأموال لإنعاش الاقتصاد وحل مشكلة البطالة وإعادة تأهيل البنية التحتية، عاد وانقلب على كل هذا الخطاب واتجه إلى اعتماد خطاب تصعيدي حربي يثير أزمات جديدة ويعمل على تعطيل التعاون مع روسيا، وهو ما تمثل بالاتي:
أولا: الاتجاه نحو تصعيد أجواء التوتر مع كوريا الشمالية، وتهديدها بالحرب إذا لم توافق على نزع سلاحها النووي.
ثانيا: الإعلان عن العزم على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران كونه لا يخدم، كما قالت صحيفة واشنطن بوست الاميركية، “المصالح الوطنية للولايات المتحدة”، وقد تبع هذا الموقف التصعيدي إطلاق ترامب تصريحات نارية من قلب البيت الأبيض، بحضور قادة الجيش الأميركي، حيث وصف فيها اللحظة الراهنة من إيران وكوريا الشمالية بانه”الهدوء الذي يسبق العاصفة”، مشيرا إلى أنه بحث الخيارات العسكرية مع قادة الجيش ضد هذين البلدين، وعندما سأله أحد الصحفيين عن أي عاصفة يتحدث قال:”ستعرفون قريبا”.
وأعقب ذلك إقدام الكونغرس الأميركي على فرض حزمة عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية، واستعداد الإدارة الأميركية لإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الأميركية. وقد ردت طهران بأنه في حال أقدمت واشنطن على ذلك فإنها ستتعامل مع أميركا باعتبارها دولة إرهابية.
ثالثا:إلغاء الاتفاق الذي توصلت إليه الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس باراك أوباما مع كوبا، والحديث عن العودة إلى السياسة القديمة في التعامل معها، وتمديد الحظر التجاري المفروض عليها.
رابعا: تهديد فنزويلا بشن الحرب ضدها، بعد أن فشلت القوى اليمينية الموالية لواشنطن في الإطاحة بحكم الرئيس مادورو المعارض بقوة لسياسة الهيمنة الأميركية، وقد ردت فنزويلا بالإعلان عن التعبئة العامة وقيام الجيش الفنزويلي بإجراء مناورات عسكرية استعدادا لمواجهة أي هجوم أميركي محتمل.
هذه السياسة الأميركية تذكر العالم بمرحلة العربدة والهيمنة الاستعمارية الأميركية الأحادية على العالم، بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وانعدام التوازن الدولي وخروج أميركا من الحرب الباردة منتصرة متسّيدة على القرار الدولي.
لهذا طرح المحللون الأسئلة بشأن الدوافع الحقيقية وراء لغة التصعيد والتهديد بشن الحروب، هل هي للتهويل وممارسة الضغوط على هذه الدول التي ترفض الخضوع للهيمنة الاستعمارية الأميركية؟. أم هي فعلا تحضر وتهيئ الأجواء للحرب إذا ما استمرت هذه الدول في رفض الإملاءات الأميركية؟. أم أن الهدف منها هو احتواء إدارة ترامب لمعارضيه في الداخل الذين تمكنوا من وضع الكثير من العراقيل في طريق تنفيذ رؤيته السياسية التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية وأثر وصوله إلى البيت الابيض، أو أن ترامب بات أسير مواقف جنرالات البنتاغون الذين هيمنوا على دوائر صنع القرار في ادارة ترامب.
هذه الأسئلة مجتمعة حضرت في الصحافة العالمية ولدى الكتاب والصحفيين وباتت حديث الساعة وسط تخوف فعلي من اندفاع أميركا نحو حروب خطرة ومدمرة لها وللعالم هروبا من أزمتها، لاسيما وأن كوريا الشمالية تملك السلاح النووي والصواريخ البعيدة المدى القادرة على حمل قنابل نووية وهدروجينية وضرب الأراضي الأميركية والقواعد العسكرية في المنطقة، فيما إيران تملك هي الأخرى قدرات صاروخية وأسلحة نوعية قادرة على ضرب القواعد الأميركية في كل دول المنطقة وكذلك كيان العدو الصهيوني.
من الواضح أن أميركا تعيش أزمة نابعة من انقسام حاد بين تيارين حول الخيارات السياسية التي يجب أن تنتهجها على المستويين الخارجي والداخلي، تيار يريد الاستمرار في سياسة الهيمنة الأميركية ورفض التسليم بالتعامل الندي مع روسيا والصين وغيرهما من الدول الكبرى والإقليمية في العالم، وتيار يدعو إلى الاتعاظ من فشل هذه السياسة والأخذ بالاعتبار بأن أميركا لم تعد تستطيع التحكم بالقرار الدولي وفرض هيمنتها الأحادية، وأنه لم يعد بمقدورها شن الحروب المكلفة للاقتصاد الأميركي الذي يئن من عبء الدين العام وتراجع معدلات النمو وتنامي البطالة وتدهور مستويات معيشة الاميركيين.
هذا الصراع الداخلي هو الذي يدفع اليوم إلى هذه السياسة التصعيدية ـ الحربية، ولهذا فإن الكثير من المحللين يعتقدون، بأن أميركا عندما تصل إلى استحقاق أخذ القرار بش الحرب فإنها سوف تأخذ قرار التراجع لصالح اعتماد لغة التهدئة والحوار. أليس هذا ما حصل أخيرا مع كوريا الشمالية عندما أقدمت الأخيرة على إجراء تجربة القنبلة الهدورجينية والاستعداد لضرب الأراضي الأميركية إذا ما تجرأت أميركا بالاعتداء عليها. أليس هذا ما حصل عندما جاء وقت التوقيع الدوري على الاستمرار بالتزام أميركا الاتفاق النووي مع إيران وقام ترامب بالتوقيع، لأن لا بديل آخر لدى أميركا.
إن المرحلة التي دفعت أميركا إلى الشعور بالعظمة والكبرياء والغطرسة وبالتالي عدم قراءة الواقع جيدا وتجاهل مصالح الدول الكبرى والقوانين الدولية والضرب بها عرض الحائط، وأدت إلى مراهنة المحافظين الجدد، الذين صعدوا إلى سدة الحكم في عهد الرئيس جورج بوش الابن، على تحويل القرن الواحد والعشرين إلى قرن أميركي، إن هذه المرحلة انتهت بعد فشل حرب أميركا في أفغانستان والعراق في تحقيق أهدافها، ونجاح روسيا بالعودة بقوة إلى لعب دورها كدولة كبرى على الساحة الدولية على إثر حضورها العسكري النوعي والاستراتيجي في سورية في مواجهة القوة الأميركية.
انطلاقا من ذلك يصعب القول أن أميركا لاسيما صناع القرار فيها لا يدركون هذه الحقائق. وبالتالي فإن أميركا إذا ما فكرت بالعودة إلى سياسة الحرب فإن النتيجة واضحة ومعروفة من الآن وهي الفشل وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية في أميركا والتي ستؤدي بدورها إلى زيادة حدة الصراع والانقسام الداخلي ومزيد من تراجع قوة أميركا ومكانتها العالمية.
لهذا يصح القول إن التصعيد الأميركي بالعاصفة والحرب أقرب لأن يكون تهويلا وصدى لأزمة أميركا وتخبط سياستها نتيجة العجز وعدم القدرة على فرض سلطانها على العالم. والتي تدلل على أن العالم قد بدأ ولوج مرحلة جديدة على أنقاض انهيار الهيمنة الأحادية الأميركية.