تحرك نواب في الكونغرس لوقف الحرب في اليمن ووساطةٌ روسيّةٌ بين السعوديّة وإيران؟
بقلم / عبدالباري عطوان
كتب ثلاثة نواب في الكونغرس الأمريكي هم رو خانا (ديمقراطي)، وولتر جونز (جمهوري)، ومارك بوغان (ديمقراطي)، مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز، نشر يوم الثلاثاء، عنوانه “أوقفوا الحرب في اليمن” لانها باتت تشكل كارثة إنسانية هي الأسوأ في العالم.
أهمية هذا المقال تكمن في ان اثنين من كتابه (خانا وجونز) عضوان في لجنة الخدمات العسكرية في مجلس النواب ويحظيان بمكانة بارزة في حزبيهما، اما الثالث (بوكان) فهو رئيس مشارك في لجنة أمريكية للحزب الديمقراطي لاختيار الأعضاء.
المقال يوجه نقدا شرسا الى الإدارة الامريكية بسبب مشاركتها في الحرب الى جانب التحالف العربي في اليمن، وبيع المملكة العربية السعودية أسلحة ومعدات وذخائر لمواصلتها، وقصف جوي يؤدي الى قتل الآلاف من الأبرياء، وتجويع الملايين من أبناء الشعب اليمني، ويعتبرون هذه المشاركة الامريكية غير مشروعة وتتعارض مع نصوص الدستور الأمريكي.
ونقل المقال عن وكالة “اسوشيتد برس″ الامريكية وصفها لتنظيم “القاعدة” الذي يزعزع استقرار اليمن بأنه حليف امر واقع للمملكة العربية السعودية وحلفها في الحرب ضد الحوثيين، وقال النواب الثلاثة “ان الحرب في اليمن عززت وجود تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وعمقت من وجود فرع “الدولة الإسلامية” في اليمن”.
هذا التحرك من قبل نواب في “الكونغرس″ هو الأول من نوعه، ويشكل مبادرة لاقناع نواب آخرين بالانضمام الى هذه المجموعة، والتحرك لوقف الحرب فورا من خلال الضغط على الإدارة الامريكية، وطرح مشروع قرار امام المشرعين في هذا الصدد، وحشد اكبر عدد ممكن من النواب للتصويت لصالحه.
لا نستبعد ان ينضم الكثيرون داخل مجلس النواب وخارجه الى هذه المبادرة تأييدا وتصويتا، لان وقف هذه الحرب التي طالت لاكثر من عامين ونصف العام بات فرضا دينيا واخلاقيا وسياسيا وانسانيا، فلا يمر يوم دون ان تقتل صواريخ الطائرات يمنيين أبرياء، وهناك اكثر من مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية وامراضها، وتهدد الكوليرا مليون آخرين، حسب تقارير منظمة رعاية الطفولة الأممية (اليونيسيف)، ناهيك عن اكثر من 17 مليون يمني على حافة المجاعة.
المؤلم ان التحرك العربي والإسلامي لوقف هذه الحرب محدودة وشبه معدوم، على المستويين الرسمي والشعبي، بسبب التضليل الإعلامي، وحجب المعلومات وتواطؤ الكثير من الحكومات مع العدوان.
وساطةٌ روسيّةٌ بين السعوديّة وإيران؟ ما هي فُرص نَجاحِها؟ ولماذا جاءت بعدَ أُسبوعٍ من زيارةِ الملك سلمان لموسكو؟
مَنطقة “الشّرق الأوسط” تَشهد هذهِ الأيام عمليّةَ تغييرٍ “جيوسياسي” ربّما تُصبح العُنوان الأبرز في العُقود القادمة، وبِما يَنسخ كل المُعادلات، ويُؤسّس لنظامٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ جديد.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باتَ “زعيم” المِنطقة، واستطاع في فَترةٍ وجيزةٍ أن يَملأ الفراغ الذي نَجم عن الانسحاب الأمريكي على أكثر من جَبهةٍ، سواء كان نتيجة الهزائم، أو طوعيًّا، بعد تراجع الاعتماد الأمريكي على نِفط الشرق الأوسط بفعلِ النّفط الصّخري المحلّي، أو مصادر أُخرى قريبة، وبُروز قِوى عالميّة وإقليميّة تُنهي الاحتكار الأمريكي لسَقف العالم.
حُلفاء أمريكا التّقليديين في الشرق الأوسط مِثل المملكة العربية السعوديّة، والإمارات العربيّة المتحدة، وتركيا، والأردن، باتت تُظهر رغبةً مُتسارعةً لتَوثيق العلاقات العَسكريّة والاقتصاديّة مع موسكو، والزّيارة الأخيرة التي قام بها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز على رأسِ وفدٍ كبيرٍ، وكانت الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، لم تتمخّض عن صفقاتٍ بعشرات المليارات من الدّولارات فقط، وإنّما شَكّلت أوّل خُطوةٍ حقيقيّةٍ نحو تحالفٍ استراتيجيٍّ بين أكبر دَولتين مُنتجتين للنّفط في العالم، واحدة داخل “أوبك” والثانية خارجها.المُثلّث الأهم والأبرز في المِنطقة حاليًّا يتكوّن من ثلاث دول، هي روسيا وتركيا وإيران، وهو مُثلّث يَعكس خريطة الواقعيّة الجديدة، ويُؤشّر لبداية النّهاية للهيمنة الغربيّة بزعامة أمريكا، فالزّعامة الأمريكيّة تتآكل، وتَقترب من نهايتها، ويَكفي الإشارة إلى أحد الفُصول المُهمّة لزيارة العاهل السعودي لموسكو، وهو توقيع صفقة شِراء وتوطين صواريخ “إس 400″ الروسيّة ذات القُدرات فائقة الدقّة في إصابة أهدافها، ورد الفِعل الأمريكي المُرتبك عليها، أي المُسارعة بالمُوافقة على بَيع الرياض مَنظومة “ثاد” الصاروخيّة الدفاعيّة، وإسقاط الكثير من الشّروط المُرتبطة بها، وبَعد أيّامٍ مَعدودةٍ من هذهِ الزيارة.
الرئيس بوتين يُريد إضافة ضِلع جديد إلى المُثلّث المَذكور آنفًا، وهو المملكة العربيّة السعوديّة، بحيث يَتحوّل إلى “مُربّع″، ولكن هذا الطّموح لا يُمكن أن يتحقّق ويُعطي ثِماره، إلا بعد إصلاح العلاقات بين اثنين من أهم أضلاعه، وهُما المملكة العربيّة السعوديّة وإيران، وإزالة التوتّر في العلاقات بَينهما.
وفي هذا الإطار لم يَكن مُفاجئًا بالنّسبة إلينا ما أعلنه ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، اليوم (الأربعاء) حول استعداد بِلاده للتوسّط لإعادة العلاقات الإيرانيّة السعوديّة إلى صُورتها الطبيعيّة، وقَوله “لقد حاولنا عدّة مرّاتٍ في السّابق جَمع البلدين على مائدة الحِوار، ولكن هذهِ المُحاولات لم تتكلّل بالنّجاح”.
إنّها مُبادرة روسيّة ما كان الرئيس بوتين يُقدم عليها لولا حُصوله على ضُوءٍ أخضر من ضَيفه السّعودي (الملك سلمان) أثناء زيارة الأخيرة إلى موسكو، أو وَجد قُبولاً مَبدئيًّا لمِثل هذا التحرّك على الأقل.
هُناك مَصلحة للبلدين في تَطبيع العلاقات، ولو في حُدودها الدّنيا، ونَزع فَتيل التوتّر في أكثر من مكان، فالعَقبة الرئيسيّة التي وَضعتهما في خَندقين مُتقابلين مُتقاتلين، أي الأزمة السوريّة، تُوشك على الانتهاء، إن لم تَكن قد انتهت فِعلاً.
إيران في قَلب “حَربٍ باردةٍ” مع إدارة ترامب التي تُريد الانسحاب من المَلف النووي، ويُمكن أن تتحوّل (أي الحرب الباردة) إلى ساخنة بل مُلتهبة إذا ما قرّرت هذهِ الإدارة وَضع الحَرس الثّوري الإيراني على قوائم الإرهاب الأمريكيّة.
المملكة العربية السعوديّة في المُقابل تَخوض حَربًا دمويّةً بلا قاع في اليمن، باتت تَكلُفتها الماليّة والبشريّة عالية جدًّا، وتُسبّب لها حَرجًا دوليًّا يَهز صُورتها في المِنطقة والعالم، ولَم تَنجح مُطلقًا في حَسمها عَسكريًّا، ولم يَعد أمامها من خياراتٍ غير طَرق أبواب عِدّة من بَينها الباب الإيراني الدّاعم الأبرز للتيّار الحوثي، وهُناك جهات عديدة، من بَينها السيد إسماعيل ولد الشيخ المَبعوث الدّولي، نَصحت الرّياض بهذا التوجّه، وقد زار السيد ولد الشيخ طهران أكثر من مرّة، فإذا كانت إيران ليس لها علاقة بهذا المَلف فلماذا يَزورها؟القيادة السعوديّة بَدأت تُجري مُراجعاتٍ مُهمّةٍ للكثير من سياساتها ومَواقِفها في الأعوام الثلاثةِ الماضية، بسبب خَيبة أملها من الحليف الأمريكي في أكثر من جبهةٍ، وآخرها الخِلاف مع دولة قطر، وانعكست هذه المُراجعات على صَعيد السياسة الخارجيّة بزيارة العاهل السعودي لموسكو قبل واشنطن، وشِراء أسلحةٍ روسيّة، والانفتاح الأوّلي المُتوقّع على الوساطة الروسيّة لتَطبيع العلاقات مع إيران.
لا نُريد التسرّع وإطلاق أحكامٍ جازمةٍ تُجاه هذهِ المُبادرة الروسيّة الجديدة، لأن أطرافًا خارجيّةً، وأمريكا على وَجه الخُصوص، سارعت بإجهاض مُبادراتٍ مُماثلةٍ، تَمثّلت آخرها في الاتفاق على تبادل الوفود الدبلوماسيّة بينهما لتفقّد السّفارات، وجاءت في إطار انفتاحٍ سُعوديٍّ على حُلفاء إيران في العراق وقِيادات الطائفة الشيعيّة تحديدًا.
حَرب اليمن هي المَأزق الأكبر الذي تَعيشه السعوديّة حاليًّا، وطَوق النّجاة ربّما يُوجد في موسكو التي تَرتبط بعلاقةٍ قويّةٍ مع إيران وأطراف الصّراع الأُخرى في اليمن، فهَل تَفعلها؟ وتَلتقط هذهِ اللّحظة التاريخيّة، وتتحلّى بالبراغماتيّة السياسيّة المَطلوبة؟
نَترك الإجابة للأيام والأسابيع المُقبلة انتظارًا للرّدود الإيرانيّة والسعوديّة على هذهِ المُبادرة الروسيّة “غير المُفاجئة”، وربّما المَدروسةِ جيّدًا.