لماذا يحذر اردوغان من “مؤامرة” زاحفة الى بلاده يقودها “لورانس عرب” جديد؟
بقلم / عبدالباري عطوان :
هل ستنجر تركيا الى حرب في كردستان العراق تكون مصيدة أمريكية لاستنزافها؟
ادلى الرئيس رجب طيب اردوغان بالعديد من التصريحات منذ يوم الاثنين الماضي، موعد الاستفتاء الذي اصر على اجرائه السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، لكن اخطرها في نظرنا اعترافه الذي ورد في كلمة ادلى بها اثناء حفل تخريج دفعة من ضباط الشرطة، بأن بلاده تركيا مستهدفة بـ”مؤامرة”، وان الاحداث التي تشهدها سورية والعراق والمخططات التي تنفذ عبرها ليست بمعزل عن تركيا.
وأضاف “الهدف من انشاء دولة مستقلة في كردستان العراق هو تقديم العون لمن يريدون تمزيق وحدة الشعوب واحداث صراعات لا نهاية لها في المنطقة بأسرها”.
تركيا في اعتقادنا هي المستهدف الأكبر من مشروع احفاد لورانس العرب الجديد، لانها تشكل المستودع الاضخم للامة الكردية اولا، ولأنها القوة الإقليمية العظمى التي ظلت متماسكة، ولم تصل اليها اذرع المؤامرة الامريكية التفتيتية التي مزقت العراق وسورية ثانيا، ولأنها شقت عصا الطاعة مع أمريكا والغرب عموما، واسست حلفا استراتيجيا مع الداهية بوتين ثالثا.
الرئيس اردوغان لوح باللجوء الى الخيار العسكري ضد إقليم كردستان، وقال بالحرف الواحد، “يمكن ان تصل قواتنا الى شمال العراق في ليلة ليس فيها قمر”، واكد انه “في اللحظة التي ستغلق فيها الحدود لن يجد الاكراد ما يأكلونه او يشربونه”، ولكن هناك سؤالين، الأول، هل يمكن ان ينفذ الرئيس اردوغان تهديداته هذه؟، وهل يسمح له العالم الغربي الذي يقف خلف هذه المؤامرة بتجويع اكثر من خمسة ملايين كردي؟
نقطة ضعف التحالف الرباعي المضاد للاستفتاء الكردي (العراق ايران، تركيا، سورية) هي تركيا، والرئيس رجب طيب اردوغان نفسه، لان هذا الرجل يتمتع بأعلى درجات “البراغماتية”، ويمكن ان يتنصل من كل هذه التهديدات اذا ضمن مصالح بلاده، وابرزها العوائد التجارية، والحفاظ على الوحدة الترابية التركية، فهو يميل دائما حيث تميل رياح هذه المصالح، والامثلة كثيرة لا يتسع المجال لحصرها.
السيد البارزاني الذي اقدم على مقامرة الاستفتاء هذه يدرك هذه الحقائق جيدا، ولهذا بادر بإعطاء حديث الى واحدة من الصحف التركية المقربة منه “تركيا” نشرته اليوم، قال فيه “لا نريد دولة مستقلة تقود الى الحرب، ونريد حل المشاكل بالحوار، وان هذا الاستقلال ليس الهدف منه تهديد الامن القومي لتركيا، وليس من مصلحة تركيا ولا إقليم كردستان اغلاق الحدود، فالتبادل التجاري بين الجانبين وصل الى 10 مليار دولار، وكان من المقرر ان يصل الى 16 مليار دولار بنهاية العام الحالي” انه، السيد البارزاني، استخدم اللغة التي يفهمها الرئيس التركي جيدا.
الحدود التركية مع شمال العراق لم تغلق حتى كتابة هذه السطور، أنبوب النفط الذي يعتبر شريان الحياة للإقليم ما زال مفتوحا، ويضخ النفط بمعدلاته الطبيعية الى ميناء جيهان، ومنه الى دولة الاحتلال الإسرائيلي الذي تستورد ثلاثة ارباعه (500 الف برميل يوميا).
ما قاله السيد بن يلدريم، رئيس الوزراء التركي مخاطبا مواطنيه اليوم بأن عليهم ان لا يقلقوا لان تركيا لن تقوم بشن أي حرب في المنطقة، وعلى إقليم كردستان خصوصا، ربما الأكثر تجسيدا للموقف التركي الحقيقي في هذه الازمة.
تركيا تخوض جميع حروبها في المنطقة بالإنابة، وتتجنب بقدر الإمكان الزج بقواتها في حروب مباشرة، الا بما ندر، وعلى نطاق ضيق، مثلما حدث في شمال غرب سورية، ومدينة الباب تحديدا، وتترك هذه المهمة لحلفائها الآخرين، ولا نستبعد ان يكون هؤلاء هم العراقيون والايرانيون هذه المرة.
الحذر مطلوب، وتجنب الحروب خيار حكيم وآمن، اذا لم تكن له تبعات اخطر على الوحدة الترابية لمن يقدم عليه، ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة.
الدولة، او الدول الكردية المستقلة التي تتبلور تدريجيا، ستكون ذات حدود مفتوحة، وقابلة للتمدد، تماما مثل حدود إسرائيل، الدولة الوحيدة التي تجاهر علنا بتأييدها وتعمل من اجلها، وقد تكون الأراضي التركية هي اللقمة الأكبر التي سيتم ابتلاعها.
ليت الرئيس اردوغان تنبه الى مخاطر هذه المؤامرة التي حذر منها قبل سنوات، وتجنب توريط بلاده والمنطقة فيها، لان المؤشرات تقول ان تركيا والعراق وايران ربما تكون ساحة احدث فصولها وامتداداتها الجديدة، فإسرائيل التي تقف خلفها بقوة، مثلما وقفت خلف تقسيم السودان، ودعمت سد النهضة الاثيوبي لتعطيش مصر وتجويعها، لا يمكن ان تنسى ان تركيا دولة مسلمة، وصلت قواتها الى فيينا، ورفض سلطانها عبد الحميد قيام دولة لليهود في فلسطين.
اتفاقية سايكس بيكو التي جرى توقيعها قبل مئة عام وفتتت الدولة العثمانية، تتعرض حاليا لعملية “تصحيح”، وبما يؤدي الى تطبيق معاهدة سيفر عام 1920 التي أعطت للاكراد دولة قومية في الدول الأربع، واجهضها كمال اتاتورك، واستبدلها بمعاهدة لوزان عام 1923 التي نسختها استرضاء له وتركيا “الحديثة”، بصورتها وحدودها الحالية، فهل يتصدى اردوغان لـ”المؤامرة التصحيحية” الجديدة التي تحدث عنها؟