كيف تشارك فرنسا في الحرب والحصار على اليمن ؟
شهارة نت – تقرير :
تتواصل منذ أكثر من سنتين حرب تقودها أغنى بلدان الشرق الأوسط ـ إن لم تكن الأغنى في العالم ـ ضد أفقرها في جو واسع من عدم الاكتراث السياسي والإعلامي. فقد شنت في 26 مارس 2015 السعودية متبوعة بعشر دول عملية عسكرية جوية في اليمن ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وإذا كانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة محط اتهام بشكل منتظم بالتواطؤ في جرائم حرب بسبب تزويدها السعودية بالأسلحة، التي هي على رأس تحالف يجمع عشرة جيوش، فقد بقيت فرنسا بمنأى عن الإدانة، مع أن لباريس تقليدا طويلا من الشراكة مع المملكة والعديد من حلفائها.
ففي نهاية القرن الماضي رغبت فرنسا في التوجه أكثر نحو بلدان الخليج قصد زيادة صادراتها من الأسلحة. وقد فتحت السلطات الفرنسية قاعدة عسكرية في أبو ظبي حيث كانت تتم استعراضات للمعدات، وذهبت إلى حد المراهنة باستقلالها السياسي في سعيها لبيع الأسلحة.
وفي 2016 كانت حوالي 50 % من الطلبيات المسجلة لدى فرنسا تأتي من بلدان الشرق الأوسط. ويعد النظام السعودي أول الزبائن حيث اشترى أسلحة بما قيمته 9 مليارات يورو بين 2010 و2016.
ويمثل هذا بين 15 و20 % من صادرات فرنسا من الأسلحة سنويا. ويتكيف هذا السلاح بصفة سهلة مع ظروف اليمن حيث تم تصميمه وفق حاجيات بلدان الشرق الأوسط الذي يجمع في نفس الوقت زبائن أغنياء وبلدانا في حالة حرب أو عدم استقرار دائم.
ووفقا لمعلومات غير منشورة لمرصد الأسلحة تكون فرنسا والسعودية قد قامتا بتحويل عقد موجه إلى لبنان أساساً قصد التحضير للحرب في اليمن.
سوق رابحة
أدت غارات التحالف – بما فيها التي ترقى إلى جرائم حرب، حيث تمكنت السعودية من منع الأمم المتحدة من التحقيق فيها- إلى مقتل عشرة آلاف مدني وفق المعطيات المتداولة منذ يناير 2017 في حين تبقى الحصيلة الحقيقية غير معروفة. وتتحدث منظمات غير حكومية ومنظمة الأمم المتحدة عن أوبئة المجاعة والكوليرا والآلاف من الجرحى والمهجرين.
وهي كارثة تسبب فيها الإنسان وحده كما يذكر ذلك آخر تقرير للأمم المتحدة. وفضلا عن هذه الخسائر البشرية سجل تدمير جزئي للمدينة القديمة لصنعاء المصنفة ضمن التراث العالمي للإنسانية وتوسع نشاط القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وكما كتبت أبريل لونغلي من مجموعة الأزمات الدولية: “أصبحت القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقوى من أي وقت مضى، ففي حين يحظى تنظيم داعش بالعناوين الكبرى، تبقى القاعدة أنموذجا للنجاح، وتمكنت من استغلال اقتصاد حرب مزدهر”.
فقد أغرقت السعودية اليمن ببنادق هجومية من نوع “ستير أوج” وصل جزء منها إلى أيادي تنظيم القاعدة الذي أعلن أحد القتلة الذين هاجموا مجلة شارلي إيبدو انتماءه إليه.
مما يطرح مسألة تحويل الأسلحة لصالح الجماعات الإرهابية. وبإمكان السعودية الدائنة لبعض هذه البلدان جرها إلى الحرب، والأسلحة التي يتم بيعها لحلفائها يمكن أن يعيروها لها أو يتم استعمالها في أهدافها العسكرية.
وتشير منظمة العفو الدولية بأن “فرنسا منحت أكثر من 16 مليار يورو من الرخص للسعودية وحدها سنة 2015 وسلمت لهذا البلد ما قيمته 900 مليون يورو من التجهيزات العسكرية في السنة نفسها، ولم تصرح الحكومة إطلاقا خلال السنتين الأخيرتين بأنها رفضت أو ألغت أو جمدت تراخيص تصدير.
السعودية.. الزبون المدلل
تعكس السهولة التي تتكيف بها شركات الأسلحة الفرنسية مع الطلبيات السعودية العلاقات الوطيدة والقديمة بين البلدين. وإذا كان من الصعب الحصول على معلومات دقيقة في هذا الموضوع الشديد الغموض فإن المصادر تؤكد أنه: ـ فور بداية الحرب في اليمن قام الجيش الفرنسي بعمليات استطلاع جوي فوق مواقع الحوثيين وحلفائهم لحساب الزبون السعودي وهو مازال يقوم بتكوين طياريه وفقا لمجلة “ام تي اي”.
ـ قامت فرنسا أيضا بتحويل تجهيزات من نوع طاليس ديموقليس للقنابل الموجهة التي تضعها القوات السعودية تحت طائراتها الحربية، ومع ذلك فإن هذا الجهاز المساعد على دقة التسديد على الهدف لم يمنع من وقوع “الأخطاء الدامية”.
ـ بعد ثلاثة أشهر من بداية الحرب تم تسليم طائرة ممونة من طراز أيرباص 330ـ 200 أم أر تي تي إلى السعودية وهي الأخيرة من أسطول مكون من 6 طائرات، وفي أبريل 2016 تم استعمال اثنتين من هذه الطائرات في اليمن.
وهي طائرات ضرورية في الحرب الدائرة حيث تقوم بتموين الطائرات الحربية السعودية أف 15 بالوقود أثناء الطيران. ـ تم تحويل مدافع قيصر 155ملم للشركة الفرنسية نيكستر وطائرات عمودية للنقل كوغار من المجموعة الأوروبية (شركة الصناعات الفضائية والدفاعية الأوروبية المتعددة الجنسيات) وطائرات استعلامات حربية بدون طيار من الشركة الفرنسية ساجام.
ـ سلمت فرنسا 276 مدرعة خفيفة في سنة 2016، وفقا لتقريرها الذي سلم في يوليو 2017 إلى أمانة معاهدة تجارة الأسلحة.
ووفقا لمعلوماتنا فهذه الدفعة، المشكلة في جزء كبير منها من مدرعات خفيفة من رونو شاربا لايت وفاب مارك 3 من مجموعة رونو لشاحنات الدفاع، كانت أصلا موجهة إلى لبنان. ففي فبراير 2016 وأمام فشل حملات القصف الجوي ارتكز التحالف على ميليشيات محلية مزودة بمركبات خفيفة إماراتية نمر لمحاولة طرد قوات الحوثيين وحلفائهم.
وكان وصول المركبات المدرعة الخفيفة الفرنسية التي تتسلل بسهولة في الشوارع العربية الضيقة يندرج تماما في استراتيجية الثورة المضادة هذه على الأرض.
وهي مدرعات شاربا لايت مزودة بأحدث أجهزة الاستشعار التي توفر حماية ضد القنابل المرتجلة التي تضعها قوات الحوثيين وحلفائهم. ـ كما يستعمل التحالف زوارق صغيرة للمراقبة دعما للسفن الحربية في إحكام الحصار على البلاد.
وإذا كانت الشركة الفرنسية كواش قامت بوقف تسليم اثنين من زوارق التفتيش السريعة الموجهة إلى اليمن بسبب الحظر، فإنها قامت بتسليم سفن شركة مار إ مارين.
ووفقا لصحيفة “ويست فرانس: كانت هناك 39 نسخة من هذا النوع من السفن موجهة إلى الرياض وكان العقد قيد الاكتمال في ديسمبر 2016.
ـوقصد إحكام الحصار الذي يجوع السكان يستعمل التحالف سفن كورفيت بينونا المسلَّمة للإمارات كما أشار ناداف بولاك وميكائيل كنايتس في تقريرهما (عمليات التحالف الخليجي في اليمن.. الجزء الثالث: الحصار البحري والجوي).
عندما دخل أسطول السعودية في عملية صيانة في مارس 2016 خلفته البحرية الفرنسية لضمان مواصلة الحصار كما أشارت رسالة المحيط الهندي. ـ وأخيرا تم تسليم الرياض 745 بندقية رمي دقيقة التصويب في عام 2015 و 500، عام 2016 حسب تقارير البرلمان حول صادرات الأسلحة ما بين 2016 و 2017.
أسلحة موجهة إلى لبنان تذهب إلى اليمن
وكان جزء من هذه الأسلحة موجها أصلا إلى الجيش اللبناني في إطار عقد “دوناس” (جزء من هذه الأسلحة كان مخصصاً في الأساس للبنان ولقد تم التوقيع على العقد بين باريس والرياض سنة 2014 بقيمة 3 مليارات يورو، وينص العقد على تسليم القوات المسلحة اللبنانية هذه التجهيزات الفرنسية التي اشترتها السعودية، على أن تسدد المملكة فاتورة 2.2 مليار يورو).
والسبب الذي قدم كتبرير لهذا التحويل هو محاربة تنظيم داعش والحرب في سوريا، وكانت فاتورة 2.2 مليار يورو تقع على عاتق السعودية.
وقد أدى هذا العقد الذي كان يعمل عليه الصناعيون منذ 2011 إلى عملية تسليم أولى في أبريل 2015 ولكن تمت إعادة النظر فيه في ظل نزاع مع الشركة الفرنسية الوسيطة أوداس.
وبعد ستة أشهر من ترسيم العقد شنت السعودية هجومها ضد اليمن. وتساءل صناعيون في الأسلحة اتصل بهم مرصد الأسلحة إن كان قد تم حبك العقد تحسبا لهذه الحرب، ولكي يتم تكييف تجهيزاتهم مع الظروف المحددة من طرف البلد المستورد يتعين على شركات التسليح احترام اتفاقيات الحلف الأطلسي.
ويقول أحد الصناعيين الذي طلب عدم ذكر اسمه ” ابتداء من 2015 بدأنا اختبار المعدات التي ينص عليها عقد دوناس. ومما أدهشنا أنه طلب منا تكييف العتاد مع ظروف لا تتوافق مع لبنان. وبالتالي فهمنا أننا كنا نعمل على عتاد سيوجه للخدمة في اليمن”.
ويضيف: “في أبريل 2017 تم تحويل 80 % من العتاد الموجه إلى بيروت والذي كان محل طلبية حاسمة من السعودية لصالح قواتها. وتم تسليم 95 % منه للاختبار أو سُلم بشكل نهائي.
فبإحداث ضبابية حول من هو المستفيد النهائي من عقد دوناس وهل تم تسليم الأسلحة أم لا، تقوم فرنسا بتمييع مسؤولياتها وتحويل الأنظار عن الإشكالات المرتبطة باستعمال هذه الأسلحة.
ومن ضمن العتاد المستعمل في اليمن هناك مدرعات لوكليرك الإماراتية، وقد تفاخر ضباط فرنسيون كبار بالأداء غير المسبوق للعتاد الفرنسي في الميدان على قناة ال سي آي. كما استعملت طائرات ميراج 2000 إماراتية وقطرية ما تزال فرنسا تقوم بصيانتها وتحديثها وتزويدها بالقنابل.
والطائرات الهجومية هذه موجهة للقصف وقد أعربت القوات الإماراتية عن عدم رضاها عن القدرة المتدنية لهذه الطائرات في حمل الذخيرة، كما أشار أر كوسموس.
وبعد عام من بداية الحرب التي أرادها أمير شاب في 31 من العمر، هو محمد بن سلمان الباحث عن شرعية بعد أن عُين وزيرا للدفاع والذي أصبح الآن وليا للعهد، يبدو الفشل واضحا.
فخط الجبهة لم يتحول، كما استحدثت جيوب جديدة للمقاومة في حين يعاني الاقتصاد وكذا المواطنون السعوديون من نتائج هذه الحرب. وفي الوقت نفسه أدانت منظمات دولية لحقوق الإنسان، العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، جرائم حرب التحالف. ففي فبراير 2016 ونتيجة لضغوط من الشبكة الأوروبية ضد تجارة الأسلحة والذي يعد مرصد الأسلحة عضوا فيها والمنظمة غير الحكومية البريطانية سايفر وورد صادق البرلمان الأوروبي على لائحة تطالب بحظر أوروبي لبيع الأسلحة إلى السعودية.
وبالرغم من ضغوط حكومة مانويل فالس صادق النواب الاشتراكيون على النص. غير أن فرنسا لم تعد النظر في سياستها. فقد قام فرانسوا هولاند في 4 مارس 2016 سريا بتقليد وسام الشرف لولي العهد السعودي آنذاك محمد بن نايف.
فالدعم الفرنسي للعمليات السعودية هو بالتالي عسكري ولوجيستيي وسياسي مما يفسر صمت الدبلوماسية الفرنسية حيال ما يجري في اليمن، فمسؤوليتها في التواطؤ مع الجرائم المقترفة هناك ليست مطروحة بعد.
ولم يحرك البرلمانيون الفرنسيون ساكنا حيث لم تستحدث أية لجنة تحقيق برلمانية، في الوقت الذي تطالب فيه المنظمات غير الحكومية والجمعيات الدولة الفرنسية بالوقف الفوري لكل المعاملات مع أطراف النزاع وفرض رقابة برلمانية على بيع الأسلحة.
في 16 سبتمبر 2015، أي تسعة أشهر بعد بداية الهجوم أشاد صناعيو الأسلحة المشاركون فيها بالمبيعات القياسية خلال مؤتمر نظم في السوربون حول “الصناعات الدفاعية أمام الرهانات الدولية”.
وأعربت باسكال سوريس المديرة العامة المكلفة بالتنمية الدولية لمجموعة تالاس، والتي تعد وزارة الدفاع الفرنسية زبونها الأول، عن ارتياحها لمكانة سوق “لا تتقلص على الإطلاق” وعن “سنة استثنائية” من المبيعات.
وتعد فرنسا منذ سنوات عدة أحد أكبر بائعي الأسلحة في العالم واحتلت مرتبة ثالث مصدر للأسلحة في سنة 2017. ونفس الارتياح لوحظ خلال الصالون الدولي للدفاع والأمن ” أورو ساتوري” لسنة 2016 الذي نظم بباريس وقد زار آنذاك ايمانويل ماكرون جناح طاليس.
وعلق ايتيان دو دوروند مندوب السياسة والاستشراف في مجال الدفاع بالمديرية العامة للعلاقات الدولية والاستراتيجية بوزارة الدفاع بتهكم في جامعة السوربون: “بيع الأسلحة ليس كبيع الأحذية”. وخاصة أننا نعرف من خلال لقاء جمع حوالي عشرة صحفيين بالسفارة السعودية بباريس يوم 22 مارس الماضي والذي دعيت إليه أيضا مجلة أوريون 21 لمّح فيه جنرالات وممثلو السعودية، إلى أنه ليست لديهم أدنى فكرة عن مآل هذه الحرب ولا عن الاستراتيجية المتبعة للخروج من المأزق.