المشهد السياسي في ألمانيا بعد الانتخابات، قراءة في النتائج والتحديات
شهارة نت – برلين :
بالرغم من تمكن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من الفوز على جميع منافسيها في الانتخابات الفدرالية، الى أن ميركل منيت هنا بفوز بطعم الخسارة خاصة بعد أن قرر شريكها في الحكم الحزب الديمقراطي الاشتراكي الخروج من الائتلاف والتحول لقيادة دفة المعارضة.
حيث شكلت نتائج الانتخابات التي اعلن عنها يوم الاثنين الماضي ضربة كبيرة لأنغيلا ميركل التي تمكن حزبها (الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU/CSU)،وهو تحالف سياسي من حزبين سياسيين، الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي في ولاية بافاريا (CSU)، من الفوز بـ 33% من الأصوات ولكنها خسرت أكثر من 7% عن جولة الانتخابات الماضية وهي أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية،رغم ارتفاع نسبة الناخبين (75 %) التي شكلت معضلة للأحزاب التقليدية في ألمانيا، ووسيلة لوصول احزاب صغيرة الى قبة البرلمان لأول مرة في تاريخها.
قراءة سريعة فيما افرزته الانتخابات التشريعية الألمانية الأخيرة:
-في البداية وكما ذكرنا سابقا فان ائتلاف ميركل رغم تفوقه على منافسيه ولكنه تلقى خسارة كبيرة وأصبح عاجزاً عن تشكيل الحكومة بمفرده، ونجحت الحملة الأعلامية التي شنها منافسوه والبروباغندا التي رافقت الانتخابات خاصة فيما يتعلق بسياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين وتحذير اليمين المتطرف منهم ومن انتشار الاسلام في المانيا نجحت على ما يبدو من خفض شعبية المستشارة الألمانية وحزبها أمام ناخبيها.
-من ناحية ثانية سيقوم الاتحاد الديمقراطي المسيحي بترشيح انغيلا ميركل لتشكيل حكومة ولكن لن تكون مهمة ميركل في جمع المتناقضات سهلة، فالانتخابات أفرزت مشهد سياسي هو الأول من نوعه في تاريخ ألمانيا الحديث، اذ ستشارك لأول مرة ستة أحزاب في المجلس النيابي، من بينها ما هو أقصى اليسار وماهو أقصى اليمين، بالاضافة الى المحافظين والليبراليين والاشتراكيين، وعليه فان كثرة الأحزاب وصغر حجم تمثيلها تحت قبة البرلمان وكبر حجم مطالبها ستزيد صعوبة تشكيل ائتلاف حكومي جديد بزعامة ميركل، بالاضافة الى جملة من المعوقات الأخرى نستعرضها كما يلي:
أولاً: تخلي SPD عن ميركل والانتقال الى المعارضة
لعل أكبر مشكلة تواجه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل انفراط عقد تحالفها السابق مع حزب الاشتراكيين الديمقراطيين” SPD “، الذي أعلن رئيسه الجديد مارتن شولتز نيته حجز مقاعده في الطرف المعارض لميركل هذا المرة، بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات الاخيرة انخفاض شعبيته بأكثر من 5%، ولم يستطع تحقيق أكثر من 21% من اصوات الناخبين وهذا ما يضعف موقعه في ائتلاف حكومي جديد مع اتحاد المسيحيين الذي تتزعمه ميركل ، بل يهدّد بذوبانه نهائيا خلال أربع سنوات تالية، كما يرى خبراء الحزب.
ثانياً: معارضة يمينية مثيرة للمتاعب ودخول AFDالى قبة البرلمان
من جهة أخرى تمكن حزب البديل لأجل ألمانيا “ für Deutschland Alternative “من دخول قبة البرلمان وأصبح القوة السادسة في البلاد، وحقق القوميون نجاحا تاريخيا في الانتخابات الفيدرالية وسيصبح هذا الحزب القومي الشعبوي الذي يعد امتدادا للأحزاب القومية في أوروبا ورقة ضغط اضافية على المستشارة آنغيلا ميركل، الذي توعد مرشحه، ألكسندر غاولاند، بمطاردة “السيدة ميركل وسنغير دولتنا“، واعتمد نجاح حزب البديل، الصاعد على استخدام خطاب الإسلاموفبيا، منذ تأسيسه سنة 2013 بعد استغلاله القلق المسيطر من التحولات العالمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديموغرافية، ورفع الحزب بشكل علني الدعاية التي تحرض على المسلمين والحجاب، في سابقة هي الأولى من نوعها داخل المجتمع الالماني.
ثالثا: ائتلاف جاميكا غير متجانسة بوجود FDP و Die Grünen
قبل الاعلان عن نتائج الانتخابات كانت ميركل تأمل في تشكيل ائتلاف مع “الحزب الديمقراطي الحر” (FDP)، وهو الشريك الليبرالي التقليدي للاتحاد الديمقراطي المسيحي، لكن تلقت هذه الأحزاب مجتمعة أقل من 45% من مجموع الأصوات، وهي نسبة غير صالحة لتشكيل حكومة أغلبية. لذلك يبدو أن ائتلاف الأغلبية الصالح الوحيد الآن هو بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، وهذا التحالف التي اسمته الصحافة الألمانية ” ائتلاف جامايكا” فى إشارة إلى توافق الألوان المرتبطة بالكتل الحزبية الثلاث – وهى الأسود والأصفر والأخضر – وألوان علم جامايكا، يعاني هو الاخر من مشاكل هو الأخر خاصة مع اعلان كتلة “حزب الخضر”” Bündnis 90/Die Grünen“ ورئيسته، زيمونه بيتر، الذى حاز على حوالى 9%، نيتها الانتقال مع حزب الاشتراكيين الديمقراطيين إلى صفوف المعارضة، نظرا لخلافاتها مع شركاء ميركل بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة فيما يتعلق بموضوعي الهجرة والأمن الداخلي، اذا يصر الديمقراطيين الأحرار (FDP) الذى حقق حوالى 10٫7% من الأصوات، على وضع حد اقصى للاجئين، في حين يرفض الشريك الاساسي “حزب الديمقراطي المسيحي” (الذي تنتمي ميركل اليه) وكذلك “حزب الخضر” الشرط الذي يضعه في حق اللاجئين، بل يذهب حزب الخضر المناصر للبيئة اكثر من ذلك في طلباته ويطالب بمكافحة تغير المناخ وتجاوز الأزمة داخل الاتحاد الأوروبي، وبالاضافة الى جلب عوائل جميع المهاجرين في المانيا، حيث يعتبر أن سياسته قائمة على حماية اللاجئين وحقوق الإنسان، لذلك ينبغي جلب أسر اللاجئين المعترف بهم، وعليه فان ميركل سترى نفسها مجبرة على تشكيل حكومة من ائتلاف ثلاثي مختلف التوجهات “محافظ وليبرلي وحزب الخضر”، وهو ما قد يعصف بالحكومة فيما لو تم تشكيلها بهذا الطريقة نتيجة اختلاف شديد في الرؤى السياسة، وبالتالي فان ائتلاف ميركل سيكون في أحسن الأحوال غير عملي وغير قادر على اتخاذ قرارات مهمة في ظل تلك لاحكومة الغير متجانسة.