خلافات سعودية إماراتية من منظور أيديولوجي
شهارة نت – متابعات :
المحلل السياسي السعودي محمد القحطاني قد ناقش في مقال نشره في “تونس الأن” قضية الخلافات الكامنة بين أبوظبي والرياض. بناء على هذا المقال يرى المتابع للعلاقات التي تربط كلا من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أن العلاقات القائمة بين هاتين الدولتين تتسم بالغموض الذي ينبعث من التقاطعات والانقسامات السياسية المسيطرة على مواقفهما الإقليمية والدولية.حيث تتجلي التقاطعات في ملفات بما فيها التصدي للإخوان المسلمين واللإطاحة بجماعة أنصار الله الحوثية وعرقلة مخططات توسعية لبعض الدول الشرق الأوسطية والاتفاق على ضرورة تسوية القضية الفلسطينية. هذا وتتجسد الانقسامات بينهما حول قضايا عديدة بما فيها الخلافات الأرضية والأيديولوجية كما تتعارض مصالحهما فيما يخص مستقبل اليمن بوابة باب المندب وقنال السويس الإستراتيجي. في هذا المقال سنستعرض لمحة عن الخلافات القائمة بين أبوظبي والرياض محاولين تسليط الضوء على الجانب الأيديولوجي والعقائدي منها.
يخرج الغول من مصباحه بعد وفاة الشيخ زايد
إن الإمارات العربية المتحدة أيام تولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كانت تتبنى سياسة محايدة في السياسة الخارجية وعدم الخوض في ملفات من شأنها المساس بعلاقاتها الحسنة مع أي دولة في العالم. في هذه الفترة كانت سياسة الإمارات العربية المتحدة مرتكزة على تقديم المعونات الإنسانية للمنكوبين في أنحاء العالم من الفلسطين إلى بوسنة وهرسك حتى يتم رسم صورة أفلاطونية من هذه الدولة الناشئة حيث قدم صندوق أبوظبي للتنمية خمس مليارات وأربع مائة ألف دولار أمريكي لهيئة المساعدات إلى خمس وخمسين دولة. كما ان أبوظبي في هذه الفترة تمالكت نفسها من إثارة ملفات تخص سيادتها الأرضية ضد المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان فإنها كدولة حديثة كانت في أمس الحاجة إلى الاستقرار الداخلي والاعتراف بها دوليا. إلا أن الاعلام الإماراتي ما كاد يعلن وفاة الشيخ زايد بن سلطان حتى انقلبت هذه السياسة رأسا على عقب بتولى نجله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان دفة الحكم في الإمارات فالأخير فور اعتلاءه العرش أعلن للمملكة العربية السعودية عن ضرورة عودة الأمور إلى نصابها من خلال إعادة النظر في الاتفاقية الحدودية بين البلدين والتي وصفها حكام الإمارات الجديدة “بالظالمة”!
اتفاقية 1974 بركان يكاد ينفجر!
وقعت الإمارات بعد استقلالها من الانتداب البريطاني عام 1974 اتفاقية أرضية عرفت باتفاقية جدة والتي لا تزال تثير الجدل في العلاقات بين هاتين الدولتين حيث أن السعودية اشترطت على الإمارات التوقيع على هذه الاتفاقية حتى يتسنى الإعتراف بها كدولة مشروعة ففي الحقيقة كان الرهان في محله والإمارات كانت تحتاج إلى اعتراف الدول الخليجية بها لضمان استقرارها الداخلي فحسب رواية الإمارات “هذه الظروف الاستثنائية” جعلتها أن تخضع رغم أنفها لمنح السعودية في “غبن واضح”80% من آبار الشيبة النفطية وخور العديد كما رضخت لامتلاك السعودية الساحل الذي يفصل بين قطر والإمارات لضمان الحيلولة دون وحدتهما التي تكسر من هيمنة المملكة العربية السعودية على دول الخليج العربي.
في عام 1999 قاطعت الإمارات العربية المتحدة مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي احتجاجا على ما سمته “نكث عهد المملكة في إعطاء الإمارات حقها من عائدات النفط الحاصلة في شيبة” وهذه المقاطعة لها براهين اقتصادية قوية حيث أن انتاجية النفط في هذه الأبار تبلغ مليون وثلاث مأئة ألف برميل يوميا ولا يخفى أن هذه العائدات تدر على الاقتصاد السعودي بمرأي من السلطات في أبوظبي فلا غرو أن تعتبر صحيفة غارديان الإنجليزية هذا الحقل “أقرب في قيمته إلى منجم الذهب منه إلى حقل النفط”.
هذه الأزمة تجاوزت ذروتها عام 2009 في تصعيد عرف بـ”حصار سعودي بري على الإمارات” وشهدت العلاقات مرحلة صعبة للغاية عندما أطلق زورقان تابعان للإمارات النار على زورق تابع للبحرية السعودية في خور العديد مما إدى إلى احتجاز إثنان من أفراد حرس الحدود السعودي.
تحاول الإمارات بسط نفوذها في العالم العربي
ما إن تلفظ الشيخ زايد بن سلطان أنفاسه الأخيرة حتى أطلق خلفاءه مشاريعهم التوسعية للحد من نفوذ المملكة العربية السعودية في العالم العربي شرقه وغربه وحاولت الإمارات العربية المتحدة من خلال إجهاض الثورات العربية في كل من تونس ومصر واليمن أن تنقذ نفسها من الموجات المتتالية لهذه الثورات وأن يحل حلفاءها والموالين لها في أنظمة الحكم في هذه الدول إلا أن الأمر بدأ يشهد المزيد من التصاعد عندما انقسمت الإمارات والسعودية على تقسيم “كعكة عدن”.
عدن بوابة قنال السويس
إن اليمن قد تحولت حاليا إلى واجهة من الصراع السعودي – الإماراتي على النفوذ حيث أن أبوظبي ترى في الاستئثار بميناء عدن ممرا حيويا لتحقيق مخططاتها المستقبلية ومن ثم تعادي كل من يحاول السيطرة على هذا الميناء الاستراتيجي حيث تشهد العلاقات بين البلدين أجواء من التوتر والجانبان بدءا بعمليات التصفية عبر أياديهما لا سيما الإمارات والتي ترى في قيادة حزب الإصلاح الذراع اليمني لجماعة إخوان المسلمين عدوا لدودا لتحقيق أجندتها الإقليمية.
في الإطار نفسه بدأت الإمارات عملية الرمح الذهبي دون أن تساهم حزب الإصلاح كشريك المملكة العربية فيها فزحفت على الشواطئ الغربية ساعية معلنة عدائها السافر لما يسمى بمقاومة تعز لترضخ المملكة لما تمليه أبوظبي وتخفف من دعمها الكبير لجماعة الإخوان فرع اليمن. هذا وقيام عبد ربه منصور الهادي الرئيس اليمني بإقالة خالد بحاح المحسوب على مخيم الإمارات وتعيين الفريق الإخواني علي محسن الأحمر مكانه أثار سخط الحكومة الإماراتية.
الشهوة الإماراتية لابتلاع الموانئ!
إن حكام أبوظبي قد أطلقوا مشروعا ضخما لتوسيع رقعة نفوذهم العالمي وفي هذا المشروع قد أولوا اهتماما بالغا بالموانئ التي تتمتع بأهمية جيوإستراتيجية بالغة فزحفوا في هذا الصعيد كالتالي:
اليمن: وقعت الإمارات العربية المتحدة سنة 2008 اتفاقية لاستئجار الميناء لمدة تبلغ 100 عام إلا أنها أهملت الميناء تماما فهذا الميناء كان ولايزال يعتبر المنافس الأول لموانئ جبل علي وراشد الاماراتيين حيث أن استقبال الحاويات شهدت تراجعا تبلغ أكثر من 50 بالمئة حيث أن الحكومة اليمنية الجديدة سنة 2013 تقوم بالغاء هذه الاتفاقية إلا الأطماع تجعل أبوظبي أن تسترد الميناء بالقوة سنة 2015 وأن تمدد سيطرتها على سائر موانئ يمنية تشمل: ميناء المكلا – ميناء الشحر – ميناء بلحاف – ميناء المخاء وجزيرة سقطري.
اريتريا: إن الإمارات العربية المتحدة أنشأت أول قاعدة عسكرية بحرية لها خارج الحدود في ميناء عصب الإريترية.
الصومال: نجحت الإمارات العربية المتحدة في الاستئثار بإداره ميناء بربرة الواقعة في جمهورية الصومال.
بونت لاند: في هذا الإقليم شبه المستقل عقدت الإمارات اتفاقية امتياز لمدة 30 عاما لتطوير وإدارة ميناء بوصاصو الإستراتيجي بتكلفة تبلغ 336 مليون دولار.
جيبوتي: عقدت الإمارات العربية المتحدة عام عقدت امتياز مع جيبوتي للاستثمار في محطة حاويات دورالية إلا أن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله ألغى عام 2014 هذه الإتفاية بحجج مسنودة سعوديا على أن الإمارات قد قدمت الرشاوي للفوز بالقضية.
فعلى ما يبدو لم تبق لاستكمال الإمارات سيطرتها البحرية على باب المندب إلا ثلاثة موانئ وهي: جزيرة ميون اليمنية – ميناء الحديدة اليمني – و محطية دورالية الجيبوتية. هذا ويجب ألا نتجاهل أن الإمارات العربية المتحدة تدعم الحركات الانفصالية في صوماليلاند وبونت لاند كما أنها تقدم الدعم اللوجيستي لانفصاليي جنوب اليمن الذين يتزعمهم المدعو عيد روس الزبيدي.
هذا وشركة موانئ دبي العالمية كذراع استثماري لدولة الإمارات قد تمكنت من خلال ذرائع اقتصادية من بسط سيطرة أبوظبي في سائر الموانئ العالمية وذلك كما يلي:
ميناء جن جن (الجزائر)
ميناء كالاو (بيرو)
ميناء بورتو كابيلو (فنزويلا)
ميناء بورت دو فوتور (السنغال)
ميناء داكار (السنغال)
ميناء فانكوفر (كندا)
ميناء بورتو سوسيدو (جمهورية الدومنيكان)
ميناء مابوتو (موزمبيغ)
ميناء العين السخنة (مصر)
ميناء بورتو نوفو (الأرجنتين)
الخلافات الأيديولوجية:
اذا تجاهلنا الخلافات الإستراتيجية والأرضية السعودية – الإماراتية فلا يمكننا إطلاقا تجاهل الخلافات الأيديولوجية القائمة بين هاتين الدولتين حيث أن الإمارات العربية المتحدة ترى نفسها “بديلا تقدميا لما تصفه بالإسلام الراديكالي الذي يتخذ من الرياض عاصمة له”. فليس من الغريب أن يقول محمد بن زايد وفقا لوثائق ويكيليكس المسربة: “الإمارات وقطر خاضتا حروبا ضد السعوديين والإمارات خاضت 57 معركة ضد السعودية خلال ال 250 سنة الماضية. السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط”.
هذا وتحاول أبوظبي أن تخضع الولايات المتحدة بهذا النظر أن الإمارات هي البديل الوحيد الذي يقدر هزيمة الإسلام المتطرف ففي وثيقة يعود تاريخها لعام 2008 والتي سربها ويكيليكس يحاول وزير الخارجية الإماراتي تأليب الأمريكيين ضد نظام الحكم في السعودية فقد أكد بن زايد لمسؤول أمريكي: :”على الرغم من نوايا الملك عبدالله الصادقة في محاربة اللإسلام الراديكالي إلا أن رجلا في السادسة والثمانين لا يمكن أن يكون راعيا للتغيير”.
من جانب أخر هناك نظرة دونية لحكام الإمارات بالنسبة لحكام أل سعود حيث تكشف برقية دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس أن محمد بن زايد قد سخر من الطريقة التي يتلعثم فيها وزير الداخلية السعودي نايف بن عبدالعزيز حيث أكد أنه كلما يرى نايف كلما يترسخ لديه الاقتناع بأن داروين كان محقا حين قال إن الإنسان انحدر من القرد.
وبحسب وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 12 من حزيران\ يونيو 2004 يقول محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات للجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأمريكية في العراق خلال اجتماع على العشاء في أبوظبي: “نحن – أنا ومحمد بن زايد- عندما ننظر إلى أكثر من 100 كيلومتر أمامنا فإن القيادة السعودية لا تنظر لأكثر من كيلومترين فقط! وفي الاجتماع ذاته يضيف بن زايد: القيادة السعودية لا تملك رؤية طويلة المدى وهو ما سمح للمتطرفين أن يصبحوا أقوياء ولذلك فإن المنطقة كلها تعاني الأن. واخيرا يؤكد بن زايد خلال الاجتماع نفسه: القيادة السعودية هرمة”.
يحاول حكام أبوظبي لهزم الأيديولوجية السعودية التمسك بكافة الأليات المتاحة بما فيها موضوع المرأة وتقديم صورة مشرقة من المرأة الإماراتية أمام الصورة المنكوبة للمرأة السعودية.
مريم المنصوري كأداة فاعلة لتشويه سمعة المملكة
حسب وثيقة اخرى سربها موقع ويكيليكس يقول بن زايد نهاية عام 2008 لقائد العمليات البحرية الأمريكية: قد تغير العالم والإمارات ستظل متفائلة على الرغم من وجودها في منطقة يغلب عليها التخلف وضرب بن زايد مثلا على التخلف بجارته السعودية التي لا يستطيع 52% من سكانها قيادة السيارة.
وفي السياق نفسه قد كلفت السلطات في أبوظبي الطيارة العربية مريم المنصوري على رأس القوة الجوية لاستهداف مقرات داعش في العراق وسوريا مما أثار احتفاء عالمي بإنجازاتها حيث أكدت الصحافة الغربية بترحيبها الواسع لمعطيات المرأة الإماراتية وقارنت إمكانياتها المتاحة بحياة المرأة السعودية اليومية وفي السياق نشرت قناة فوكس نيوز فيديو من مريم المنصور حيث علقت المذيعة كيمبرلي غيلفويل متحمسة على إنجازات المنصوري: “كنت أتمنى لو كانت مريم طيارة أمريكية ربما كان ذلك ليكون أقسى وقعا على داعش ففي بعض الدول العربية (السعودية) لا تستطيع النساء حتى أن تقود السيارة”.
الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف
قد بذلت الإمارات العربية المتحدة جهودا مكثفة لحل قراءتها التوسطية من الإسلام محل القراءة المتطرفة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية حيث شهدنا ذروة هذه الجهود في مؤتمر غروزني العاصمة الشيشانية الذي تم عقدة اغسطس 2016 بحضور مكثف من رجال الدين والدعاة المدعومين من قبل دولة الإمارات بما فيهم مشيخة الأزهر الشريف ما تمخض عن صدور بيان بعنوان: “من هم أهل السنة والجماعة” والذي تم التأكيد فيه على أن “أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية”وتحديد الأزهر الشريف والقرويون والزيتونة وحضر موت ومراكز العلم والبحث فيما بينها ومع المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية والتي جلها يدعمها النظام الإماراتي وذلك باستثناء السلفية والوهابية مما أثار حقد السعودية وغضبها.
المؤتمر جعل السعودية أن ترد خانقا وأن تقيم مؤتمرا بعنوان: مؤتمر منى في مكة المكرمة محذرة من أي تكتل يفرق المسلمين.
التنافس المميت للحصول على عنوان الدولة الخنجر
يمر المشهد السياسي في الإمارات والسعودية بتنافس إقليمي شديد للحصول على عنوان الدولة الخنجر واسترضاء الولايات المتحدة. في المؤلفات السياسة تعرف الدولة الخنجر بأنها دولة يتم تحريك جهودها وإدارة مخططاتها من قبل دولة عظمى تحاول تحقيق أهدافها دون أن تترك من نفسها بصمات ظاهرة. فكما أشرنا سابقا تحاول الإمارات العربية المتحدة أن تقدم نفسها كبديل تقدمي للمملكة العربية السعودية مما حدا بالرياض أن تبدأ مشوارها الصعب في الحد من صلاحيات رجال الدين في المملكة كما ان كلا من ذا ايكونوميست وبلومبيرج مدحت محمد بن سلمان على أنه وجه جديد للملكة العربية السعودية و”الرجل الذي يحاول أن يغير المملكة اقتصاديا واجتماعيا”. وبحسب ميدل ايست أي فأن الأمير سلمان بدأ في تقليل دور الشرطة الدينية”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في شوارع السعودية كما بدأ في اعتقال بعض المفكرين الإسلاميين الموثرين هناك بالاضافة إلى عزمه على الغاء هيئة كبار العلماء وهي كيان ديني إسلامي رئيسها هو مفتي الديار السعودية كما يخطط الأمير سلمان إلى اعتقال كل نشطاء الوهابية في المملكة.
هذا التنافس العقائدي يثير هواجس القلق لدى الخبراء الجيوإستراتيجيين العرب حيث أنه سيؤدي أخيرا بقادة الدولتين أن يلجئوا بالمزيد من التنازلات السياسية والاقتصادية أمام الدول الغربية وهذا أمر لا يبشر بمستقبل مشرق لمواطنيهما.