اخوان اليمن.. بين العلمنة والشيطنة
كثر الحديث في الساحة العربية عن الدولة المدنية والتبشير بها والملفت
للنظر أن ما يسمى بثورة الشباب أصبحت المدنية شعارا?ٍ لها وهدفا من أهداف
المرحلة الحالية.. وفي هذا السياق برز رجالات الدين ومشائخ القبائل
للحديث عن الدولة المدنية والترويج لها!!.. ولكن السؤال هل يقول لنا
الداعين الى الدولة المدنية وفي مقدمتهم دعاة الإسلام السياسي (الإخوان
المسلمين)? وحلفائهم في حزب الإصلاح ومشائخ القبائل ماهي معايير الدولة
المدنية بالنسبة لهم?!
اما الشباب في الساحات فإن مؤشرات الدولة المدنية قد ظهرت وعلاماتها قد
لاحت في ساحات الاعتصام في صنعاء وغيرها من خلال الدور الذي تقوم به
ماتسمى اللجنة التنظيمية في ساحة الاعتصام المعتبرة لنفسها الصوت الوحيد
والرافض لأي صوت آخر بل والمحاولات المستمرة لتوجيه أفكار وتوجهات
الآخرين وبما يتناسب معهم ولو بشق السيف.
منع حرية التعبير.. وتعدد المنابر:-
استخدام القوة لغرض الرؤى والأفكار حقيقة متجذرة لدى الإخوان? وما
يمارسونه في الجامعة والمتمثل في استخدام العنف المفرط ضد الشباب يجعلنا
نبرئ النظام الذي خرجوا يوما من أجل تغييره? فالأساليب التي يستخدمها
القائمون على اللجان المنظمة ضد الشباب المعتصمين والمتمثلة في اتهام
المخالفين بأنهم عملاء للأمن واستخدام العنف المفرط ضربا وحجزا في بدروم
مسجد الجامعة والاستعانة بما تبقى من أفراد وضباط الفرقة للتنكيل
بالمعتصمين? تجعلنا نتساءل ماذا لو وصل الإخوانيون الى السلطة وتمكنوا من
السيطرة على القوات المسلحة? كيف سيكون حالنا?!
الدولة الدينية والدولة المدنية:
عندما انتشرت المسيحية في أوروبا وأصبحت الكنيسة أكبر مالك للأراضي وأضحت
قوة روحية وسياسية هائلة استطاع القائمين على الكنائس أن يفرضوا سلطاتهم
على الدولة حيث كان الحكام يكتسبون شرعيتهم من الكنيسة وكان القسسة
حينذاك هم من الذين ينصبون الأباطرة وينزعون عنهم الشرعية? وعندها عرفت
ما تسمى بالدولة المدنية? وعندما قامت الثورة الفرنسية (1789-1799م)
انتهت الدولة الدينية في أوروبا وتم الفصل بين الدين والدولة مع تقرير
حرية الدين والمعتقد.
الدولة في عصر الإسلام
لم تعرف البيئة العربية الصحراوية قديما معنى الدولة بالمفهوم الدقيق
ولكن يمكن القول إن الرسالة النبوية التي جاء بها محمد صلى الله عليه
وسلم وما حملته من أفكار تنويرية كانت بداية ظهور الدولة وقد بدأت الدولة
الإسلامية الأولى في المدينة المنورة وكان الرسول الأكرم مبلغ الرسالة من
ناحية وممارسا لسلطة الحكيم من جهة أخرى? ومن هنا نجد عمق الترابط بين
ظهور الدولة ونشأتها وبين الرسالة الجديدة? وقد جاء الخلفاء من بعده
ليسيروا على نفس النهج المرسوم لهم? وإذا كان المسلمون أعلم بشؤون دنياهم
وأمرهم شورى بينهم? فيما الرأي الراجح لدى المفكرين الإسلاميين يتمثل في
أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية باستثناء الشيعة الإمامية الذين
يؤمنون بولاية الفقيه ويقتربون من فكرة الدولة الدينية? وهنا يبرز
التساؤل الذي يطرح نفسه وهو ماهي معالم الدولة المدنية?!
معالم الدولة المدنية
إذا كانت المرجعية في الدولة الدينية خارج نطاق البشر وفوق عقولهم فإن
المرجعية في الدولة المدنية تعود لإرادة الناس وفكرهم ذلك أن الدولة
المدنية تقوم على مبدأ أساسي مقتضاه أن إرادة الناس هي مصدر كل السلطات
ومرجعيتها النهائية. باعتبار الدولة المدنية تقوم على أساس القانون وتبني
النظام الديمقراطي ومبدأ المواطنة المتساوية أمام القانون بغض النظر عن
الخلفية العرقية او المذهبية او الدينية.
بيان علماء الانقلاب:
بدا بيان العلماء الأخير الذي أصدره بعض العلماء سياسيا أكثر من كونه
دينيا? فالبيان صادر عن رجل اعتاد اليمنيون على فتاواه السياسية المحملة
بالصبغة الدينية? ناهيك عن انسحاب أحد العلماء الكبار من البيان وما حواه
من تسييس للدين في خدمة المصالح? ولعل الأخطر من ذلك هو الطريقة التي
حاول البيان إظهارها لإسقاط شرعية الحاكم? وتعيين آخر بعيدا عن مبادئ
الدولتين المدنية والدينية المعتمدتان إما على الشورى او تحكيم كتاب الله
وسنة رسوله او عبر الانتخابات? معتمدا في البيانات على الزج بالقبائل
اليمنية الى تكوين تكتلات للقبائل اليمنية وتشكيل مجلس أعلى لها يهدف الى
توحيد جهودها وإصلاح أوضاعها وحل مشاكلها? وهي بمثابة الدعوة الى هيمنة
القبائل على الدولة القادمة التي يدعون أنها مدنية وفي الأصل ليست سوى
بديل للشرعية الدستورية.
مبادئ الدولة المدنية
المتعارف عليه في أدبيات علم السياسة أن الدولة المدنية تطرح في مواجهة
الدولة الدينية? وتعتبر المدنية شرطا من شروط العمل السياسي وتعبيرا عن
المجتمع المدني الذي يتساوى فيه أفراد المجتمع بكل حقوقهم المدنية بغض
النظر عن الدين والجنس والعرق فالكل يتمتع بكامل حقوقه الدينية
والاجتماعية والسياسية والحقوقية التي تقوم على الحداثة وهي دولة المجتم