المجلس الانتحاري
لا إساءة لساحات الشباب السلمية أكثر من إعلان (( مجلس انتقالي )) من قبل تكتل المشترك المعارض وشركائه , إذ أن القاعدة المدنية التي انطلقت منها الحركات الشبابية لا تتوافق إطلاقا مع توجه (( المجلس )) وما بعده ..
إعلان مجلس انتقالي في وضع كهذا , حيث كل شيء منقسم ـ الشارع , القبيلة , الجيش ـ , ليس إلا إعلان لحرب أهلية ـــ لا سمح الله ــ قد يعرف صناعها متى وكيف تبدأ غير أن أحدا لا في الداخل ولا في الخارج بمقدوره التنبؤ متى وكيف ستنتهي …
يأتي إعلان المجلس ـ ان تم ــ لا ليحل مشاكل عالقة وإنما ليضيف الى المشهد اليمني خطأ من أخطاء أجهضت سلمية ما يسمى ثورة الشباب وأعادت خلط أوراقها المدنية , بل وأخرجتها من مسارها الآمن , سواء بانتهاك طابعها السلمي أم جرها الى مسلك غير حضاري ..
شيء من الغباء السياسي هو ما نلحظه في سلوكيات المشترك . أو ليس من الغباء الدخول في معارك الكل فيها خاسر , أما الغباء السياسي الشديد هو تكرار الأخطاء … فبمثل ما كانت ساحات الاعتصام المطالبة بإسقاط النظام محاكاة لثورتي تونس ومصر , تأتي فكرة إعلان مجلس انتقالي محاكاة أيضا ولكن لما يحدث في الشقيقة ليبيا . وإن كان من معنى لذلك فهو قبول قادة تكتل المشترك أن يحصل في اليمن ما تشهده ليبيا من حرب أهلية , وقصف دولي يدمر بحقده كل مقومات الدولة والسيادة الوطنية , ويعيد ليبيا الى الوراء عشرات السنين , بل وجعلها في الأخير دويلة ممزقة اجتماعيا وسياسيا تعيش تحت الوصاية الدولية . وهذا ما سيكون ــ لا سمح الله ــ في اليمن بذرائع شتى , تارة لفض النزاع بين الأطراف المتحاربة ومكافحة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب , وتارة أخرى لتأمين الملاحة الدولية .
البيان الصادر عن الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي أعلن فيه رفضه القاطع لأي تدخل أجنبي في اليمن , لا يعني ان موقفه هذا سيظل على حاله حتى الأخير , فإذا ما وقع المحذور سنجد الزنداني أول من يشرعن التدخل الخارجي , تماما كما فعل إخوان له في ليبيا .. كان الإخوان المسلمين هناك لا يقبلوا حتى فكرة التدخل الأجنبي , وما ان وقعت الحرب الأهلية حتى وجدنا مرشدهم العام يطالب الأمريكان وقوات الناتو بالتدخل العسكري في بلاده ..
أن معارضة كهذه لا تستحق الثقة . وإذا كان النظام الحاكم قد أدمن اللعبة السياسية , فإن قادة تكتل المشترك يمارسون انتهازية سياسية لن يترددوا بسببها في تقديم تنازلات كبرى من أجل إزاحة النظام من طريقها ..
في الأخير ,,, وقبل أن يقع الفأس في الرأس , وقبل ضياع الفرصة الحقيقية لإصلاح العقد الاجتماعي بعد أن بات في متناول اليد , ينبغي على قادة المعارضة أن يتقوا الله في أنفسهم , وفي الوطن , وأن يراجعوا مواقفهم , وإخضاعها للقاعدة المعروفة : لا مهادنة تسعى لإبقاء النظام , ولا مغامرة تسعى الى تفجير وانتحار البلد ..
جوهر السياسية بحسب الفيلسوف ليوستراوس ” هي التغيير أو المحافظة على الأمر الواقع , ويكون التغيير واجبا حينما يكون اخذ الأمور الى ما أفضل وأكثر تقدما , وتكون المحافظة لازمة إذا كانت الأوضاع سوف تسير الى الأفضل …
Nmm7979@gmail.com